حوارات وتحقيقات
خبير اقتصادي: صناعة التأمين في السودان بحاجة ماسة إلى الدعم وإعادة التنظيم
مخاطر شركات التأمين لا تتوقف عند حد المقدرة المالية
د. هيثم فتحي ل”الساقية برس”: لا بد من صدور قرارات تفعّل دور التأمين في الاقتصاد السوداني
يجب وضع معايير عالية الجودة لاعتماد شرکات التأمين والمستشفيات المشارکة في تقديم خدمات التأمين الصحي الشامل
هناك الآلاف من المشروعات الزراعية الخاصة تنتظر تنفيذ هذه الخطوة..
مخاطر تهدد مستقبل شركات التأمين السودانية أبرزها المقدرة المالية والكفاءة وثقة الجمهور والمنافسة
بعض الشركات تدخل في استثمارات وأعمال أكبر من قدرتها على التغطية
غياب سياسة استراتيجية للاستثمار يجعل الشركات عرضة لتكون مكشوفة على المخاطر وتعرضها للأزمات
ليس خافيا على أحد حجم الكارثة التي وقعت على السودان وهي حرب 15 أبريل، وما أحدثته من خسائر بشرية ومادية لا يمكن أن تعوض على المدى القريب خاصة وأن الدمار طال الاقتصاد والبنى التحتية والأصول وكل شئ.
نحاول في الحوار أدناه، تسليط الضوء على إسقاطات الحرب والتردي الاقتصادي على شركات التأمين وإعادة التأمين، وما تتعرض له من ضغوط في ظل إلغاء اتفاقيات إعادة التأمين بعد الحرب، وعجز شركات التأمين عن سداد التزاماتها تجاه معيدي التأمين.
ووفقا لما توفر من معلومات في الحوار والواقع، يبدو أن جهاز الرقابة على التأمين مطالب بالكثير من إجراءات الضبط التي تستوجب مراجعة القوانين واللوائح المنظمة لقطاع التأمين ووضع استراتيجية لقطاع التأمين .
الكثير من التفاصيل المهمة في نص حوار الساقية برس مع الخبير الاقتصادي دكتور هيثم محمد فتحي، تابع نص الحوار أدناه:
هل يتسع السوق السوداني كل هذا العدد من شركات التأمين ؟
.. اعتقد أن التوسع في التصريح لشركات التأمين في السوق السوداني جاء متوافقاً مع المتغيرات المحلية والتوجه نحو تطبيق الـتأمين الإلزامي للسيارات، والتأمين الصحي، إضافة إلى الحاجة الوطنية لإيجاد سوق تأمين متطورة وقادرة على تلبية الاحتياجات الحالية والمستقبلية، وهو ما يحتاج إلى تطوير صناعة التأمين والتوسع فيها بما يحقق الكفاءة والقدرة الاستيعابية للطلب المتنامي على التأمين.
ولكن أترى أن الشركات الحالية تؤدي مهامها أم أنها ما زالت تنقصها الرقابة والضبط؟
.. صناعة التأمين في السودان لم تصل إلى حد الكفاءة والكفاية وأنها بحاجة ماسة إلى الدعم وإعادة التنظيم بما يحقق الكفاءة المطلوبة والأهداف المحددة سلفاً.
فهناك صعوبات تواجه قطاع التأمين تتمثل بالجوانب الشرعية التي قد تحد من نمو كثير من منتجات التأمين محلياً، إضافة إلى الصعوبات المالية، وصغر حجم رأسمال شركات التأمين التي لا يساعدها كثيراً في تحقيق الكفاءة أو مواجهة الخسائر المفاجئة.
وربما تكون قد نجحت مؤقتاً في التعايش مع مطالبات التعويض البسيطة، إلا أنها قد تواجه مشكلات كثيرة في حال ارتفاع حجم مطالبات التعويض في الحالات الاستثنائية.
هناك أنظمة رسمية تحدد حجم المقدرة المالية لشركات التأمين ما يجعل بعضها عرضة للإيقاف في حال تكبدها خسائر متراكمة ومؤثرة في معدلات الملاءمة.
