طه هارون حامد:
في إطار اهتمام كلية الدراسات الاسلامية بجامعة حمد بن خليفة بدولة قطر بفهم السيرة النبوية وتعميق الوعي بأهمية دلائل النبوة في العصر الحديث، تعقد مؤتمر السيرة النبوية تحت عنوان “أهمية دلائل النبوة في العصر الحديث”. هذا المؤتمر، الذي إنعقد في 25 و26 سبتمبر 2024، يمثل فرصة قيمة للباحثين والمهتمين بالسيرة النبوية لمناقشة الجوانب المختلفة التي تمثل دلائل النبوة ومفاهيمها العميقة وكيفية تطبيق هذه المبادئ في حياتنا اليومية.
السيرة النبوية: عِبر ودلائل عظيمة
تعتبر السيرة النبوية مصدراً غنياً للعِبر والدروس التي ينبغي أن تكون جزءاً لا يتجزأ من حياة المسلم. حياة النبي محمد( صلى الله عليه وسلم) مليئة بالمعجزات والآيات التي تثبت نبوته، والتي أصبحت مصدر إلهام للأمة الإسلامية على مر العصور. منذ أول لحظة تلقى فيها النبي محمد صلى الله عليه وسلم الوحي في غار حراء، كان ذلك بداية سلسلة من الأحداث التي لا تزال تضيء الطريق للمؤمنين وتدل على عظمة الرسالة التي حملها.
واحدة من أبرز جوانب السيرة النبوية هي دلائل النبوة التي ظهرت في كل مرحلة من مراحل حياة النبي (صلي الله عليه وسلم) المختار عليه افضل الصلاة واتم التسليم تلك الدلائل لم تكن مقتصرة على المعجزات الظاهرة التي تحققت بيد النبي محمد صلى الله عليه وسلم، بل شملت كذلك جوانب سلوكه وتعاملاته مع الآخرين، وطريقة دعوته، وصبره على الأذى، وحكمته في مواجهة التحديات. هذه الدلائل تبين للمسلمين أن النبي محمد( صلى الله عليه وسلم) كان بالفعل رسول الله، وأن رسالته كانت مبنية على أُسس من الحكمه والعلم، ودعوة تدعو للرحمة والعدل.
أول من آمن بالرسالة: النساء والرجال والأطفال
من أبرز السمات التي تميز السيرة النبوية هي الحفاوة التي لقيتها الدعوة من فئات المجتمع كافة. فمنذ اللحظة الأولى، كانت النساء، الرجال والأطفال في مكة المكرمة يشهدون بأحقية هذه الرسالة، وكان أول من آمن بالرسالة هي خديجة بنت خويلد رضي الله عنها، التي كانت أول من صدق برسالة النبي صلى الله عليه وسلم وسانده في محنته. ولم تكن النساء وحدهن من آمن، بل كان الصحابي الجليل أبو بكر الصديق رضي الله عنه، أول من آمن من الرجال. كما كان الأطفال مثل علي بن أبي طالب، الذي كان صغيراً في السن عندما بدأ النبي صلى الله عليه وسلم دعوته، من أوائل من تبعوا هذا الدين الحنيف الحق
إن إيمان هؤلاء الفئات من الناس في البداية يعكس عمق الصدق والإيمان في دعوة النبي محمد صلى الله عليه وسلم، حيث لم يكن هناك تمييز بين الأجناس أو الأعمار. كان الإيمان بالرسالة الإلهية هو العنصر الذي جمع الجميع تحت لواء التوحيد، مما يعكس عظمة الإسلام في كونه ديناً موجهًا لكل فرد في المجتمع بغض النظر عن مكانته الاجتماعية أو العمرية.
كيف عامل النبي صلى الله عليه وسلم أهل الطائف واليهود؟
عندما تعرض النبي صلى الله عليه وسلم لأشد أنواع الأذى في مكة، قرر أن يذهب إلى الطائف بحثًا عن دعم أو تحصين لدعوته، لكن أهل الطائف ردوا عليه بجفاء شديد، وأساءوا إليه بشكل لا يتصور. بالرغم من أن النبي صلى الله عليه وسلم تعرض للاحتقار والإيذاء الجسدي، إلا أنه ظل يحسن الظن بهم حين قال عسي ان يخرج من اصالبهم من يذكرون الله وينشرون الدعوة وأصر على دعوته بالحكمة واللين، مما يوضح صبره العظيم ورؤيته الاستراتيجية للظروف.
