الطيب المكابرابي:
قبل تسعة وستين عاما وفي مثل هذا اليوم التاسع عشر من شهر ديسمبر عام 1955 وقد صادف حينها يوم الاثنين اتفقت ارادة القوى السياسية والقيادات الطائفية السودانية على ضرورة نيل استقلال البلاد كاملا واستعادة حكم البلاد من ايدي المستعمرين…
في الجلسة الثالثة والاربعين من الدورة الثالثة لأول برلمان سوداني المنعقدة بمقر البرلمان القديم بالخرطوم المطل على شارع الجمهورية انبرى رجال من هذا البلد مطالبين دولتي الاستعمار انجلترا ومصر باستكمال مابدا في العام 1953 من تعهد بمنح السودانيين حق تقرير المصير وإن يستجيبا حالا للرغبة السودانية في الحصول على الاستقلال حيث تقدم النائب
عبد الرحمن محمد ابراهيم دبكة نائب دائرة بقارة نيالا غرب بهذا الاقتراح ( ان يقدم خطاب الى معالى الحاكم العام بالنص التالى : نحن اعضاء مجلس النواب فى البرلمان مجتمعا نعلن بأسم شعب السودان ان السودان قد اصبح دولة مستقلة كامل السيادة ونرجو من معاليكم ان تطلبوا من دولتى الحكم الثنائى الاعتراف بهذا الاعلان فورا ..
المقترح وجد ارتياحا وتاييدا حيث قام بتثنيته عاجلا النائب عن دائرة دار حامد غرب مشاور جمعة سهل ابن ناظر عموم قبيلة المجانين لياخذ المقترح مجراه نحو التصويت باتفاق الجميع وليتم الاعلام عن استقلال السودان من داخل البرلمان يومذاك دونما انتظار لراي دولتي الحكم الثنائي…
في الايام التالية وقبل الاعلان عن استقلال السودان رسميا في يناير 1956 تم التوافق على تسمية خمسة اشخاص ليصبحوا هم راس الدولة فتم انتخاب كل من السيد حمد محمد صالح والسيداحمد محمد يس والسيد الدرديري محمد عثمان والسيد عبدالفتاح المغربي والسيد سرسيو ايرو مع أقرار ان تكون رئاسة اللجنة بالتناوب بحيث يراسها احدهم كل شهر..
تلك كانت ارادة رجال اسسوا لدولة السودان مجتمعين ومتفقين من غرب السودان كانت بداية المقترحات والتثنية ومن الجبال والجنوب كانت مقترحات تشكيل مجلس السيادة ومن الجنوب والشمال مقترحات تشكيل الجمعية الناسيسية الدولة السودانية التي اصبحت في نظر الجهلاء دولة 56 ..
دولة نالت استقلالها باجماع اهلها وتوافقت على الحكم بكافة اشكاله ووضعت لبنة لدولة مستقلة من اوائل دول جنوب الصحراء استقلالا وحتى في الشرق الاوسط والقارة السمراء..
ذكرى إعلان الاستقلال من داخل البرلمان ستظل عبرة لكل سوداني يريد ان يعتبر وان يقرا الناريخ ويتعلم ممافعله الاولون وهي دون شك كذلك ذكرى تتطلب ان يعود البعض الى رشدهم ويجعلوا بينهم وبين الاعداء مسافة كافية حتى يعيد كل السودانيين بناء هذا البلد الذي دمره الجهلاء والحاقدين بفرية أنهم محكومون بدولة 56 دون علم منهم بان دولة 56 وضع لبنتها اجداد لهم كانوا اكثر وعيا واكثر وطنية وإن كان لتلك الدولة من عيب وهي حكومة المركز وليس حكومة الشمال أو الوسط فانها تركت للبعض الحبل على الغارب فاستباحوا دماء واعراض واموال بعضهم
واصبح ذبح الادمي عندهم اهون من ذبح الشاة ولم تفرض هيبة الدولة وقوتها لتجاسب كل معتد على نفس أو مال في الحال فصارت الحياة عندهم قتال وقتل ونهب دونما التفات الى التعليم وهو السبيل الى الوعي والحكم والتنمية..
كل عام وكل سوداني بخير والسودان في توافق وتعايش وسلام وازدهار بعد نهاية هذه الحرب التي أسس لها الجهلاء بمزاعم عما سموه دولة 56 .
وكان الله في عون الجميع.
الخميس 19 ديسمبر2024