مقالاتمنوعات وفنون

الأستاذ الزبير عوض الكريم عبدالماجد.. ظل من شجر الحراز

بقلم/ هشام عباس زكريا:

هل تلكم القرية الوادعة الممتدة على شرق النيل في الشريط الغربي لمدينة (عطبرة) هي بقايا (نيزك) من الإبداع سقط في هذا المكان؟، أم هي (قارورة) عطر وشعر وأدب وكلمة، كانت في متاع (المتنبئ) الذي دون شك مر من هذه البقعة؟،أسئلة ظلت بخاطري لماذا اقترنت السيالة بالإبداع والشعر والنظم؟ فوراء كل باب شاعر، وخلف كل جدار أديب، وتحت كل نخلة فيها يجلس فنان، وفي نادي السيالة سوق (عكاز)، ولا شك أن شجرة الحراز الكبيرة قبالة جامع السيالة ظلت تنثر الأدب والفن وعمق الكلمة على الناس هناك في هذه القرية المبدعة.
في منزل مجاور لهذه الشجرة وفي العام 1941 ولد مبدع من نوع خاص وهو الأديب والشاعر والصحفي والموثق الأستاذ الزبير عوض الكريم عبد الماجد والذي تدرج في مدارس عطبرة بمراحلها المختلفة، وكعادة أهل المدينة التحق بالسكة الحديد وعمل بها حتى غادرها عام 1973 ملتحقاً بالسكة الحديد في الخرطوم، وتدرج في وظائف متعددة بها حتى تقاعد مساعداً لأمين عام مجلس إدارة هيئة سكك حديد السودان واشتهر بخطاباته القوية وصياغته الجزلة وإدارته الحكيمة التي جمعت بين الحزم واللين، والصرامة وتقدير الموقف.
إن شخصية الأستاذ الزبير عوض الكريم يمكن النظر إليها من عدة نوافذ وأبواب، فهو على المستوى الإنساني كثير الارتباط (بأتبرا) وأحداثها وشخوصها وله مقدرة كبيرة بمعرفة العلاقات والأنساب والناس، وهذا لا يتأتى لشخص ما لم يكن يحمل في قلبه حب الناس، الحب المغموس في الإلفة والبشاشة والترحاب، فقد كان منزله بحي السكة الحديد بالخرطوم (دار أبوسفيان) عند شدائد المرض والتماس العلاج في العاصمة وللقادمين للدراسة والباحثين عن العمل وحتى القاصدين النزهة والترويح. والسكن في أحياء السكة الحديد يخلق وعياً قومياً وتفاعلاً اجتماعياً يحقق معاني المدنية التي يدعو لها شباب اليوم، فالمدنية لا تعني النظرة الأحادية في أن يتخلى العسكر عن الحكم، ولكن المدنية هي التعايش والتبادل الثقافي والاجتماعي وقبول الآخر والتسامح وتجاوز القبلية ويكون الانتماء الأكبر للوطن والقيم والأخلاق، الأستاذ الزبير عوض الكريم هو من ذلكم الجيل الذي استوعب المدنية في أعمق معانيها وأورث ذلك لأبنائه وبناته.