أما بالنسبة لليهود، فقد عُرف النبي صلى الله عليه وسلم بحسن معاملته لهم، فقد كانت علاقته بهم قائمة على الاحترام المتبادل، حتى عندما نشب النزاع بينهم وبين المسلمين. سعى النبي صلى الله عليه وسلم إلى تجنب العنف بقدر المستطاع، وكان يتعامل مع التحديات بحكمة ومرونة، بل كان يبحث دائمًا عن سبل الحوار والتعايش السلمي.
الهجرة النبوية:
دروس في التضحية والإيمان
الهجرة من مكة إلى المدينة تُعد من أهم المحطات في السيرة النبوية. لم تكن الهجرة مجرد رحلة جغرافية، بل كانت نقلة نوعية في مسار الدعوة الإسلامية، إذ تحولت المدينة إلى مركز انطلاق للدعوة ونشر رسالة الإسلام. بينما كان الأعداء يخططون للفتك بالرسول صلى الله عليه وسلم، فإن الهجرة تمثل نموذجًا عظيمًا من الصبر والتضحية والثقة في وعد الله تعالى.
لم تكن الهجرة مجرد انتقال مكاني، بل كانت انتقالًا روحيًا للمجتمع المسلم، حيث بدأ المسلمون في المدينة بناء مجتمع جديد قائم على مبادئ الأخوة والمساواة والعدالة. وبفضل الهجرة، أصبح للرسالة الإسلامية قوة دفع جديدة، وساعدت على نشر الإسلام في أماكن جديدة. في المدينة، تأسس أول مجتمع إسلامي في التاريخ، وأصبح المسلمون قادرين على أداء عباداتهم بشكل علني، فبدأت المعالم الرئيسية للدولة الإسلامية تظهر شيئًا فشيئًا.
استقبال النبي صلى الله عليه وسلم في المدينة: “طلع البدر علينا”
من اللحظات العاطفية التي خلدها التاريخ الإسلامي هو استقبال أهل المدينة المنورة للنبي صلى الله عليه وسلم. كان ذلك الاستقبال الحار بمثابة إعلان بداية جديدة للإسلام والمسلمين. عندما دخل النبي صلى الله عليه وسلم المدينة، استقبلوه بأناشيد فرحة، ومنها النشيد الشهير “طلع البدر علينا”. هذه اللحظة التاريخية لم تكن مجرد استقبال لشخص واحد، بل كانت إعلانًا بقدوم النور والهدى إلى المدينة، وكانت بداية بناء دولة الإسلام.
نشر السيرة النبوية في العصر الحديث
اليوم، نحن بحاجة ماسة إلى نشر السيرة النبوية في كل مكان وزمان. في عصرنا الحالي، الذي يواجه فيه العالم تحديات كثيرة من الإلحاد، التشويش الفكري، وانتشار الظواهر السلبية، تُعد السيرة النبوية بمثابة البوصلة التي ترشدنا إلى الطريق الصحيح. في مواجهة هذه التحديات، لا بد من العودة إلى نهج النبي صلى الله عليه وسلم في الدعوة بالحكمة والموعظة الحسنة، والتمسك بالقيم الإسلامية السامية.
إن السيرة النبوية ، ليست مجرد سرد تاريخي لأحداث ماضية، بل هي منهاج حياة يمكننا من خلاله تصحيح مسارنا الشخصي والاجتماعي. سواء في التعامل مع الأزمات أو في بناء علاقاتنا الأسرية والاجتماعية، علينا أن نستمد من سيرة النبي صلى الله عليه وسلم القوة والعزم لتجاوز الصعاب.
ختامًا:
السيرة النبوية البناءوتعاليمها اساس في حياتنا الأسرية
إن السيرة النبوية هي حجر الزاوية في بناء المجتمع المسلم، ويجب أن تكون جزءًا من حياة كل مسلم، في بيته، في عمله، وفي تعامله مع الآخرين. فالسيرة ليست مجرد أحداث تاريخية، بل هي دروس حية نستطيع أن نستلهم منها في كل يوم من أيام حياتنا.
السيرة النبوية يجب أن تكون نبراسًا لنا في مواجهة التحديات الحياتية، ومرشدًا لنا في تحقيق العدالة والرحمة في مجتمعاتنا.
إن الدعوة إلى نشر السيرة النبوية وتعليمها للأجيال القادمة هي من أسمى الواجبات على كل مسلم. فلنبدأ من أسرنا، لنبني مجتمعًا قويًا متماسكًا، يطبق تعاليم الإسلام الحقيقية كما كان يفعل النبي صلى الله عليه وسلم
جامعة حمدبن خليفة
دولة قطر
مؤتمر السيرة النبوية
اهمية دلائل النبوة في العصر الحديث
٢٥-٢٦سبتمبر٢٠٢٤