مقالات

الحل سوداني.. ليس في قمم الرؤساء ولا ملتقيات البؤساء

د.عبد الكريم الهاشمي:
نشر المقال في 18 يوليو 2023م

إن الحرب الدائرة في الخرطوم وبعض مدن السودان الأخرى شغلت كثير من دول العالم, سيما دول الجوار للإرتباطات الجيوسياسية, والمصالح والمصائر المشتركة, وقليلٌ من الرغبة في إشاعة السلام وإطفاء نار الحرب, حيث سارعت امريكا والسعودية لوقف الحرب, ثم تلتهما مبادرو الإيقاد, وقمة رؤساء دول الجوار التي إنعقدت بالقاهرة, وقد نجحت مساعي بعضها في تحقيق هدن قصيرة لأغراض إنسانية لم تصمد طويلا. قاطع وفد السودان إجتماعات مبادرة الإيقاد، طاعنا في حيادية رئيس اللجنة المعنية (روتو)، وقد اكدت مخرجات اجتماعات المبادرة صواب قرار المقاطعة، حيث جاءت متحاملة على السودان إذ حملت ترويعا وتهديدا وإنتقاصا لسيادة السودان والتشكيك في قدرة حكومته في ادارة شأن البلاد، الأمر الذي فتح ألف باب للتشكيك في وقار وحياد ونزاهة لجنة الإيقاد، مما أضعف فرص التعويل عليها في المساهمة في حل المشكل السوداني بل حملت المبادرة عناصر فناءها في مقرراتها المتحيّزة. على صعيد آخر شكلت مقررات قمة رؤساء دول جوار السودان نقطة فارقة، بينها وبين قمة البؤساء التي إنعقدت في أديس اببا, والتي حضرها عدد كبير من بؤساء السياسة وصناع المؤامرات واصحاب الاجندات القذرة، إذ إفتقرت لأهم مبادئ الوساطة، من نزاهة وحياد واستقلال. ثمة قرارات ميزت مبادرة الرؤساء عن مبادرة البؤساء “الإيقاد” إذ أنها أكدت على سيادة السودان، ورفضت اي محاولة لتدخل عسكري خارجي لإيقاف الحرب, كما دعت لإطلاق عملية حوار شامل لايستثني احدا من ابناء السودان، ليس كما فعلت قمة البؤساء التي إصطفت مجموعة محددة من ابناء السودان ليقتصر عليها الحوار. لاشك أن السودان يعد محورا مهما في تحقيق الأمن والسلم العالميين, فضلا عن العلاقات الإقتصادية والسياسية التي تربطه بكثير من دول العالم, فلا غرو أن تَنفُر كثير من دول ومنظمات العالم خفافا لتقديم مبادرات لوقف الحرب الدائرة فيه, وسوف يفلح الجيش السوداني في حسمها لصالحه بالرغم من ضخامة المخطط و عظم المؤامرة. إن المنظمات الإقليمية والأممية، ودول الجوار والأصدقاء، لا يملكون وصفات سحرية لعلاج المشكل السوداني، مما يستلزم عدم التعويل عليها في تقديم حلول سريعة وناجعة, هذا إن لم تكن حلولا مفخخة تزيد من تأجيج أوار الصراع بين الغرماء. إن حل المشكل السوداني ينبغي أن تضطلع به النخب السياسية السودانية، بالرغم من فشلها في تقديم مبادرات ناجحة من شأنها أن تحدث إختراق في المشكل السوداني، وذلك إما لضعف محتوى المبادرات المقدمة, او لتحيزها لطرف من اطراف النزاع, او لتعمدها بغباء إقصاء أطراف اصحاب تأثير في المشهد السياسي من الفاعلين السياسيين. لابد أن تنهض القوي السياسية والمجتمعية السودانية لتقديم حلول، وإبتدار تسويات تمنع التدخلات الاجنبية، وتحافظ على السيادة الوطنية، وتخلق توافقا وطنيا يصلح لأن يكون بوابة حقيقية للتحول الديمقراطي المرتجى، ومن نافلة المداد، يجب أن تأخذ أي مبادرة لجمع الصف الوطني في الإعتبار، أن كسر شوكة التمرد سيخلق واقعا سياسيا جديدا, يتطلب التعاطي معه أذهانا متفتحة ومنفتحة، تستطيع إستيعاب التغيرات والتعقيدات الجديدة التي ستطرأ على المشهد السياسي، مما يستوجب أن تتأسس أي حلول على أقلّ تقدير في هذه المرحلة على الآتي:

*1* – العمل على تعزيز الاصطفاف الكبير الذي حدث بين الشعب السوداني وقواته المسلحة وذلك للوصول للإصطفاف الكامل من كافة الأطياف خلف القوات المسلحة كمؤسسة قومية، وتمثل واحدة من ممسكات الوحدة الوطنية في هذه المرحلة الحاسمة التي يواجه فيها السودان اكبر مؤامرة في تاريخه الحديث، حيث تداعت لتنفيذها كثير من الأمم كما تتداعى الأكلة إلى قصعتها، حيث تصدى لها الجيش بكل بسالة وثبات، مما يحتم على الاحزاب، والمجموعات السياسية، ومنظمات المجتمع المدني، ان تعلن دعمها ومؤازرتها الكاملة للجيش في حربه العادلة ضد التمرد والمرتزقة. إن المرحلة التي تمر بها البلاد، لا تحتمل معادات الجيش تحت اي مبرر من المبررات مهما كانت رجاحته أو وجاهته، بل إن الموقف الوطني والأخلاقي والثوري والنضالي يستلزم مناصرة ومعاضدة القوات المسلحة في حسم التمرد, إما حربا، وقد ابلت القوات المسلحة في ذلك بلاء حسنا يفوق التصور, وإما سلما عبر التفاوض وللقوات المسلحة الحق المطلق في إختيار اللحظة المناسبة للدخول في عملية التفاوض، فهي التي تستطيع ان تقرر متى تُسالم وتهادن, ومتى تحارب وتقاتل, وليس لأحد سواها المطالبة بإيقاف الحرب أو إستمرارها, فتلك تقديرات عسكرية، تحسن القوات المسلحة المفاضلة بينها.

