رياضة

الاتحاد السوداني لكرة القدم بين عقلية الندرة ومنطق الوفرة

د.عبد الكريم الهاشمي:

في الوقت الذي تنتظر فيه الأندية والجماهير توسيع رقعة المشاركة وترسيخ مبدأ الشمولية لرياضة كرة القدم، فاجأ الاتحاد السوداني، الأوساط الرياضية بقرار مثير للجدل، يقضي بتحويل الاتحادات الانتقالية إلى مجرد “مناطق فرعية”، متراجعًا بذلك عن خطوة اتخذها في العام 2013م باعتماد 18 اتحاداً كاتحادات انتقالية وذلك لتوفيق اوضاعها لاعتمادها كاتحادات محلية وفق خارطة زمانية محددة نص عليها النظام الأساسي للاتحاد.

ظل الاتحاد السوداني متمسكًا بسقف لعدد الاتحادات المحلية هو 47 اتحاداً محلياً، دون أن يفتح باب الانتساب لاتحادات جديدة مؤهلة وجديرة بأن تصبح اتحادات محليه، بل هي أفضل بكثير من بعض الاتحادات المحلية من حيث البنيات التحتية والفنية والادارية، بالرغم من النص الصريح على الانتساب وشروطه في النظم الاساسية للاتحاد حتى المعدل (2025م) إلا أن هذا النص صار ديكوريا لا يعبر عن رغبة اكيده من اجهزة الاتحاد في انتساب اعضاء جدد، كأنما يتعامل الاتحاد بمبدأ “الندرة” في توزيع الفرص، متحاهلا استيعاب الواقع المتطور الذي يشهد انتشار لعبة كرة القدم في مختلف الولايات والمدن والقرى. إن إصرار اتحاد الكرة على إبقاء العدد محصورًا على 47 اتحاد، أفرز حالة من الجمود المؤسسي تتنافى مع التطور والازدهار، حيث يثبت الواقع العملي إمكانية معالجة هذا الجمود بفتح باب الانتساب واستيعاب الاتحادات الانتقالية والتي تدير شؤونها بكفاءة عالية، وتُنظم منافساتها بمواردها الذاتية وبذات النظام (System) الذي تدير به الاتحادات المحلية شؤونها حيث توفرت لها من الهياكل واللجان ما ساعدها على ذلك كلجان التحكيم والتدريب ولجان الانضباط والاستئناف كما تمتلك هياكل ادارية تعمل وفق مبادئ الحوكمة والشفافية، وتدير نشاطها من مواردها الذاتية دون أدنى دعم من الاتحاد العام. المفارقة أن ذات الاتحاد (مع اختلاف الشخوص والمفاهيم) الذي اعترف في 2013 بحق هذه الاتحادات في التدرج والانتقال إلى وضعية الاتحادات المحلية، هو نفسه الذي يعود الآن في 2025 ليقصيها ويعيدها خطوات إلى الوراء، ضاربًا بعرض الحائط النظم الأساسية التي أجازت نشأة هذه الكيانات كأجسام شرعية، بل ما زال الرياضيون يرفعون حاجب الدهشة من صدمة القرار ويبحثون عن مبررات له.

إن التفكير بمنطق “الندرة” لا يخدم الرياضة، بل يقيدها ويضيق مساحاتها، بينما المطلوب من الاتحاد التفكير في تطوير وترقية كرة القدم وفقا لمنطق “الوفرة” الذي يعني توسيع قاعدة الممارسة، والمرونة في زيادة عدد الاتحادات المحلية، وإتاحة الفرص أمام مئات الأندية لتجد لنفسها موقعًا داخل المنظومة الرسمية، وهذا مما يتوافق مبادئ الفيفا التي تدعم مبدأ الوفرة من خلال اعتمادها استراتيجية التنمية الشاملة لكرة القدم وتشجع الاتحادات الوطنية على دعم كرة القدم والعمل علي اتساع مظلتها لتشمل كل المناطق، وليس فقط في العوصم أو المدن الكبرى، وهذا يعني فتح المجال لعدد كبير من الاتحادات لتغطية كل الولايات كحالة السودان. كذلك فإن من مبادئ الفيفا الراسخة العدالة والمساواة في الفرص في المعاملة بين المناطق والأندية، وإتاحة الفرص للجميع دون تمييز جغرافي أو إداري.

يقف المشهد الرياضي اليوم أمام مفترق طرق، فإما أن ينتصر الاتحاد العام لقراره وينتهج سياسة الإقصاء وتقليص القاعدة الرياضية بنزع شرعية الاتحادات الانتقالية وقتل الطموح في تطور وازدهار الرياضة في المناطق التي تدير شؤون الرياضة فيها الاتحادات الانتقالية، أو أن يستمع مجلس ادارة الاتحاد لصوت العقل والواقع ويُوقف أي إجراءات آحادية تستهدف إنتزاع شرعية الاتحادات الانتقالية التي تضم أكثر من 500 نادٍ، ويذهب في اتجاه اعتمادها كاتحادات محلية تكون إضافة حقيقية تعزز انتشار اللعبة وتزيد من رقعة اتساعها. إن العيوب التي التي لحقت بقرار تحويل الاتحادات الانتقالية الى مناطق فرعية من حيث الشكل والمضون، وأن الاضرار الكارثية التي من المتوقع أن يتسبب فيها لجديرة بأن تجعل مجلس الاتحاد أن يعيد الكرّة مرة ومرتين في قراره لصالح الرياضة في السودان.
فهل ينتصر صوت الوفرة أم يظل الاتحاد أسير عقلية الندرة؟

Krimhashimi5 @gmail. Com
0912677147

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى