
د.معاوية عبيد:
الألقاب هي أسماء تُعطى لشخص ما غير اسمه الأصلي بغرض التعريف مثل كنية (أبي هريرة)، أو تستخدم للتشريف كلقب (الفاروق عمر بن الخطاب )، أو التحقير وهذه قد نهي عنها الإسلام تتنوع دلالات الألقاب لتشمل الإشادة بالفضائل مثل “أسد الله” لحمزة أو وصف صفات جسدية كاللقب “الأعمى” لعبد الله بن أم مكتوم، أو تعكس مكانة اجتماعية مثل ألقاب النبلاء، أو تكتسبها الأشياء كلقب “أم القرى” لمكة، و تُعطي الالقاب إشارة إلى فضائل الشخص وقدراته، مثل لقب “الزهراء” لفاطمة بنت محمد صل الله عليه وسلم، الذي يدل على نورها وبريقها.
إن معرفة الألقاب تساهم في فهم أدبيات وثقافة الشعوب ، وتُسهم في تمييز الشخصيات وتاريخهم، والسودان واحدة من أكثر الدول التي تتناول الألقاب التي تتولد من طبيعة الإنسان وهي تمثل بُعداً شعبياً و تراثياً و تدل علي الكرم والشجاعة و المروءة، و الجمال و أحياناً كثيرة تدل علي وصف الأماكن ، و في قلب السودان النابض في بوادى ( كردفان الغرة أم خيراً جوه وبره )، و هذا الوصف كناية عن خيرها الوفير وكرم أهلها و استقبالهم للضيف ، وفي هذه البقعة الخضراء ترقد مدينة (الأبيض ) التي تُعرف بعراقتها وموقعها الجغرافي المميز، فهي صرة السودان و قلبه النابض و تُعرف أيضًا بلقب شعبي فريد يتداوله السودانيون بفخر واعتزاز: ( أب قَبة فحل الدِيوم ) و هذا اللقب يضفي علي هذه المدينة الكرام أهلها بُعداً شعبياً و تراثياً ، فكلمة “أب” أو “أبو” في اللغة تعني المُلْك أو السُمو، وتشير إلى العراقة و الريادة، وكلمة “قُبة” أو “قَبة” كما يطلقها أهلها عليها تشير إلى “قُبة” بمعنى القُبة التي تُغطّي، أو ربما مجازًا إلى مكانة عالية أو مكان مهيب و توحي بالرفعة أو السيادة الروحية، وربما تَذْكِرة بالقباب الصوفية التي تنتشر في المدينة وتحمل رمزية دينية عميقة ،فنجد ( قُبة) الولي الصالح الشيخ إسماعيل الولي ، أما كلمة “فحل” في اللغة تُستخدم لوصف الشيء القوي، أو الرجل البارز، أو القوي في فِعْلِه ، و عادة ما يستخدمها السودانيين للرجل الكريم و السيد في قومه ، وكلمة “الديوم”: هي لفظة عامية أو محلية من “الديم” أو “الديوم” بمعنى الأرض المستوية أو المكان العام، أو أنها تحوير محلي لكلمة “الديم” التي تعني المطر المستمر أو الأرض الخضراء.
في المعاجم، “الديوم” متصلة بكلمة “دوم ديوم” بمعنى الاستمرار أو الدوام ، و تشير أيضاً إلى الحارات الشعبية أو التجمعات السكنية الأصيلة التي كانت ولا تزال نواة الحياة الاجتماعية في المدينة، إذا جمعنا هذا التحليل في تفسير مجازي، فإن اللقب يشير إلى أن مدينة الأبيض هي “أبو القبة”، القوية العريقة، ذات المكانة الدائمة”، أي مكان ذو هيبة، متين في التاريخ، مستمر في العطاء، وراسخ في الذاكرة الشعبية، راسخة بكرمها و خيرها وثقافة إنسانها المضياف ، و رغم ظروف هذة الحرب اللعينة التي قضت علي الأخضر و اليابس إلا أن مدينة الأبيض ظلت قوية متماسكة صامدة يدافع أهلها عن عراقة هذه المدينة التي أنساب حبها في دمائهم كما تنساب الأودية و الخيران متدفقة في وديانها الخضراء، ويظل خيرها جوه وبره و هي تستقبل الوافدين إليها من كل حدب و صوب من الخرطوم و جنوب كردفان وغربها من دارفور و من كل الولايات وارياف الولاية التي غزتها القوي الغازية المتمردة ، ويظل إنسانها يقتسم اللقمة مع ضيفه و يبتسم في وجه وتظل مؤسساتها قوية متماسكة تعطي دون منّ أو أذي، فكانت ( الهجانة أم ريش ) ترسم لوحة شرف ودروس قوية في الصمود والاستبسال فتجود وتزود عن حياض السودان وهذه المدينة العريقة بخيرة الرجال و الفرسان ، وها هو ديوان الزكاة يضع معان و علوم تدرس في العطاء والإنفاق في زمن قلة فيه الأموال واقتلعت المليشيا المتمردة الزرع و الضرع ، لكن تظل قيم التكافل و التراحم في نفوس أهل هذه المدينة و ديوان الزكاة رمزاً شامخاً في العطاء فجاءت نفرة الكرامة لتصل وثبتها الثانية عشر وهي تحمل في جوفها أكثر من (١٣٧٠٠) جوال ذرة و دخن بتكلفة بلغت أكثر من اثنين مليار وخمسمائة مليون جنيها يستفيد منها أكثر من اربعين ألف أسرة من الفقراء و خلاوي القرآن الكريم و دعم التكايا و العاملين بمؤسسات الدولة و أسر الشهداء و مراكز الايواء و الائمة و الدعاة، و دعم المجهود الحربي و دعم نقدي لأكثر من (٣٠٠٠) من جرحي العمليات بالاضافة لتوفير جهاز أشعة متحرك لقسم العظام و تركيب منظومة طاقة شمسية لبنك الدم بمستشفي الأبيض و توفير (٤٠) نقالة و عدد من الأَسِرْة و الكاوتش للمستشفي العسكري بالأبيض و ست ماكينات غسيل كلي لمستشفي الجميح.
كل هذا الخير الوفير الذي جاد به أهل الخير من دافعي الزكاة بولاية شمال كردفان و شهد على (نفرة الكرامة الوثبة رقم “١٢” ) وزير الموارد البشرية و الرعاية الإجتماعية و أمين عام حكومة ولاية شمال كردفان الوالي بالإنابة و الأمين العام لديوان الزكاة و مدير عام الموارد البشرية والمالية بديوان الزكاة و مدير عام الصندوق القومي للتأمين الصحي و مدير عام مفوضية الأمان والتكافل وخفض الفقر وعدد من أعضاء حكومة ولاية شمال كردفان وجمع غفير من أهالي مدينة الأبيض.