*2* – الاعتراف بان الراهن السياسي الذي يعقب احداث 15 ابريل 2023م، ليس هو الراهن السياسي لما قبل هذا التاريخ, وهذا يستوجب تغيير مفاهيم وادوات وآليات التعاطي مع قضايا الراهن السياسي الجديد الذي يختلف في ملامحه وتفصيلاته وتعقيداته وفرصه عن سابقه, فمن العبط والهبل ان يعتقد البعض ان التاريخ سيعود القهقري لما قبل 15 أبريل, ليحمل ذات الشخوص, وذات الاطروحات, والمكنزمات, وذات الصلف القمئ, والفشل الوريف, وذات العنتريات الزائفة والبطولات الكاذبة, للواقع السياسي الجديد الذي فرضته حرب 15 ابريل. إن الفشل في إستيعاب ما أحدثته الحرب من تغيير في بنية المسرح السياسي من تفكيك وبعثرة, والإصرار على العودة بذات العقلية السابقة التي تنتهج قاعدة إما “نحن أو الطوفان”, والتي اوردت البلاد هذا المصير, سيُعيد تدوير الأزمات من جديد, “كأنك يا ابوزيد ما غزيت”. إن المرحلة التي تعيشها البلاد تحتاج الى منهج جديد في الحوار، والحكم والإدارة، والنأي عن اللعب على حبال الجهوية والقبلية والإنتهازية الواعية, أو محاولة فرض رؤى سياسية وآيدلوجيات فكرية بنهج آحادي إقصائي, أومحاولة العودة الى أدبيات الفترة الإنتقالية التي أعقبت ثورة ديسمبر والتي إتسمت بالصراع العدمي بين الكيانات السياسية والفكرية التي اقعدت الوطن وساقته إلى فتن عمياء صار الحكيم فيها حائرا والرشيد فيها تائها.

*3* – إبعاد قوات الدعم السريع المتمردة من أي عملية سياسية، والتعامل معها كميليشيا متمردة وفقا لتوصيف المؤسسة التي كانت تنضوي تحت لوائها, وأن اي محاولة للإستقواء بها أو ركوب ظهرها من اي تحالف سياسي أو مجموعات سياسية أومدنية أو قبلية لتحقيق اهداف سياسية ينبغي أن يعتبر تعاون عسكري يتم التعامل معه قانونا وفقا لهذا التوصيف مهما كانت وجاهة تلك الاهداف. إن أي محاولة لإعادة الدعم السريع للمشهد السياسي بنفخ الروح فيه من جديد والتعامل معه ككيان سياسي يمتلك ترسانة عسكرية لفرض خياراته السياسية بالقوة, سيكون مرفوضا من الشعب السوداني ومن نخبه السياسية الوطنية وسيُطيل هذا الاجراء أمد الحرب في البلاد, بل سيفتح بابا جديدا للحروب لن تتوقف. إن محاولة بعض القوى السياسية التسلق عبر المليشيا المتمردة للوصول لمناصات السلطة، أمر مفضوح ومرفوض لا ينطلي على فطنة هذا الشعب، فهو يدرك أن هدف بعض فصائل القوى السياسية من التعاون والتماهي مع المليشيا، هو الوصول للسلطة وليس الغرض منه إرساء حكم ديمقراطي كما تدعي تلك المجموعات السياسية, وإن كان لا مناص من أن تأتي الديمقراطية إلا عبر الدبابة والبندقية, فديمقراطية الجيش أفضل الف مرة من ديمقراطية فصيل عسكري أُسري متمرد ولغ من براسن العمالة والإرتزاق حتى الثمالة. لابد للجماعات السياسية التي تماهت مع الجنجويد والتي صمتت صمت القبور عن إدانة جرائم المليشيا، أن تبدئ حسن نواياها، وأن تعود لصوبها ورشدها، وأن تنهي أي علاقة بينها وبين مليشيا الدعم السريع كعربون للدخول في المصالحة الوطنية الشاملة، سيما بعد أن ثبت لها وحشية وإجرام هذه المليشيا. ينبغي ألا يكسب التفاوض مع المليشياء المتمردة شرعية أو دور سياسي مستقبلا، فقط ينبغي أن يقتصر في الشؤون العسكرية، وان لا يسمح الحوار لأي محاولة إلتفاف من أي قوى سياسية تحاول فتح مسار تفاوضي يتعلق بقضايا سياسية من خلال المنبر التفاوضي.

