مقالات
الاصطفاف على أسنة التدافع “العربي – الإسرائيلي” وقدرية المواجهة المصيرية

د.أسامة سيدأحمد حسين:
مدخل استهلالي:
الحرية فردية داخلية، تنتزع انتزاعا، ولا تعطي عطاءا، ولا يهديها والد إلي ولد، ولا يرثها خالف عن سالف.
مدخل تأسيسي أول:
تملك مصر ثقل القرار الاستراتيجي العربي حين تمارس مركزيتها التاريخية وذلك تبعا لخصائص تكوينها الجغرافية والحضارة والبشرية.. فهي في موقع القطب الحاكم إذا مارست دورها المركزي في المنطقة. وحين تتقلص مركزيتها التاريخية وتتحول إلى دولة قطرية يظل تأثيرها الإقليمي قائمة بأكبر من قطريتها ولكن بأقل من مركزيتها -تأثيرا سالبا وذلك بحكم ارتباط آليات التدافع العربي- الإسرائيلي بكل خصائص المكان العربي المحيط باسرائيل.
فإذا اتخذت مصر موقفا واحدا ينبئ بعودتها إلي خصائص دورها المركزي التاريخي فإن كافة معادلات المنطقة ستنقلب رأسا على عقب وسيأوي مسببو القلاقل لمصر بهدف تمزيقها إلى جحورهم وستجد إسرائيل نفسها وكذلك الولايات المتحدة في حال المقاومة والتراجع، فالسلام ضروري لإسرائيل بأكثر مما هو ضروري للعرب.
صحيح أنه لا حرب دون مصر حتى لا يقع العبء على سوريا وحدها، كما أنه لا سلام دون سوريا: فاللاء السورية رهان على مستقبل إسرائيل برمته. فالثمن السوري الذي يرتهن به مستقبل إسرائيل على مستوى المنطقة كلها لا يمكن إلا أن يكون ثمنا قوميا.. هذا الثمن القومي مدخله الأساسي أن تصبح إسرائيل جزءا من دول المنطقة لا مهيمنة عليها.
المسألة محكومة بمنطق التدافع العربي-الإسرائيلي عبر أربعة عشر قرنا من الزمان وليس مسألة إرادات سياسية ومواقف ذاتية انتقائية، فالسعودية لا تستطيع تكريس حالة السلم بالكيفية التي تريدها إسرائيل.
المملكة العربية السعودية هي المستهدفة في نهاية المطاف بهذا المخطط كله. فالتسوية الإسرائيلية مع مصر ( كامب ديفيد) استهدفت تحييد مصر وعزلها، لتتحول إسرائيل بثقلها إلى الجبهة الشرقية أو سوريا الكبري حيث التداخل الجيوبولتيكي الأشد خطرا على أمنها ومستقبلها.
إن التطبيع هو خلاصة التسوية- الهيمنة وغاياتها من دون السعودية تصبح كافة أشكال التسويات مقدمات لا نتائج لها.
مدخل تأسيسي ثاني:
ينضح المقال بما فيه، فهو إذ يتناول تحديات مصيرية تحت مرحلة التسوية – الاستكبار والعلو في الأرض، والتي يراد لها أن تكون (هيمنة) علي الوطن العربي حيث يتحول إلى دائرة شرق أوسطية قطبها المركزي الإقليمي إسرائيل، وقطبها العالمي الولايات المتحدة بمفهومها عن النظام العالمي الجديد الأحادي التوجه.
يطرح ذلك كله في إطار هزائم الأنظمة العربية المتكررة دون أن يدرك الاسرائيليون جدلية تكوين الأمة العربية وخصائصها التاريخية والحضارية، لذلك نأمل في تحقيق الاستقطاب المستنير والممكن -عربيا واسلاميا- بمعزل عن حملات التشويش والتشكيك.
تشكل مصر والسعودية تحالفًا قويًا مع دول عربية أخرى لمواجهة مقترحات الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بتهجير سكان غزة، وذلك عبر تنسيق دبلوماسي ومبادرات سياسية مشتركة. أبرز ملامح هذا التحالف:
1. موقف عربي موحّد ضد التهجير:
-قادت مصر جهودًا دبلوماسية مكثفة مع الدول العربية، بما في ذلك السعودية، لتوحيد الموقف الرافض لخطط التهجير. وشملت الاتصالات وزراء خارجية السعودية والإمارات والأردن وغيرها، بهدف إصدار بيان عربي حاسم خلال القمة العربية المقررة في 27 فبراير 2025 .
