مقالات

مصر وأخوان السودان .. من “خندق التناحر” إلى “مربع التناصر” – 3 –

الهادي محمد الأمين:

في بدايات عهد الإنقاذ حاول الحاكمون الجدد إرسال رسائل تطمينية للحكومة المصرية بهدف إزالة أي مخاوف أو هواجس أو تحفظات مؤكدة بأن مصالحها في (السودان) محفوظة ولن تتأثر وأن (جنوب الوادي) مكمل لـ (شمال الوادي) في توأمة تجمع البلدين وقد حمل صندوق هذه الرسائل السفير المصري لدي (الخرطوم) حسن الشربيني الذي أكد للقيادة المصرية أن (مصر) لن تتضرر من حكم الإنقاذ واختصر حديثه في عبارة موجزة (أولادنا الصعايدة وصلوا) لكن (مصر) تحفظت بشأن سياسية القادمين الجدد الذين فتحوا ابوابهم للفصائل المصرية الأصولية المعارضة لنظام حكمها واستضافة كبار قادتها أمثال الشيخ عمر عبد الرحمن وأيمن الظواهري وفتح المجال لـ (الجماعة الإسلامية) و (حركة الجهاد) المصريتين للإستقرار والإقامة في (الخرطوم) وتحت رعاية نظام الإنقاذ غير أن الإنقاذيين وخلال زيارة عمل رسمية للواء طيار معاش محمد الفاتح عبد الرحمن عابدون الذي وصل (القاهرة) أكد للحكومة المصرية أن وجود هذه المجموعات في (الخرطوم) أفضل من وجودها في أي منطقة من بؤر التوتر المشتعلة حول الإقليم وأن وجودهم في (الخرطوم) لا يشكل خطراً علي الأمن القومي المصري باعتبار أن الوجود لقيادات هذه الحركات هو وجود لا يحمل أي دلالات سياسية أو أمنية وليس لهم أي نشاط أو حراك – سري أو معلن – معادٍ لنظام محمد حسني مبارك في (القاهرة) ويمكن ضبط إيقاعهم والسيطرة عليهم وفرملة أي تحركات من جانبهم يمكنها أن تهدد أمن (مصر) من البوابة الجنوبية كما أن ظهور بعض القيادات السودانية ذات التوجه الإسلامي في بعض المواقع التنفيذية والدستورية في أجهزة الحكم والسلطة في (الخرطوم) جاء بسبب كفاءاتهم وخبراتهم للإستفادة منهم وليس علي أساس خلفياتهم العقائدية وتوجهاتهم السياسية ويمكن الإطاحة بهم في حال تشكيل هم لأي خطورة للجارة الشمالية .
– منطق (الخرطوم) لإقناع (القاهرة) كذلك اعتمد علي التناقضات في المشهد الديني في الساحة السودانية التي كانت تشفع لصالح الحكومتين السودانية والمصرية علي حد سواء حيث أن حركة الأخوان المسلمين السودانية بقيادة الشيخ صادق عبد الله عبد الماجد قد أظهرت توجهاً معارضاً للإنقاذ وحتي الجناح المنشق منها بقيادة الشيخ سليمان عثمان أبونارو كان معارضاً النظامين في (الخرطوم) و (القاهرة) في حالة مشابهة لمعارضة (أخوان مصر) لنظام حسني مبارك وأن أخوان السودان التابعين للتنظيم العالمي في (مصر) معارضون للنظام الجديد مشكلين جبهة معارضة تنسق مع حزب الأمة والسلفيين في كيان يطلق عليه (تجمع أهل القبلة) ظهر فيه إلي جانب الصادق المهدي الشيخ محمد هاشم الهدية والحبر يوسف نور الدائم وعصام أحمد البشير وأن السلطات في (الخرطوم) ألقت القبض علي عبد الطيف الجميعابي من حزب الأمة ومحمد أبو زيد مصطفي من السلفيين بتهمة التخطيط لقيادة إنقلاب ضد الإنقاذ وان المتطرفين المصريين أمثال محمد نجيب المطيعي وأبو الخير المصري وغيرهما مثلما كفّروا النظام