*4* – ينبغي على القادة السياسيين والناشطين الذين تصدروا المشهد السياسي في فترة ما بعد أبريل 2019م, الدخول في اجازة مفتوحة عن العمل السياسي, وذلك لفشلهم الماحق في إدارة مرحلة ما بعد سقوط النظام السابق, وفشلهم في إدارة الفترة الإنتقالية, وفشلهم في تهيئة المناخ السايسي للتداول السلمي للسلطة عبر الإنتخابات, بل ظلوا يتمسكون في تعنت معيب بحقهم المطلق في إدارة الدولة دون تفويض شعبي بحجج واهية, كذلك فشلهم في إدارة الاختلاف والتباين السياسي حتى داخل التحالف الذي حكم البلاد “قحت” دع عنك مع الخصوم, كذلك فشلهم في إبتدار حوار شامل لا يستثني احدا من الفرقاء السياسيين، كان من شأنه أن يُحدث اختراق في الازمة السياسية التي سيطرت على المشهد السياسي، وعطلت مسيرة الدولة لاربعة أعوام، أزهقت فيها هيبة الدولة وأريقت كرامتها, بسبب الفشل والغباء السياسي الذي كان عنوانا لتلك الفترة.

*5* – من المهم تغيير لغة الخطاب السياسي بين المكونات السياسية في المرحلة المقبلة بحيث تَنزع لغة الخطاب الى التسامح والتراضي، وإحترام الخيارات السياسية للغير, والإقلاع والتسامي عن التنمر والمزايدة والتخوين, وإدعاء الحق المطلق والحصري في ممارسة السياسة وإدارة شؤون البلاد على قرار”نحن فقط من يحق لنا ….” حيث شهدت الفترة السابقة التي اعقبت الثورة حملات متبادلة من التنمر والتخوين والمزايدة والإقصاء والإستعلاء والابتزاز والارهاب الفكري بين الاطياف السياسية قائم على الغبن والغباء, تمخضت نتائج تلك الممارسات غير المبررة في خلق حالة من التنافي والإحتقان والإستقطاب الحاد والكراهية ساهم في تعميق ازمة البلاد. لابد أن يدرك الجميع ان لا مخرج من الأزمات التي تحدق بالبلاد وتمسك بتلابيبها غير وحدة الصف وإجماع الكلمة والانصراف للعمل والإنتاج. فإن المرحلة القادمة تتطلب التعاضد والتماسك وليس العزل والإقصاء, تتطلب صدق النواياء والإرادة, وليس التخوين والمكايدة, تتطلب العدل والإنصاف, وليس التجريم والانتقام, تتطلب إحترام المنطلقات العقائدية والفكرية وتحترم إنتقاد الممارسة والسلوك.

*6* – تشكيل حكومة إنتقالية على قرار حكومة المشير سوار الذهب من مجلسين مجلس عسكري يحل مكان مجلس السيادة يضطلع بإدارة المؤسسات الأمنية ويشرف عليها بشكل كامل إعدادا وتدريبا وتأهيلا, كما يتولى كل الملفات المرتبطة بالامن الداخلي والخارجي والقومي وملفات السلام, ومجلس وزراء يتشكل من مدنيين “مستقلين او تكنوقراط” بقرار من رئيس المجلس العسكري يتولى المهام التنفيذية، ومجلس رقابي مشترك يتشكل من عضوية (المجلس العسكري ومجلس الوزراء وولاة الولايات) يضطلع بمهام الرقابة والتشريع، على ان تستمر هذه الحكومة لفترة اربعة سنوات، تركز في الثلاث أعوام الأولى على إعمار ما دمرته الحرب, وإصلاح ما لحق من تدهور بالبنية التحتية, وتحسين معاش الناس, وإعادة هيبة الدولة ومكافحة الظواهر الإجرامية التي لا تقل عن خطر التمرد, ومكافحة الفساد, وتعزيز السلام المجتمعي, ونزع السلاح ودمج وتسريح منسوبي الحركات المسلحة. بعد أن يستتب الأمن وتستقر الأوضاع وتتوطد هيبة الدولة، تُطلق الحكومة في عامها الأخير عملية حوار شامل بين الفرقاء السياسيين بمشاركة أطياف واسعة، لا يستثني أحدا، بغرض الوصول للحد الادنى من التوافق بين أبناء الوطن، للوصول الى تسوية مرضية لجميع الأطراف، ويحقق السلام الدائم الذي يقوم على التسويات العادلة, وليس الحد من العنف فقط, لنرى بعد ذلك وطنا بلا احتراب ينعم أهله بالطمأنينة والوئام والسلام المستدام.
تعد الجيوش بمثابة العمود الفقري للدول وصمام امان الأمم والشعوب وهذا يحتم دعمها والمحافظة على تماسكها، لابد في هذه المرحلة من العمل على تعزيز قدرات الجيش ليصبح من أقوى الجيوش في افريقيا، عندئذ، نشرب إن وردنا الماء صفوا ويشرب غيرنا كدرا وطينا. ولابد من تجريم الإساءة إليها، والتحريض ضدها، والدعوة لتفكيكها كما يصدر ذلك من بعض الاصوات النشاذ التي تنشط تحت لافتات مضللة باطنها المؤامرة، وظاهرها من قِبَلِهِ العمالة والإرتزاق، فمثل هذه الأصوات ينبغي إسكاتها إما بالحسنى، أو بردعها وفقا للقوانين, فقد أفرطت في الإساءة للجيش والمؤامرة المفضوحة عليه حتى الإغراق.

