فضيل.. أيقونة المكارم

كتب- عبدالعظيم سعيد:
لكي لا ننساهم وهم في علاهم
فضيل علي محمود رجل من الزمن الجميل ..ولد اوائل الثلاثينيات من القرن الماضي .. نشأ وترعرع على ضفاف النيل والنخيل بالجباراب .. الدامر .. حيث جمال النفوس والخضرة والماء والوجه الحسن والكسب الحلال .. ومكارم الأخلاق من آباء كرام أماجد ..فشب الفتى وشاب على صنائع المعروف وإكرام الضيوف منذ نعومة اظفاره وصباه الباكر ..كان فريد عصره وزمانه ونسيج وحده .. رجل من اواسط الناس وعامتهم ..جمع كل الناس واجتمعوا حوله واجمعوا على محبتهم له ومحبته لهم جميعا.. .داره المرحابة الواسعة المفتوحة دوما اناء الليل وأطراف النهار ..كانت ومازالت مركزا وماوى للناس كل الناس .. العابر والمريض والصحيح والمسافر والمقيم ..طلاب العلم والجامعات القدامى والجدد كل سكن واستقر ردحا من الزمان في دار فضيل حتى تخرج وبعد التخرج .. وكل منهم له ذكريات جميلة وأيام خضر نواضر وقصص وسمر وانس لطيف مع فضيل واسرته الكريمة المضيافة .. ومن خالط الكرام يكرم ..ومن عاشر السعيد يسعد.. وهكذا دواليك وفضيل ..هو نفسه فضيل بسمته واريحيته وكرمه وبشاشته المعهودة وجبينه المطروح الوضاح وصفاء سريرته وعلنه ..كان رجلا عجيبا.. فريدا لايجارى في كل مناحي حياته العامرة الزاخرة بكل المحاسن وجميل الصفات وكريم المعاني .. لم ارى في حياتي نهجا وطريقا وسلوكا اجمل وافضل واروع ..من نهج فضيل .. هذا الرجل الأمة ذو الخصال السمحة والفيوض الزاخرة كالبحار الدافقة في المروءة ومكارم الأخلاق ..فضيل رجل سارت بذكره الركبان..وله في دروب الجود والكرم ونصرة المظلوم وكفالة الأيتام والأرامل والمساكين قصب سبق ويد طولى .. قصص وحكايا ..لايسعها مقال كهذا ..بل لايسعها كتاب ضخم .. ومن أراد أن يعدد ماثر الرجل الكبير ..فقد سلك طريقا صعبا دونه خرط القتاد ..ففضيل رجل أكبر من المعاني والعبارات وأكبر من المعاجم والمفردات ..!! ..وماحديثي هذا وكليماتي هذي القاصرات..إلي كقطرات صغيرات في محيط الرجل الكبير وبحره اللجي .. وقديما ..كانت العرب تقول (حسبك من القلادة ما احاط بالعنق) .. حدثني أخي الأكبرالمرحوم علي سعيد خالد.. حدثني عن قصص كثيرة وحكاوي جميلة في حياة الفقيد الراحل المقيم فضيل ..نذكر منها .. أن أخي عليا .. عليه رحمة الله كان صاحب عربة شاحنة (قندران) ماركة فيات ..وكان كثير السفر والترحال ذلك بطبيعة عمله..قال لي يوما ونحن في طريقنا من مدينة الرنك بجنوب السودان إلي الخرطوم .. والحديث لعلي ..قال ..حينما وصلنا إلي منطقة جودة أردنا ان نشتري الزوادة ..فوجدنا على حافة الطريق سوقا للسمك فتوقفنا عنده ..والباعة من الشلك والنوير ..وقفت عند احد الباعة وهو يفترش أكواما من السمك ..فقلت له بكم سعرهذا الكوم .. فقال لي بجنيهان ..فقلت له ممازحا .. إن سعر هذا السمك عند فضيل أقل من ذلك بكثير ..فرفع الرجل راسه وقال لي مندهشا .. أو أنت تعرف فضيل ..فقلت نعم هو أخي بن عمي ..فقال لي مبتسما .. إذن خذه بالجنيهان وخذ معة ثلاثة أكوام هدية مني لمعرفتك وصلتك بفضيل صديقي العزيز الذي اعرفه منذ زمان بعيد ..كان فضيل يعمل في مهنة التجارة بسوق السمك في الموردة بأم درمان .. يعرف كل أهل المدينة الوطنية تقريبا ويعرفونه أيضا .. وكان مواطنا صالحا مقيما في مدينة الفتيحاب العريقة (حي الشقلة) الكبير .. بل هو تاجر في المكارم .. وحسن الخصال وكريم السجايا وجميل الفعال ..كأنه خلق لذلك ليهديها للناس ..كافة الناس ..دون من أو اذى .. ودون مال.. فقط لوجه الواحد المتعال..وليس ذلك بعسير على الله سبحانه وتعالى وهي نفحة يختص الله بها من عباده من يشاء وليس ذلك بكثير كسب أو بكثير مال وكل ميسر لما خلق له..كان فضيل عليه الرحمة والرضوان يطوف بالأسواق الشعبية بمدينة أمدرمان الكبرى مساء كل يوم ليشتري كل ماتبقى من مفروشات النساء الأرامل ومن بضائع الفقراء والمساكين ويجمعها في (قفاف) وهو غير محتاجا لها البته .. فقط إكراما لأصحابها ولحفظ ماء الوجه ورفع الحرج عنهم واحترامهم ..ومن ثم يقوم بتوزيعها لآخرين الله اعلم بهم ..وصدق زميلنا الأستاذ احمد عبدالوهاب ..حينما كتب ذات صباح في عموده المقروء (فنجان الصباح) بصحيفة ألوان .. كتب مقالا رائعا عن فضيل .. تحت عنوان ((فضيل .. رجل مهنته الكرم )) نعم وهو كذلك..أخي احمد .. رجل مهنته الكرم ومكارم الأخلاق..رحم الله اخينا وكبيرنا وعزيزنا وقدوتنا وفخرنا وعزنا ومنارتنا السامقة(أبوالصادق) ..وعلى مثل فضيل فلتبك البواكي..!! نسال الله له الرحمة والمغفرة والرضوان ..ونسأله تعالى أن يسكنه أعالي الجنان.. الفردوس الأعلى إنه ولي ذلك والقادر عليه .. وان يجعل البركة في عقبه واحفاده جميعا ..وان يحفظهم بخير مايحفظ به عباده الصالحين ..وآخر دعوانا ان الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين ..سيد الأولين والآخرين ..سيدنا ونبينا محمد بن عبدالله عليه افضل الصلوات وأتم التسليم ..وعلى آله وصحبه أجمعين.
تحياتي..
عبدالعظيم سعيد رابطة الإعلاميين / الدامر / 0129028649