النافذة الثانية التي يمكن النظر عبرها لأستاذنا الزبير عوض الكريم هي موهبته وشاعريته والتي تشكلت منذ الصغر تحت شجرة (الحراز) المقابلة لجامع السيالة، وهو نفسه يستشعر ذلك حيث يقول: –
الحرازة والنيل توأمان
ظلا معاً عبر الزمان
على علاقة بالسيالة
تاريخها المزدان بالإكرام والبسالة
وقمة الأصالة
وفي جزء آخر يقول عن شجرة الحراز: –
يشدني الحنين للحرازة العملاقة
وعرقها الممتد فوق الأرض في طلاقة
مقرنا المألوف للترويح والإقامة
والود والصداقة
وحين وردت الأنباء للأستاذ الزبير عوض الكريم أن شجرة الحراز أصبحت تتساقط بعض فروعها كتب يقول: –
حرازنا المخضر في بعض الفصول بلا سقاية
قد حلت اليوم النهاية
لا ذنب مرتكب حيالك
لا تراخي في الرعاية والعناية
العمر استطال يا حرازنا …. فاستعصمت الحماية
النافذة الثالثة التي يمكن النظر إليها لشخصية الأستاذ (الاتبراوي) الزبير عوض الكريم هو الإنتماء لفن وإبداع مدينة عطبرة حيث تغني له الفنان محي الدين عبد الماجد بالعديد من الأغنيات منها أغنية (ما بتهين عزة قلوبنا) والتي تمت كتابتها وتلحينها وقُدمت لأول في زواج ابن عطبرة نور الدين كرم الله، وغنى له محي الدين أيضاً (ما بطيق يا حلوة أصبر)،ومن الإرث الخالد لأستاذنا الزبير عوض الكريم أغنياته الخالدة للفنان والممثل البارع بطل أول فيلم سينمائي روائي آمال وأحلام (جعفر أحمد)وتظل أغنية (قولي لي بالابتسامة)هي الأشهر.
أما النافذة الرابعة التي يمكن النظر إليها لشخصية الأستاذ الزبير عوض الكريم عبد الماجد فهو انتمائه لفريق المريخ العظيم ، وقد خلد ذلك العشق شعراً في ديوان بجزئين بعنوان(النجيمات المضيئة) الذي كتب مقدمته الأستاذ فتح الله إبراهيم حيث كتب (من السيالة الرائعة، تلك الرقعة عشبها الباذخ والنخيل الشامخ، من المخضرة خرج الزبير عوض الكريم، جاء مزيجاً من الأرض التي جاء على أعتابها خرجت إلى الوجود (أتبرا) مدينة النضال وقلعة الصمود جاء الزبير) حتى يقول(تميز الزبير بموسيقاه الجارفة ومفرداته الأنيقة وأسلوبه السهل الممتنع الذي نأى به عن المباشرة المبتذلة ،اتسم الزبير بصوره البديعة المركبة والتي ميزته في كل ضروب الشعر العاطفي والرياضي ).
وفي (نجيمات مضيئة) يخاطب الأستاذ الزبير الحاجة/سيدة فرح صاحبة اقتراح اسم المريخ بعد تحوله من نادي المسالمة يقول: –
يا بت فرح
الليلة لو شفتي الاسم
كيف أضحى مصدر للفرح
كيف أضحى للعشاق حبيب
يحلو الغزل فيه ويصح
وعند تسجيل الأسطورة لاعب المريخ العجب كتب يقول: –
يا أغلى من كل اللآلئ والجواهر والادب
يا مبدعاً كسبت براعته العذوبة والطرب
من(برعي) انتقت الرشاقة والمهارة من (طلب)
نبع تواتر في المسار فما تناقص أو نضب
ما ضن يوماً بالتواصل ما تراجع واحتجب
وعند بلوغه سن السبعين كتب قصيدة بعنوان العشق المريخي قال في مقدمتها: –
سبعون عاماً بالتمام
أهدتنا من قيم الحياة مكاسباً
الا تراجع للمطامع وانهزام
نحن في المريخ عهداً والتزام
ظل دوماً في الاحاسيس نقياً
رائع الإيقاع عذباً مستدام
ظل هذا الاسم يا مريخنا
راحة للنفس صحواً ومنام
لقد حمل الأستاذ الزبير عوض الكريم شجرة الحراز أمام مسجد السيالة معه في حله وترحاله، وزرع شجرة حراز أخرى بجانبها في منزله بالخرطوم، فكان قبلة للشعر والأدب والأنس وتعميق الخلق الرفيع.
إنها دعوة يوم يكون يوم 10 أبريل القادم والذي يصادف اليوم العالمي للشجرة احتفالاً بالحرازة الكبيرة بالسيالة في مساء رمضاني محفوف بالمديح والشعر والإبداع نكرم من خلاله الأستاذ الزبير عوض الكريم وأمثاله الذين طالما أثروا حياتنا بالفن والروائع ،وهي دعوة أيضاً لوزارة الزراعة بولاية نهر النيل ولوحدة الزراعة بمحلية عطبرة أن يرعوا هذا الحراز الذي يمثل قيمة تاريخية وإبداعية وأظن أنه أصبح من الموروثات التي يجب الحفاظ عليها بعد بلوغه أكثر من مائة عام أو أكثر ولعل الخبراء في هذا المجال لديهم المعلومات الأكثر.
وتحت شجرة الحراز إن شاء الله نلتقي

الوسوم

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إغلاق