المصري ورئيسه حسني مبارك يكفّرون نظام الإنقاذ وحسن الترابي وعمر البشير غير أن عيون (مصر) التي لا تنام والمنتشرة في العاصمة (الخرطوم) من خلال السفارة والقنصلية و (جامعة القاهرة فرع الخرطوم) و (مدرسة جمال عبر الناصر) بالإضافة للمدارس المصرية (الري المصري) المنتشرة في العاصمة الهجوم وعدد من مدن البلاد (البعثة المصرية) والطواقم العاملة في هيئة مياه وادي النيل كانت تنظر وتفحص التطورات في (السودان) لتؤكد المؤشرات والحيثيات والوقائع أن الواقع علي الأرض خلاف ما تعكسه حكومة الإنقاذ التي تمارس الخداع والتضليل والتعمية والمراوغة واللعب علي جميع الحبال فعمدت (مصر) علي تأمين جنوبها من خلال إتخاذ إجراءات إستباقية وتدابير منعية باكتساح قواتها لـ (حلايب وشلاتين وأبو رماد) لتنشر قوات جيشها وتبسط سيطرتها عسكرياً علي هذه المناطق والعمل علي (تمصيرها) ثم أغلقت حدودها الجنوبية مع (السودان) وقفلت منافذها ومعابرها البرية وأغلقت مجالها الجوي أمام حركة الطيران السوداني ومنعت السودانيين المرتبطين بالنظام الحاكم في (الخرطوم) من الدخول أو عبور أراضيها .
– في مقابل سياسة (التمصير) التي نفذتها (مصر) وحولت بموجبها (حلايب وشلاتين وأبو رماد) لأراضٍ مصرية مع إغلاق حدودها الجنوبية ظهرت سياسة (السودنة) من جانب الإنقاذ كرد فعل لسياسة (التمصير) فتم (سودنة) (جامعة القاهرة فرع الخرطوم) وتحويلها لـ (جامعة النيلين) وتعيين بروفيسر إبراهيم الأمين حجر ،كأول مدير للجامعة بعد قرار سودنتها هذا إلي جانب وضع اليد علي (مدرسة جمال عبد الناصر) الملاصقة لـ (جامعة القاهرة فرع الخرطوم) بالإضافة إلى (سودنة) جميع المدراس المصرية في (السودان) مع قرار بطرد البعثة المصرية من البلاد وحظرت وزارة الثقافة والإعلام حينها بث الدراما المصرية وإيقاف عرض المسلسلات المصرية على شاشة التلفزيون القومي واستبدلتها بالدراما السورية ومن المفارقات في ذلك الوقت أن السفر جواً من (الخرطوم) إلى (القاهرة) كان غير مباشر عبر العاصمة السورية (دمشق) ثم أعلنت الحكومة المصرية عن فتح مركز لـ (جامعة القاهرة فرع الخرطوم) بـ (القاهرة) ودعت الطلاب السودانيين المتضررين من قرار (السودنة) للإلتحاق بها ومواصلة تعليمهم داخل الفرع الجديد بـ (القاهرة) ووصلت العلاقة في ذلك الوقت لمرحلة القطيعة والتوتر والعداء المتبادل مع تصعيد سياسي وإعلامي ودبلوماسي متبادل بين الطرفين واتهمت الإنقاذ نظام حسني مبارك بمحاولته تصفية القضية الفلسطينية وقالت إن حسني مبارك باع القضية الفلسطينية لليهود الصهاينة فرد مبارك بطريقة ساخرة بقوله (لو احنا بعنا القضية الفلسطينية طيب هم ليه ما يشتروش منتظرين إيه ؟ نحنا ما بنخبيش حاقة علي الشعب !! ثم جاءت حادثة محاولة إغتيال محمد حسني مبارك في (أديس أبابا) لتضع علاقة الإنقاذيين مع (مصر) في نقطة اللاعودة وتدفن كل علاقات الجوار في الثرى مثلما تم دفنها مع بلدان (الخليج العربي وإثيوبيا وإريتريا) . وللحديث بقية بإذن اللـه.

 

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى