مقالات

أزمة الدواء.. المرضى يعانون مرتين

من حروفي

خالد الفكي سليمان:
khalid.faki77@gmail.com

تتصاعد معاناة المواطنين بسبب النقص الحاد في الأدوية، خاصة تلك المرتبطة بعلاج الحميات وعلى رأسها حمى الضنك التي تضرب مناطق واسعة، رغم المفارقة الصادمة بامتلاء مخازن الصندوق القومي للإمدادات الطبية بكميات ضخمة من الأدوية المنقذة للحياة والعقاقير والمحاليل الوريدية، والتي وصل سعر العبوة الواحدة منها في السوق السوداء إلى نحو خمسة آلاف جنيه سوداني.

ظهور وزير الصحة الاتحادي أمام الرفوف المكدسة بالأدوية مثّل اعترافًا صريحًا بوجود خلل هيكلي عميق في منظومة التوزيع، وأعاد إلى الأذهان ما تردد عن تعطيل متعمد أو تلاعب من بعض الموظفين والسماسرة وتجار الأدوية الذين حولوا حياة المرضى إلى سلعة رائجة في السوق السوداء. هذه الممارسات دفعت بأسعار الدواء إلى مستويات قياسية، لتصبح أبسط أنواع العلاج عبئًا لا يطاق على الأسر السودانية التي تعاني آثار الحرب وتدهور الأوضاع الاقتصادية في ظل انعدام فرص العمل.

المشكلة ليست في ندرة الدواء، بل في إدارته وتوزيعه. فقد كشفت تقارير صحفية عن تورط عناصر من مفوضية العون الإنساني في عرقلة وصول الأدوية إلى المستشفيات، ما عمّق الأزمة ورسّخ حالة الغضب الشعبي. كما كشفت الأزمة هشاشة آليات الرقابة وغياب الشفافية في واحد من أكثر القطاعات حساسية، حيث لا مجال للتهاون أو البيروقراطية حين يتعلق الأمر بحياة الناس.

الحل يتطلب معالجة جذرية تبدأ بإعادة هيكلة منظومة الإمدادات الطبية لتعمل بآلية سريعة وشفافة، بعيدًا عن التعقيدات الإدارية التي تسمح بمرور التلاعب. كما يفرض الواقع ضرورة فتح قنوات رقابة مستقلة يشارك فيها المجتمع المدني ونقابات الأطباء والصيادلة لضمان وصول الدواء إلى مستحقيه. إضافة إلى ذلك، ينبغي تبني سياسات تسعير عادلة ومدعومة من الدولة تحد من المضاربات التجارية وتكفل للمرضى الحصول على الدواء بأسعار معقولة.

ولا شك أن أزمة الدواء الراهنة ليست مجرد خلل إداري، بل جريمة في حق المواطنين كما وصفها وزير الصحة نفسه. والرهان اليوم على أن تتحول الوعود بمحاسبة المتلاعبين إلى إجراءات ملموسة تُنهي دورة الفساد وتعيد الثقة في منظومة صحية تنهض بمسؤولياتها تجاه شعب أنهكته الأوبئة والحرب.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى