قال تعالى : (وما كان لنفس أن تموت إلا بإذن الله كتابا مؤجلا ) صدق الله العظيم . في يوم الإثنين، وشهر شعبان المبارك الذي مضى و يختم أيامه المباركة لنستقبل شهر رمضان المعظم الذي أنزل فيه القرآن هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان ،، نعى الناعي إلينا أخا عزيزا وقورا خلوقا مثقفا .. و يعد علما من أعلام الصناعة في السودان الأستاذ القامة ، إدريس علي أحمد البشير الذي انتقل الى جوار ربه راضيا مرضيا بإذن الله تعالى …
كنت في بداية تعييني بوزارة الصناعة قد التحقت بإدارته التي كان يشغل مديرها العام ،، إدارة الإعلام والعلاقات العامة .وقتها قدم لي الكتير من النصح والإرشاد نهلت من علمه وثقافته وخبراته الطويلة وعلاقاته الواسعة التي امتدت داخليا وخارجيا ،،انسان بكل ماتحمله الكلمة من معان يتمتع بأدب جم وتواضع لا مثيل له ، عرفته حافظا لكتاب الله ،، ملما بالأحاديث النبوية ، يتحدث العربية ، الإنجليزية ، الألمانية بطلاقة،، ملم بالدواوين الشعرية ،، وأغاني الحقيبة ،، أصدقاؤه كبار الأدباء والشعراء .. يزوره الرؤساء ، الفنانون ، الرياضيون ، عمل بوزارة الصناعة منذ تخرجه في كلية الاقتصاد جامعة الخرطوم ستينيات القرن الماضي إلى أن نال شرف تمثيل وزارته وبلاده مستشارا اقتصاديا بملحقية سفارة السودان بألمانيا وقد حظي باحترام وتقدير الجميع ،، كان يأوي كل زائر ،مريض ، سائح ، دارس …لألمانيا ، يكون في استقباله ، وضيافته ، حتي سيارته كان يخصصها لضيوفه ، شخصية بسيطة جدا ولكنها كانت تخترق الصعاب وصولا لحل مشكلات و قضايا الغير ، هو بحق سفير لبلاده ، استقطب عددا من الشركات والمستثمرين الألمان للإستثمار في السودان ، بذل قصارى جهده في تخصيص قطعة أرض لكل مستحق لها مع جهات الإختصاص حينما كان يمسك بهذا الملف للعاملين بوزارة الصناعة عن طريق الخطة الإسكانية الفئوية ، محبوب وولوف يزور كل منسوبي الوزارة ويتفقدهم بمنازلهم عمالا وموظفين وينفق من ماله الخاص لمساعدة كل محتاج ، كانت له مواقف مشهودة اضطر بسببها ترك العمل بوزارة الصناعة إلى بنك الثروة الحيوانية ،، المرحوم (إدريس) نال شرف إسلام أحد العمال على يديه (شول) الذي سمي بعد إسلامه باسم ( عوض الله ) ، بعد ذلك اسهم في زواجه من إحدى حسان الصناعة التي أنجبت له في مابعد بنتا وكبرت البنت ،، ذهبت لإخبار المرحوم (إدريس) بصحبة والدتها بموعد زواجها ، كم كان فرحا بهذا النبأ و تهلل وجه وانشرح صدره لما سمع ، وذكر محدثي (ساتي الفكي) انه قد زاره بصحبة رفيق دربه (الأمين عثمان بشاره) عندما كان طريح الفراش ولحظة هما بالمغادرة ، رفض أفراد أسرته الكريمة خروجهم إلا بعد ان يتناولوا طعام الغداء قالوا : لم نصدق انكم حضرتم لكي يتناول معكم والدنا ( إدريس ) الطعام لأنه رافض له) ، وعندما تم وضع الطعام لهم تناول معهم فقيدنا طعامه ما استطاع لأنه وجد من يحب بجانبه ، سبحان الله نسي مرضه تماما بفضل زيارة هؤلاء الزملاء ، وسرد لي موقفا آخر حينما أتاه احد الزملاء لسداد فاتورة مريض يعرفه والفاتورة كانت عالية جدا لايستطيع احد دفعها إلا وزارة المالية ووزيرها وقتها الذي ذهب له حينها المرحوم( إدريس ) وقام بالواجب ، وعندما ذهب من يعنيه الأمر لإستلام الشيك منعه المانعون في استقبال الوزارة من الدخول و تم الاتصال بالمرحوم (إدريس ) لعلاج الأمر وكم كانت المفاجأة حيث ذكر لهم أن الشيك تم تسليمه للمستشفى المختص لتكملة العلاج وإجراء العملية التي تمت بنجاح ، ويذكر أن المرحوم( إدريس ) لم يأخذ حافزا ماديا واحدا طيلة حياته في الخدمة المدنية ،، كان عفيفا شريفا رحمه الله ،، هذا قليل من كثير من مآثر ومناقب فقيدنا الحاضر الغائب الأنيس (إدريس ) وأعلم انني لم اعطه حقه كاملا وهناك الكثير المثير اتركه للذين عاصروا ، زاملوا ، وارتحلوا في تسفارهم بصحبة الفقيد لتكملة هذا السفر ان استطاعوا في فضائله ، محاسنه ومواقفه التي احسبها لا (يشيلها) كتاب ،، هذه مجرد قطرة من بحر اعترف بأننا لا نستطيع الوصول الي ساحله ، له الرحمة والمغفرة والعتق من النار والجنات العلا وإنا لله وإنا إليه راجعون.