إسماعيل جبريل تيسو:
وتتحدث المجالس، وتؤكد المصادر، ويبرهن واقع الحال، عن نشوء خلافات سياسية ومالية تنخر في بنية تنسيقية القوى الديمقراطية المدنية ” تقدم ” التي يقودها رئيس الوزراء المستقبل دكتور عبدالله حمدوك، ” وتقدم ” التي تأسست في أكتوبر من العام الماضي ٢٠٢٣م في العاصمة الأثيوبية أديس أبابا، منوطٌ بها وفق رؤيتها أن توقف الحرب المندلعة في السودان منذ أبريل من العام ٢٠٢٣م كأولوية قصوى لمعالجة الكارثة الإنسانية، وابتدار مسار سلمي سياسي يخاطب قضايا الأزمة الوطنية المتراكمة، ويُحدث التوافق المطلوب لمعالجاتها بما يفضي إلى المحافظة على وحدة السودان، وتحقيق السلام الشامل، والعدالة، والتنمية المستدامة.
قطعاً هي أهداف نبيلة، ورؤىً جميلة تتدفق من بين جوانبها روحٌ تنبض بوطنية صارخة، ولكن كيف السبيل إلى تحقيق ذلك؟ إن فاقد الشيء لا يعطيه، وكان على تنسيقية القوى الديمقراطية المدنية ” تقدم” أن تتماسك فيما بينها أولاً، وتعالج مشكلاتها الداخلية، ومن ثم تخرج لمعالجة مشكلة البلاد وتسوية أزمتها التي كانت هذه التنسيقية باسمها القديم ( المجلس المركزي لتحالف قوى الحرية والتغيير ) واحداً من الأسباب التي حركت تحت الرماد وميض نار الحرب بتكالبها على تنفيذ الاتفاق الإطاري، وانحيازها الفاضح لميليشيا الدعم السريع، وإصرارها الواضح، على تكسير مجاديف القوات المسلحة، تحت فرية إصلاح المؤسسة العسكرية.
وتحسبهم جميعاً وقلوبهم شتى، لن أكون متشائماً إذا قطعت بأن ” تقدم ” في طريقها إلى التراجع والتقزم، وربما الانشطار والتشظي، وإعـادة سيناريو الإخفاقات الكبيرة التي ضربت قوى الحرية والتغيير، الحاضنة السياسية لثورة ديسمبر وللحكومة الانتقالية الأولى بقيادة دكتور عبد الله حمدوك في أغسطس ٢٠١٩م، حيث أدت الخلافات والتشاكسات وتبادل الاتهامات، إلى قلب منصة التأسيس وانشطار تحالف قوى الحرية والتغيير إلى ( المجلس المركزي، والميثاق الوطني، أو الكتلة الديمقراطية لاحقاً)، وقد أحدث تناحر هذين الفصيلين وعداؤهما السافر اهتزازاً كبيراً في أرضية المشهد السياسي، وأضاع الكثير من مكاسب ثورة ديسمبر المجيدة.
قناعتي أن جنين تنسيقية القوى الديمقراطية المدنية ” تقدم” وُلد مُشوّهاً نتيجة الصدمة المتمخضة عن قراءة هذه القوى السياسية الخاطئة لمألات حرب الخامس عشر من أبريل، فطرحت ” تقدم” برنامجاً يبدو في ظاهره نفيساً، بالسعي لمعالجة الأزمة السودانية وإيقاف نزيف الحرب ” العبثية “، ولكن باطن طرحها كان خبيثاً، يحاول الالتفاف على الأزمة، والعودة إلى سُدة الحكم، وقد كشفت ” تقدم” عن ساق نيتها بتوقيعها اتفاقاً مع ميليشيا الدعم السريع دون أن تضع اعتباراً لكرامة المواطن السوداني المفزوع من الحرب، والموجوع من الانتهاكات الفظيعة، والجرائم الشنيعة، التي ارتكبتها هذه الميليشيا الإرهابية المتمردة ومازالت ترتكبها، ليكون هذا الاتفاق بمثابة القشة التي قصمت ظهر البعير، وأحدثت طلاقاً بايناً بينونةً كبرى بين الشعب السوداني، وهذه القوى السياسية التي يقودها دكتور عبد الله حمدوك، والتي أجزم أنها لن تجرؤ على أن تعود إلى المشهد السياسي داخل السودان، ناهيك عن فكرة العودة إلى كراسي السلطة وحكم البلاد.