لذلك لابد من إعادة النظر في رأس المال الحالي، ومعالجتها تكمن في عمليات الاستحواذ والاندماج، فهما الخيار الأمثل حيث مخاطر شركات التأمين لا تتوقف عند حد المقدرة المالية المؤثرة في قانونية رخصة مزاولة العمل، بل تتعداها إلى مخاطر تعليق أسهم بعض الشركات في حال تجاوز خسائرها المتراكمة الحد القانوني.
هل يشمل ذلك الشركات العاملة في مجال التأمين الصحي والطبي؟
.. يُعد التأمين الصحي الشامل أحد أهم النظم التي أوصت بها منظمة الصحة العالمية، لأهميته المتزايدة في توفير الرعاية الصحية لجميع أفراد المجتمع، خاصة مع تزايد أهمية مشارکة القطاع الخاص في تقديم خدمات الرعاية الصحية، خاصة في السنوات الراهنة ،کما أن نظام التأمين الصحي الشامل يساهم في زيادة فرص العمل المتاحة للمواطنين، مع تقديم خدمات الرعاية الصحية على أُسس عادلة بين المنتفعين وعلى أکبر قدر من الشفافية، ونشر الوعي الصحي بين کافة أفراد المجتمع، وخاصة فکر الطب الوقائي.
مدى قدرة شركات التأمين والمستشفيات على تقديم الخدمات المطلوبة للعملاء؟
.. لا بد من وضع معايير عالية الجودة لاعتماد شرکات التأمين والمستشفيات المشارکة في تقديم خدمات نظام التأمين الصحي الشامل لضمان تقديم خدمات الرعاية الصحية بجودة عالية، مع ضرورة العمل على تهيئة المناخ اللازم لعمل شرکات التأمين التعاوني في السودان، وزيادة دورها في تقديم خدمات الرعاية الصحية بأفضل جودة ممکنة.
تهيئة المناخ الملائم.. كيف؟
.. بالعمل على زيادة التمويل المُقدم من الجهات الحکومية للمستثمرين في القطاع الصحي حتى يمکن المساهمة في النمو المرغوب فيه خلال المرحلة القادمة.
أهمية التأمين في القطاع الزراعي ؟
يعتبر القطاع الزراعي أحد الركائز الهامة التي تعتمد عليها التنمية الاقتصادية فى غالبية الدول و منها السودان.
يحظى القطاع الزراعي بأهمية كبيرة في الوقت الراهن، نظرًا لتزايد المخاوف من الآثار السلبية للتغيرات المناخية وتسبب الصراعات الدولية السائدة في عدة مناطق من العالم بنقص إمدادات الغذاء إلى غالبية الدول.
ومن ثم أصبح السبيل القويم لدعم القطاع الزراعي وزيادة معدلات الإنتاج كمًا وكيفًا، هي التأمين على المشروعات الزراعية؛ لضمان ضخ المزيد من الاستثمارات في القطاع، خاصة مع تعرضه للعديد من المشكلات في الفترة الراهنة بسبب الأحوال الجوية وتأثر إنتاج محاصيل الحبوب أو الخضر والفواكه، وكذلك تأثر مشروعات الإنتاج الحيواني والداجني والسمكي بمشكلات ارتفاع تكاليف الإنتاج والحالات المرضية المتسببة بالنفوق في أحيان أخرى. وإذا كان قطاع التأمين الحكومي والخاص يهتم بالدرجة الأولى بالتأمين على الأرواح والممتلكات، فلابد أن يشمل أيضًا القطاع الزراعي الذي تتهرب معظم قطاعات التمويل من دعمه لكونه استثمارا عالي المخاطر وأيضًا غياب غطاء تشريعي ينظم العلاقة بين المزارعين وشركات التأمين، فهناك الآلاف من المشروعات الزراعية الخاصة تنتظر تنفيذ هذه الخطوة فضلاً عن الحاجة الماسة إليها في مشروعات الإنتاج الحيواني والداجني والسمكي لضمان استمرار العمل والإنتاج بتلك المشروعات حفاظًا على الأمن الزراعي السوداني كأحد أهم عناصر الأمن القومي.