*7* – بعد إكمال الجزء الأول من الفترة الإنتقالية (ثلاثة أعوام) يتم تكوين مفوضية للإنتخابات تشرع فورا بالتعاون مع القوة السياسية في إعداد قانون للإنتخابات يتوافق عليه الجميع دون إستثناء ومن ثمّ تعمل على تهيئة المناخ لإجراء انتخابات حرة ونزيهة لحسم قضية الحكومة المدنية وبذلك يتم قطع الطريق أمام بعض الاحزاب والمجموعات السياسية التي تحاول في إصرار وعناد دميم ومخجل تولي السلطة والإنفراد بالحكم عنوة دون تفويض من الشعب مما أدخل الفترة الإنتقالية في صراع عبثي تسبب في تأخير عملية الإنتقال الديمقراطي. إن أي محاولة لتولي السلطة وركوب ظهر الشعب كُرها دون تفويض, سيلاقي رفضا مهما كانت مسوقاته ومهما بلغ حجم الداعمين له من قوة, وإن أي تحالف حزبي أو مجموعات سياسية أو مدنية تعتقد أن بإمكانها أن تحكم الشعب وأن تفرض أيدلوجياتها بمساعدة دول خارجية أو منظمات أجنبية فهي واهمية وحالمة وغير صادقة في تبني مشروع التحول الديمقراطي الذي ليس له إلا طريق واحد هو طريق الإنتخابات, وإن الشعب هو من يحدد لمن يمنح سيادته، فإن كنتم صادقون فيما تدعون إليه من حكم مدني ديمقراطي فهلمّوا اليه وهيؤوا أنفسكم لخيارات الشعب عبر الصناديق, أما إن كنتم تنشدون إقامة دولة وفق أيديولوجيات محدده بقوة المدافع والبنادق فقد أبعدتُم النُجعة وذلك لأن آليات طرح الأفكار والإيدلوجيات ليس من بينها هذا الخيار، وإنما آلياتها هي قوة المنطق وسلامة الفكرة.

*8* – لابد من السعي الجاد من كل أطياف المجتمع السياسية والمدنية نحو نشر ثقافة دولة العدالة وسيادة القانون التي يكون الناس فيها أحرارا متساوون في الحقوق والواجبات, تتكافأ فيها الفرص والمنح ويتسم نسيجها الإجتماعي بالتماسك, وتتجذر فيها روح الوطنية والمسؤولية في إطار القانون والدستور عندئذ ليس مهماً من يدير دفة الحكم في البلاد. فكل الدول العظمى بنت نهضتها على مفهوم دولة القانون بعد جولات مأساوية ومريرة من الاحتراب والاقتتال.

*9* – لا يختلف إثنان في الدور الفاعل الذي تلعبة منظمات المجتمع المدني في إستنهاض وإستدعاء القيم الفاضلة والخيرة للإنسان من خلال إزكاء روح التطوع والتسامي عن الفردية بحشد طاقات الأفراد لتلبية إحتياجات المجتمعات الأساسية والضرورية. ينفق على برامج منظمات المجتمع المدني ملايين الدولارات الأمر الذي يستوجب مراجعة برامجها وتوجيه مواردها إلى قضايا كبرى تخدم المجتمع السوداني بكافة فئاته، ومنعها من تبني برامج مستوردة لا تتناسب مع مجتماتنا بل تتصادم مع ثقافتنا وقيمنا. ينبغي حجر أي منظمة نشأت مسيسة ابتداءً، أو لها أي ارتباط بأحزاب سياسية أو بمنظمات دولية تخدم أغراض سياسية لدول أو للوبيات سياسية للعب ادوار قذرة تضعها في خانة العمالة والجاسوسية، فالعمل الطوعي له قواعد تحكمه وميادين تختلف عن العمل السياسي. من أخطر الوسائل المستخدمة للإختراق الأمني عبر منظمات المجتمع المدني هو ضخ الأموال من جانب تلك الدول الأجنبية او المنظمات التي تنوب عنها و تتدفق هذه الأموال تحت دعاوى إنسانية واجتماعية وبرامج بناء الديمقراطية وحقوق الانسان والحكم الراشد, كما تستغل المنظمات والحكومات الاجنبية الأموال المنفقة في إسطناع وخلق طبقة من العملاء و الجواسيس في صورة نخب مثقفة وواعية ترفع شعارات براقة أو تقدم نفسها في ثوب المعارضة الشريفة التي تريد تخليص الأوطان من الأنظمه الدكتاتورية والمستبدة حيث يوفر لهم غطاء إعلامي يجعل منهم رموزاً وطنية في أعين البسطاء و السذج بينما هم في الأصل مجموعات عملاء تتكسب باسم الشعب وتتاجر بكرامة الوطن وتسعى لإرضاء الداعمين بأية وسيلة حفاظاً علي استمرار تدفق تلك الأموال الملوثة لافساد الشباب من الجنسين وضرب قيم ومثل المجتمعات المحافظة. فلابد من سلطات الفترة الإنتقالية أن تكون يقظة تجاه تلك المنظمات.

*10* – حتما فإن الوثيقة الدستورية التي نظمت الشراكة بين المكونين العسكري والمدني إبان الفترة الإنتقالية التي اعقبت ثورة ديسمبر لن تصلح لإدارة المرحلة القادمة، وحتى لا تدخل المرحلة الانتقالية التي تلي الحرب في متاهة إعداد وثيقة حاكمة لها، فإن أنسب وثيقة دستورية تحكم هذه الفترة هي دستور 2005م، فهو دستور اعد بعناية كبيرة وشاركت في إعداده كل الاحزاب والمنظمات الحقوقية والمدنية، ويشتمل على وثيقة الحقوق التي تضمن الحريات، فيمكن الأستناد إليه في إدارة المرحلة الإنتقالية إلى حين إنتخاب جمعية تأسيسية تشرع في إعداد دستور دائم للبلاد أو تشكيل مفوضية متوافق عليها للقيام بهذه المهمة.

