إبراهيم القرشي:
تغيير حكومة قطر عبارة (كبار السن) إلى (كبار القدر) هل له أصل في الشرع وفي كلام العرب؟؟؟
يختار بعض الناس اسما لابنه او بنته فيه قبح لأنه يحمل معنى سيئا يتأذى منه المسمى في صغره وكبره، إما لغرابته، أو لما يحويه من المعاني المكروهة للنفوس…فمن سمى ابنه او بنته باسم قبيح يزعجه ويؤذيه، وأراد أن يستبدل به اسما حسناً فإنه يشرع له تغييره وتبديله، وهو بذلك متبع لا مبتدع كما سيأتي, وفي ذلك تطييب للخاطر وإزالة للكدر عن النفوس.. ويقاس على أسماء الناس عموم الأسماء والمصطلحات التي يستخدمها الناس…كالذي فعلته قطر من تبديل عبارة (كبار السن) إلى عبارة (كبار القدر)… فهناك أشياء تنفر منها النفس و تأباها ، منها الموت والكبر والشيب…والكبر والشيب نذيران للموت…قيل لسيدنا أنس رضي الله عنه : هل شاب رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال : ماشانه الشيب. قالوا : أوَشينٌ هو يا ابا حمزة؟ قال : ما منكم أحد إلا ويكرهه.
والشيب والكبر معا هما أكثر ماتكرهه النساء…مازحت بثينة جميل بن معمر بأنه كبر فقال لها غاضبا :
تقول بثينة لما رأت قُنُوّاً من الشعر الأحمر
أراك كبرت وأودى الشباب فقلت بثينُ ألا فاقصري
أأنسيت أيامنا باللوى و أيامنا بدوى الأجفر
وأنت كلؤلؤة المرزبان بماء شبابك لم يعصر
صغيران مربعنا واحد فكيف كبرتُ ولم تكبري؟
سؤال وجيه إجابته معروفة ولكنها المكابرة..
ودائما ما تقع المشادة بين الأزواج والأنداد والأقران كل يتهم صاحبه بالكبر…مثلما هاج الآخر وقال لها :
قالت وقد راعها مشيبي. كنت ابن عم فصرت عما
واستهزأت بي فقلت أيضاً قد كنت بنتاً فصرت أُمَّا
كفي و لا تكثري ملامي و لا تزيدي العليل هما
واحدة بواحدة والبادي أظلم…
فالذي صنعه حكماء قطر فيه تطييب للخواطر وجبر للنفوس وبعث للأمل..واعتبار لهذه الفئة التي أعطت وما بخلت..وهو سنة شريفة وأسلوب عربي…فقد كان من هدي نبينا صلى الله عليه وسلم وسيرته الشريفة أنه كان يحب الاسم الحسن، ويكره الاسم الذي يتضمن قبحا وغلظة، أو الذي يتضمن شركا، أو رضا بالمعصية، أو يشتمل على تزكية، ويغيره إلى اسم حسن طيب ،وقد ورد في السيرة النبوية الكثير من المواقف والأحاديث لبعض الأسماء التي غيرها النبي ، قال ابن القيم في كتابه “تحفة المودود” :””وهذا باب عجيب من أبواب الدين، وهو العدول عن الاسم الذي تستقبحه العقول، وتنفر منه النفوس، إلى الاسم الذي هو أحسن منه والنفوس إليه أميل، وكان النبي صلى الله عليه وسلم شديد الاعتناء بذلك”.
وقد شمل اعتناء النبي صلى الله عليه وسلم بتغيير أسماء بعض الناس تغيير أسماء بعض القرى والأماكن إذا كان اسمها قبيحا أو سيئا، فعن عائشة رضي الله عنها قالت: كان إذا سمع اسما قبيحا غيره، فمر على قرية يقال لها: عفرة فسماها خضرة. وعن أبي حميد الساعدي رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم لما عاد من تبوك فأشرف على المدينة قال: هذه طابة.. كره اسم يثرب وسبب الكراهة أن يثرب إما من التثريب الذي هو التوبيخ والملامة، أو من الثرب وهو الفساد، وكلاهما مستقبح.. وروى البخاري في “الأدب” عن سعيد بن المسيب عن أبيه عن جده: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له: مااسمك؟ قال : اسمي حزن، قال: بل أنت سهل، قال: ما أنا بمغير اسما سمانيه أبي، قال: “قال ابن المسيب: فما زالت فينا أي: معشر أولاده، (الحزونة) أي: صعوبة الخلق، (بعد) أي: بعد إباء أبي اسم السهل من النبي صلى الله عليه وسلم… وقد غير رسول الله صلى الله عليه وسلم اسم العاصي وعزيز وعتلة وشيطان، والحكم، وشهاب وغراب، وحباب ، وجثامة… وسمى حربا سلما، وسمى المضطجع المنبعث ، وشعب الضلالة، سماها شعب الهدى، ، وسمى بني مغوية بني رشد”.
هذا ، ومن أساليب العرب وعاداتها أنها تصف الشيء بضده للتطير أو للتفاؤل فتسمي اللديغ «سليما»، والكسير «جبيرا»، والفلاة «مفازة»، وجماعة السفر «القافلة»، والأعمى «أبو بصير»، تفاؤلًا وبعثا للأمل في النفوس …فالسليم هو اللديغ (تفاؤلاً بسلامته)، والمفازة هي الصحراء (تفاؤلاً بفوز المسافر في اجتيازها سالماً)، والقافلة هي جماعة المسافرين (تفاؤلاً بقفولهم أي عودتهم سالمين).
وتسمي العرب الأعمى ” الكفيف والبصير وأبو بصير” مواساة له وتشجيعا وتطييبا للخاطر…وتسمي الحبشي “ابا البيضاء” والأسود “ابا الجون” وقد يكون الأخير من باب الاستهزاء مثلما قال القرآن لأبي جهل : (ذق إنك انت العزيز الكريم) استهزاءً به.. وقال قوم شعيب لرسولهم : (إنك لأنت الحليم الرشيد) قال ابن عباس رضي الله عنهما أرادوا السفيه الغاوي لأن العرب تصف الشيء بضده.
فالألفاظ كما قال بعضهم لم تخلق لتحبس في خزائن من الزجاج ، فيراها الناس من وراء تلك الخزائن، ثم يكتفون بتلك الرؤية العابرة، والذي صنعته قطر هو من صميم الشرع ومن أصل كلام العرب.
18/11/2024