التأمين على المشروعات الزراعية ليس غريبا، على الاهتمام العالمي، ففي أمريكا تتنافس العديد من شركات التأمين في التغطية على مشروعات الإنتاج الزراعي والحيواني والسمكي.
مخاطر مستقبل شركات التأمين؟
.. هناك مخاطر تهدد مستقبل شركات التأمين السودانية، أبرزها المقدرة المالية والكفاءة وثقة الجمهور والمنافسة، التي تمثل عقبة حقيقية أمام شركات التأمين الصغيرة .
لكن ألا ترى أن شركات التأمين بطيئة في التقدم ؟
.. هناك نمو ملحوظ في الحصة السوقية لبعض شركات التأمين ، ولكن ينبغي أن يكون أكبر، والسبب هو التضخم الحاصل نتيجة الأزمة التي تمر بها البلاد والتي لها تأثير كبير على قطاع التأمين في السودان وانعكست سلباً على تطوره ونموه ، وعدم وجود الوعي التأميني الكافي للمواطن لذلك، وبالتالي مع انتهاء هذه الحرب يمكن العمل على تفعيل قطاع التأمين من خلال العديد من الأمور، منها تنشيط الدور التسويقي لشركات التأمين ، القيام بمبادرات نحو مجتمع الأعمال، إطلاق برامج تأمينية تناسب السوق الحالية وخاصة التأمينات الصغيرة، التعاون مع الجهات الحكومية والجهات المسؤولة عن الرقابة على التأمين لصدور قرارات وتعاميم تقوي وتفعّل دور التأمين في الاقتصاد السوداني.
التأمين ضد الحرب ثقافة مفقودة؟
.. في تقديري حال تحسنت ظروف السودان سينخفض ويتراجع التأمين ضد أخطار الحرب، ولكن بعض المشاريع مقتنعة بجدوى التأمين ضد أخطار الحرب خصوصاً بعد الإطلاع على الأضرار التي لحقت بالعديد من المشاريع نتيجة عدم الاشتراك بهذا النوع من التأمين.
لذلك لابد من الاستمرار بتقديم خدمة تأمينية ذات جودة عالية والعمل للحصول على شروط إعادة أفضل وإيجاد حلول وبرامج تأمينية تتواكب مع التطورات الكبيرة المتوقعة مستقبلاً نتيجة لعملية إعادة الإعمار وما يلحق بها من احتياجات تأمينية نتيجة التطور المتوقع على المستوى الاقتصادي، إضافة إلى زيادة التركيز على العملية الاستثمارية لما لها من نتائج إيجابية على شركات التأمين وعلى المجتمع والاقتصاد ككل، مع توقع فرص جديدة في البيئة الإستثمارية.
عدم مقدرة بعض الشركات على تغطية الالتزامات لماذا؟
.. يعتبر التأمين من أبرز العوامل الدافعة لنمو عجلة الاقتصاد حيث يوفر الحماية للشركات والأفراد ويضمن استمرارية الأعمال ويلعب دورا مهماً من خلال ضمان الرفاه والطمأنينة لمكونات الاقتصاد والمجتمع.
لكن في ظل كثرة الشركات والمنافسة العشوائية والشرسة وغياب الرقابة والتنظيم، تدخل بعض الشركات في استثمارات وأعمال أكبر من قدرتها على التغطية وبالتالي عند وقوع المخاطر تقع هذه الشركات في أزمة لعدم قدرتها على السداد.
كما أن غياب سياسة استراتيجية للاستثمار لدى الكثير من الشركات يجعلها عرضة لتكون مكشوفة على المخاطر وتعرضها للأزمات.
نرى أن نماذج عمل شركات التأمين في السودان تختلف عن نظيراتها العالمية، لأنها تمتاز بوجود كميات كبيرة من الأصول عالية المخاطر في المحافظ الاستثمارية، ويفتقر إلى ممارسات إدارة المخاطر السليمة.