Krimhashimi5@gmail.com
0912677147

الحل سوداني؛
ليس في قمم الرؤساء ولا ملتقيات البؤساء

✍️ *د. عبد الكريم الهاشمي*

إن الحرب الدائرة في الخرطوم وبعض مدن السودان الأخرى شغلت كثير من دول العالم, سيما دول الجوار للإرتباطات الجيوسياسية, والمصالح والمصائر المشتركة, وقليلٌ من الرغبة في إشاعة السلام وإطفاء نار الحرب, حيث سارعت امريكا والسعودية لوقف الحرب, ثم تلتهما مبادرو الإيقاد, وقمة رؤساء دول الجوار التي إنعقدت بالقاهرة, وقد نجحت مساعي بعضها في تحقيق هدن قصيرة لأغراض إنسانية لم تصمد طويلا. قاطع وفد السودان إجتماعات مبادرة الإيقاد، طاعنا في حيادية رئيس اللجنة المعنية (روتو)، وقد اكدت مخرجات اجتماعات المبادرة صواب قرار المقاطعة، حيث جاءت متحاملة على السودان إذ حملت ترويعا وتهديدا وإنتقاصا لسيادة السودان والتشكيك في قدرة حكومته في ادارة شأن البلاد، الأمر الذي فتح ألف باب للتشكيك في وقار وحياد ونزاهة لجنة الإيقاد، مما أضعف فرص التعويل عليها في المساهمة في حل المشكل السوداني بل حملت المبادرة عناصر فناءها في مقرراتها المتحيّزة. على صعيد آخر شكلت مقررات قمة رؤساء دول جوار السودان نقطة فارقة، بينها وبين قمة البؤساء التي إنعقدت في أديس اببا, والتي حضرها عدد كبير من بؤساء السياسة وصناع المؤامرات واصحاب الاجندات القذرة، إذ إفتقرت لأهم مبادئ الوساطة، من نزاهة وحياد واستقلال. ثمة قرارات ميزت مبادرة الرؤساء عن مبادرة البؤساء “الإيقاد” إذ أنها أكدت على سيادة السودان، ورفضت اي محاولة لتدخل عسكري خارجي لإيقاف الحرب, كما دعت لإطلاق عملية حوار شامل لايستثني احدا من ابناء السودان، ليس كما فعلت قمة البؤساء التي إصطفت مجموعة محددة من ابناء السودان ليقتصر عليها الحوار. لاشك أن السودان يعد محورا مهما في تحقيق الأمن والسلم العالميين, فضلا عن العلاقات الإقتصادية والسياسية التي تربطه بكثير من دول العالم, فلا غرو أن تَنفُر كثير من دول ومنظمات العالم خفافا لتقديم مبادرات لوقف الحرب الدائرة فيه, وسوف يفلح الجيش السوداني في حسمها لصالحه بالرغم من ضخامة المخطط و عظم المؤامرة. إن المنظمات الإقليمية والأممية، ودول الجوار والأصدقاء، لا يملكون وصفات سحرية لعلاج المشكل السوداني، مما يستلزم عدم التعويل عليها في تقديم حلول سريعة وناجعة, هذا إن لم تكن حلولا مفخخة تزيد من تأجيج أوار الصراع بين الغرماء. إن حل المشكل السوداني ينبغي أن تضطلع به النخب السياسية السودانية، بالرغم من فشلها في تقديم مبادرات ناجحة من شأنها أن تحدث إختراق في المشكل السوداني، وذلك إما لضعف محتوى المبادرات المقدمة, او لتحيزها لطرف من اطراف النزاع, او لتعمدها بغباء إقصاء أطراف اصحاب تأثير في المشهد السياسي من الفاعلين السياسيين. لابد أن تنهض القوي السياسية والمجتمعية السودانية لتقديم حلول، وإبتدار تسويات تمنع التدخلات الاجنبية، وتحافظ على السيادة الوطنية، وتخلق توافقا وطنيا يصلح لأن يكون بوابة حقيقية للتحول الديمقراطي المرتجى، ومن نافلة المداد، يجب أن تأخذ أي مبادرة لجمع الصف الوطني في الإعتبار، أن كسر شوكة التمرد سيخلق واقعا سياسيا جديدا, يتطلب التعاطي معه أذهانا متفتحة ومنفتحة، تستطيع إستيعاب التغيرات والتعقيدات الجديدة التي ستطرأ على المشهد السياسي، مما يستوجب أن تتأسس أي حلول على أقلّ تقدير في هذه المرحلة على الآتي:

*1* – العمل على تعزيز الاصطفاف الكبير الذي حدث بين الشعب السوداني وقواته المسلحة وذلك للوصول للإصطفاف الكامل من كافة الأطياف خلف القوات المسلحة كمؤسسة قومية، وتمثل واحدة من ممسكات الوحدة الوطنية في هذه المرحلة الحاسمة التي يواجه فيها السودان اكبر مؤامرة في تاريخه الحديث، حيث تداعت لتنفيذها كثير من الأمم كما تتداعى الأكلة إلى قصعتها، حيث تصدى لها الجيش بكل بسالة وثبات، مما يحتم على الاحزاب، والمجموعات السياسية، ومنظمات المجتمع المدني، ان تعلن دعمها ومؤازرتها الكاملة للجيش في حربه العادلة ضد التمرد والمرتزقة. إن المرحلة التي تمر بها البلاد، لا تحتمل معادات الجيش تحت اي مبرر من المبررات مهما كانت رجاحته أو وجاهته، بل إن الموقف الوطني والأخلاقي والثوري والنضالي يستلزم مناصرة ومعاضدة القوات المسلحة في حسم التمرد, إما حربا، وقد ابلت القوات المسلحة في ذلك بلاء حسنا يفوق التصور, وإما سلما عبر التفاوض وللقوات المسلحة الحق المطلق في إختيار اللحظة المناسبة للدخول في عملية التفاوض، فهي التي تستطيع ان تقرر متى تُسالم وتهادن, ومتى تحارب وتقاتل, وليس لأحد سواها المطالبة بإيقاف الحرب أو إستمرارها, فتلك تقديرات عسكرية، تحسن القوات المسلحة المفاضلة بينها.

*2* – الاعتراف بان الراهن السياسي الذي يعقب احداث 15 ابريل 2023م، ليس هو الراهن السياسي لما قبل هذا التاريخ, وهذا يستوجب تغيير مفاهيم وادوات وآليات التعاطي مع قضايا الراهن السياسي الجديد الذي يختلف في ملامحه وتفصيلاته وتعقيداته وفرصه عن سابقه, فمن العبط والهبل ان يعتقد البعض ان التاريخ سيعود القهقري لما قبل 15 أبريل, ليحمل ذات الشخوص, وذات الاطروحات, والمكنزمات, وذات الصلف القمئ, والفشل الوريف, وذات العنتريات الزائفة والبطولات الكاذبة, للواقع السياسي الجديد الذي فرضته حرب 15 ابريل. إن الفشل في إستيعاب ما أحدثته الحرب من تغيير في بنية المسرح السياسي من تفكيك وبعثرة, والإصرار على العودة بذات العقلية السابقة التي تنتهج قاعدة إما “نحن أو الطوفان”, والتي اوردت البلاد هذا المصير, سيُعيد تدوير الأزمات من جديد, “كأنك يا ابوزيد ما غزيت”. إن المرحلة التي تعيشها البلاد تحتاج الى منهج جديد في الحوار، والحكم والإدارة، والنأي عن اللعب على حبال الجهوية والقبلية والإنتهازية الواعية, أو محاولة فرض رؤى سياسية وآيدلوجيات فكرية بنهج آحادي إقصائي, أومحاولة العودة الى أدبيات الفترة الإنتقالية التي أعقبت ثورة ديسمبر والتي إتسمت بالصراع العدمي بين الكيانات السياسية والفكرية التي اقعدت الوطن وساقته إلى فتن عمياء صار الحكيم فيها حائرا والرشيد فيها تائها.

*3* – إبعاد قوات الدعم السريع المتمردة من أي عملية سياسية، والتعامل معها كميليشيا متمردة وفقا لتوصيف المؤسسة التي كانت تنضوي تحت لوائها, وأن اي محاولة للإستقواء بها أو ركوب ظهرها من اي تحالف سياسي أو مجموعات سياسية أومدنية أو قبلية لتحقيق اهداف سياسية ينبغي أن يعتبر تعاون عسكري يتم التعامل معه قانونا وفقا لهذا التوصيف مهما كانت وجاهة تلك الاهداف. إن أي محاولة لإعادة الدعم السريع للمشهد السياسي بنفخ الروح فيه من جديد والتعامل معه ككيان سياسي يمتلك ترسانة عسكرية لفرض خياراته السياسية بالقوة, سيكون مرفوضا من الشعب السوداني ومن نخبه السياسية الوطنية وسيُطيل هذا الاجراء أمد الحرب في البلاد, بل سيفتح بابا جديدا للحروب لن تتوقف. إن محاولة بعض القوى السياسية التسلق عبر المليشيا المتمردة للوصول لمناصات السلطة، أمر مفضوح ومرفوض لا ينطلي على فطنة هذا الشعب، فهو يدرك أن هدف بعض فصائل القوى السياسية من التعاون والتماهي مع المليشيا، هو الوصول للسلطة وليس الغرض منه إرساء حكم ديمقراطي كما تدعي تلك المجموعات السياسية, وإن كان لا مناص من أن تأتي الديمقراطية إلا عبر الدبابة والبندقية, فديمقراطية الجيش أفضل الف مرة من ديمقراطية فصيل عسكري أُسري متمرد ولغ من براسن العمالة والإرتزاق حتى الثمالة. لابد للجماعات السياسية التي تماهت مع الجنجويد والتي صمتت صمت القبور عن إدانة جرائم المليشيا، أن تبدئ حسن نواياها، وأن تعود لصوبها ورشدها، وأن تنهي أي علاقة بينها وبين مليشيا الدعم السريع كعربون للدخول في المصالحة الوطنية الشاملة، سيما بعد أن ثبت لها وحشية وإجرام هذه المليشيا. ينبغي ألا يكسب التفاوض مع المليشياء المتمردة شرعية أو دور سياسي مستقبلا، فقط ينبغي أن يقتصر في الشؤون العسكرية، وان لا يسمح الحوار لأي محاولة إلتفاف من أي قوى سياسية تحاول فتح مسار تفاوضي يتعلق بقضايا سياسية من خلال المنبر التفاوضي.

*4* – ينبغي على القادة السياسيين والناشطين الذين تصدروا المشهد السياسي في فترة ما بعد أبريل 2019م, الدخول في اجازة مفتوحة عن العمل السياسي, وذلك لفشلهم الماحق في إدارة مرحلة ما بعد سقوط النظام السابق, وفشلهم في إدارة الفترة الإنتقالية, وفشلهم في تهيئة المناخ السايسي للتداول السلمي للسلطة عبر الإنتخابات, بل ظلوا يتمسكون في تعنت معيب بحقهم المطلق في إدارة الدولة دون تفويض شعبي بحجج واهية, كذلك فشلهم في إدارة الاختلاف والتباين السياسي حتى داخل التحالف الذي حكم البلاد “قحت” دع عنك مع الخصوم, كذلك فشلهم في إبتدار حوار شامل لا يستثني احدا من الفرقاء السياسيين، كان من شأنه أن يُحدث اختراق في الازمة السياسية التي سيطرت على المشهد السياسي، وعطلت مسيرة الدولة لاربعة أعوام، أزهقت فيها هيبة الدولة وأريقت كرامتها, بسبب الفشل والغباء السياسي الذي كان عنوانا لتلك الفترة.

*5* – من المهم تغيير لغة الخطاب السياسي بين المكونات السياسية في المرحلة المقبلة بحيث تَنزع لغة الخطاب الى التسامح والتراضي، وإحترام الخيارات السياسية للغير, والإقلاع والتسامي عن التنمر والمزايدة والتخوين, وإدعاء الحق المطلق والحصري في ممارسة السياسة وإدارة شؤون البلاد على قرار”نحن فقط من يحق لنا ….” حيث شهدت الفترة السابقة التي اعقبت الثورة حملات متبادلة من التنمر والتخوين والمزايدة والإقصاء والإستعلاء والابتزاز والارهاب الفكري بين الاطياف السياسية قائم على الغبن والغباء, تمخضت نتائج تلك الممارسات غير المبررة في خلق حالة من التنافي والإحتقان والإستقطاب الحاد والكراهية ساهم في تعميق ازمة البلاد. لابد أن يدرك الجميع ان لا مخرج من الأزمات التي تحدق بالبلاد وتمسك بتلابيبها غير وحدة الصف وإجماع الكلمة والانصراف للعمل والإنتاج. فإن المرحلة القادمة تتطلب التعاضد والتماسك وليس العزل والإقصاء, تتطلب صدق النواياء والإرادة, وليس التخوين والمكايدة, تتطلب العدل والإنصاف, وليس التجريم والانتقام, تتطلب إحترام المنطلقات العقائدية والفكرية وتحترم إنتقاد الممارسة والسلوك.

*6* – تشكيل حكومة إنتقالية على قرار حكومة المشير سوار الذهب من مجلسين مجلس عسكري يحل مكان مجلس السيادة يضطلع بإدارة المؤسسات الأمنية ويشرف عليها بشكل كامل إعدادا وتدريبا وتأهيلا, كما يتولى كل الملفات المرتبطة بالامن الداخلي والخارجي والقومي وملفات السلام, ومجلس وزراء يتشكل من مدنيين “مستقلين او تكنوقراط” بقرار من رئيس المجلس العسكري يتولى المهام التنفيذية، ومجلس رقابي مشترك يتشكل من عضوية (المجلس العسكري ومجلس الوزراء وولاة الولايات) يضطلع بمهام الرقابة والتشريع، على ان تستمر هذه الحكومة لفترة اربعة سنوات، تركز في الثلاث أعوام الأولى على إعمار ما دمرته الحرب, وإصلاح ما لحق من تدهور بالبنية التحتية, وتحسين معاش الناس, وإعادة هيبة الدولة ومكافحة الظواهر الإجرامية التي لا تقل عن خطر التمرد, ومكافحة الفساد, وتعزيز السلام المجتمعي, ونزع السلاح ودمج وتسريح منسوبي الحركات المسلحة. بعد أن يستتب الأمن وتستقر الأوضاع وتتوطد هيبة الدولة، تُطلق الحكومة في عامها الأخير عملية حوار شامل بين الفرقاء السياسيين بمشاركة أطياف واسعة، لا يستثني أحدا، بغرض الوصول للحد الادنى من التوافق بين أبناء الوطن، للوصول الى تسوية مرضية لجميع الأطراف، ويحقق السلام الدائم الذي يقوم على التسويات العادلة, وليس الحد من العنف فقط, لنرى بعد ذلك وطنا بلا احتراب ينعم أهله بالطمأنينة والوئام والسلام المستدام.
تعد الجيوش بمثابة العمود الفقري للدول وصمام امان الأمم والشعوب وهذا يحتم دعمها والمحافظة على تماسكها، لابد في هذه المرحلة من العمل على تعزيز قدرات الجيش ليصبح من أقوى الجيوش في افريقيا، عندئذ، نشرب إن وردنا الماء صفوا ويشرب غيرنا كدرا وطينا. ولابد من تجريم الإساءة إليها، والتحريض ضدها، والدعوة لتفكيكها كما يصدر ذلك من بعض الاصوات النشاذ التي تنشط تحت لافتات مضللة باطنها المؤامرة، وظاهرها من قِبَلِهِ العمالة والإرتزاق، فمثل هذه الأصوات ينبغي إسكاتها إما بالحسنى، أو بردعها وفقا للقوانين, فقد أفرطت في الإساءة للجيش والمؤامرة المفضوحة عليه حتى الإغراق.

*7* – بعد إكمال الجزء الأول من الفترة الإنتقالية (ثلاثة أعوام) يتم تكوين مفوضية للإنتخابات تشرع فورا بالتعاون مع القوة السياسية في إعداد قانون للإنتخابات يتوافق عليه الجميع دون إستثناء ومن ثمّ تعمل على تهيئة المناخ لإجراء انتخابات حرة ونزيهة لحسم قضية الحكومة المدنية وبذلك يتم قطع الطريق أمام بعض الاحزاب والمجموعات السياسية التي تحاول في إصرار وعناد دميم ومخجل تولي السلطة والإنفراد بالحكم عنوة دون تفويض من الشعب مما أدخل الفترة الإنتقالية في صراع عبثي تسبب في تأخير عملية الإنتقال الديمقراطي. إن أي محاولة لتولي السلطة وركوب ظهر الشعب كُرها دون تفويض, سيلاقي رفضا مهما كانت مسوقاته ومهما بلغ حجم الداعمين له من قوة, وإن أي تحالف حزبي أو مجموعات سياسية أو مدنية تعتقد أن بإمكانها أن تحكم الشعب وأن تفرض أيدلوجياتها بمساعدة دول خارجية أو منظمات أجنبية فهي واهمية وحالمة وغير صادقة في تبني مشروع التحول الديمقراطي الذي ليس له إلا طريق واحد هو طريق الإنتخابات, وإن الشعب هو من يحدد لمن يمنح سيادته، فإن كنتم صادقون فيما تدعون إليه من حكم مدني ديمقراطي فهلمّوا اليه وهيؤوا أنفسكم لخيارات الشعب عبر الصناديق, أما إن كنتم تنشدون إقامة دولة وفق أيديولوجيات محدده بقوة المدافع والبنادق فقد أبعدتُم النُجعة وذلك لأن آليات طرح الأفكار والإيدلوجيات ليس من بينها هذا الخيار، وإنما آلياتها هي قوة المنطق وسلامة الفكرة.

*8* – لابد من السعي الجاد من كل أطياف المجتمع السياسية والمدنية نحو نشر ثقافة دولة العدالة وسيادة القانون التي يكون الناس فيها أحرارا متساوون في الحقوق والواجبات, تتكافأ فيها الفرص والمنح ويتسم نسيجها الإجتماعي بالتماسك, وتتجذر فيها روح الوطنية والمسؤولية في إطار القانون والدستور عندئذ ليس مهماً من يدير دفة الحكم في البلاد. فكل الدول العظمى بنت نهضتها على مفهوم دولة القانون بعد جولات مأساوية ومريرة من الاحتراب والاقتتال.

*9* – لا يختلف إثنان في الدور الفاعل الذي تلعبة منظمات المجتمع المدني في إستنهاض وإستدعاء القيم الفاضلة والخيرة للإنسان من خلال إزكاء روح التطوع والتسامي عن الفردية بحشد طاقات الأفراد لتلبية إحتياجات المجتمعات الأساسية والضرورية. ينفق على برامج منظمات المجتمع المدني ملايين الدولارات الأمر الذي يستوجب مراجعة برامجها وتوجيه مواردها إلى قضايا كبرى تخدم المجتمع السوداني بكافة فئاته، ومنعها من تبني برامج مستوردة لا تتناسب مع مجتماتنا بل تتصادم مع ثقافتنا وقيمنا. ينبغي حجر أي منظمة نشأت مسيسة ابتداءً، أو لها أي ارتباط بأحزاب سياسية أو بمنظمات دولية تخدم أغراض سياسية لدول أو للوبيات سياسية للعب ادوار قذرة تضعها في خانة العمالة والجاسوسية، فالعمل الطوعي له قواعد تحكمه وميادين تختلف عن العمل السياسي. من أخطر الوسائل المستخدمة للإختراق الأمني منظمات المجتمع المدني (القوة الناعمة لاستعمار الشعوب) حيث تُضخ في حساباتها اموال تحت دعاوى إنسانية واجتماعية، أو برامج بناء الديمقراطية وحقوق الانسان والحكم الراشد, كذلك تستغِل المنظمات الاجنبية الأموال المنفقة في إسطناع وخلق طبقة من العملاء و الجواسيس في صورة نخب مثقفة وواعية ترفع شعارات براقة أو تقدم نفسها في ثوب المعارضة الشريفة التي تريد تخليص الأوطان من الأنظمه الدكتاتورية والمستبدة حيث يُوفر لهم غطاء إعلامي يجعل منهم رموزاً وطنية في أعين البسطاء و السذج بينما هم في الأصل مجموعات عملاء تتكسب باسم الشعب وتتاجر بكرامة الوطن وتسعى لإرضاء الداعمين بأية وسيلة حفاظاً علي استمرار تدفق تلك الأموال الملوثة لافساد الشباب من الجنسين وضرب قيم ومثل المجتمعات المحافظة. فلابد من سلطات الفترة الإنتقالية أن تكون يقظة تجاه تلك المنظمات.

*10* – حتما فإن الوثيقة الدستورية التي نظمت الشراكة بين المكونين العسكري والمدني إبان الفترة الإنتقالية التي اعقبت ثورة ديسمبر لن تصلح لإدارة المرحلة القادمة، وحتى لا تدخل المرحلة الانتقالية التي تلي الحرب في متاهة إعداد وثيقة حاكمة لها، فإن أنسب وثيقة دستورية تحكم هذه الفترة هي دستور 2005م، فهو دستور اعد بعناية كبيرة وشاركت في إعداده كل الاحزاب والمنظمات الحقوقية والمدنية، ويشتمل على وثيقة الحقوق التي تضمن الحريات، فيمكن الأستناد إليه في إدارة المرحلة الإنتقالية إلى حين إنتخاب جمعية تأسيسية تشرع في إعداد دستور دائم للبلاد أو تشكيل مفوضية متوافق عليها للقيام بهذه المهمة.

نشر المقال في 18 يوليو 2023م

Krimhashimi5@gmail.com
0912677147

الوسوم

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إغلاق