-أكدت السعودية موقفها المبدئي الداعم للحقوق الفلسطينية منذ بداية الأزمة، ورفضت أي مساس بسيادة الدول العربية أو محاولات توطين الفلسطينيين خارج أراضيهم.
2. الرفض القاطع للضغوط الأمريكية:
-رفضت مصر علنًا مقترحات ترامب، مؤكدة أن أمن السعودية والدول العربية “خط أحمر”، ووصفت التصريحات الإسرائيلية الداعمة للتهجير بأنها “منفلتة” وتنتهك القانون الدولي. هددت مصر بشكل غير مباشر بإعادة النظر في اتفاقية السلام ( كامب ديفيد) مع إسرائيل إذا استمرت الضغوط الأمريكية، وهو ما اعتُبر ورقة تفاوضية قوية لثني واشنطن عن خططها .
3. مبادرات إعادة الإعمار كبديل للتهجير:
-طرحت مصر خطة بديلة لـ”إعادة إعمار غزة” دون تهجير سكانها، بدعم من الدول العربية والخليجية، بهدف إفشال فكرة ترامب بتحويل القطاع إلى “ريفييرا سياحية” تحت السيطرة الأمريكية.
وشدد الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي على أن الحل الوحيد يكمن في إقامة دولة فلسطينية على حدود 1967، وهو الموقف الذي تدعمه السعودية والدول العربية .
4. التنسيق العسكري والدبلوماسي:
-عززت مصر وجودها العسكري في سيناء، بما يشمل إنشاء مطارات عسكرية ومخازن استراتيجية، كرسالة تحذيرية لإسرائيل وواشنطن ضد محاولات توسيع النزاع .
-أجرى وزير الخارجية المصري اتصالات مع نظيره السعودي وغيره من الوزراء العرب لتعزيز التضامن في وجه المخططات الأمريكية، مما يعكس تحالفًا عمليًا يتجاوز الخطاب السياسي .
5. دعم المجتمع الدولي:
-حصل الموقف العربي على تأييد دولي من أطراف مثل فرنسا وألمانيا والصين وروسيا، التي استنكرت مقترحات التهجير ووصفتها بانتهاك للقانون الدولي .
-أكدت السعودية ومصر أن دعم المجتمع الدولي متن من قدرة العرب على مواجهة الضغوط الأمريكية، خاصة مع تزايد الانتقادات الدولية لسياسات ترامب .
الخلاصة:
-تشكل مصر والسعودية بحكم خصائص تكوينيهما التاريخي والاستراتيجي نواة لاصطفاف وتحالف عربي واسع يعتمد على الرفض للتهجير، والدعم المتبادل في المحافل الدولية، وطرح حلول بديلة مثل إعادة الإعمار.
هذا التحالف ليس مجرد رد فعل قصير المدى، بل جزء من استراتيجية طويلة الأمد لحماية المصالح العربية وتحقيقا للتدافع العربي- الاسرائيلي ، ومواجهة المحاولات الإسرائيلية والأمريكية لإعادة تشكيل الخريطة السياسية للمنطقة .
-موقف المملكة الثابت إزاء قضية القدس:
للقدس مكانتها المقدسة لدى أمة الإسلام فهي مسرى محمد خاتم الرسل والنبيين سيدنا محمد صلي الله عليه وسلم، به كملت النبوات، والقرآن ختمت به الرسالات ومن يومها وعبر أربعة عشر قرنا هجريا أعاد الإسلام صياغة المنطقة، فوحد بين خصائصها الحضارية وبسط عليها لسانه العربي، وجعل مابين البيت الحرام في مكة والمسجد الأقصى في القدس جسرا روحيا لا تنفصم عراه وقد توثقت هذه العلاقة قرآنيا بقوله تعالي:[سبحان الذي أسرى بعبده ليلا من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى الذي باركنا حوله لنريه من آياتنا إنه هو السميع العليم ]- الاسراء/ج ١٥/ الآية ١.
-إن معضلة إسرائيل مع السعودية تتمثل في تمتع الأخيرة بهذه الخصائص التكوينية ، خصائص الثروتين الروحية والمادية ويستحيل التطبيع معها – بهذه الاستحالة تفقد إسرائيل قدرات التطبيع الفعلية مع الوطن العربي والعالم الإسلامي وبالتالي فقدان قدرات إنفاذ مشاريعها الاستراتيجية وفق مخطط السوق الشرق أوسطي وطموحات مرحلة السلام المفترض.
تؤمن السعودية بأن (التسوية) أمر سياسي وقد ربطته بما يتحقق فعليا على مستوى المسارات السورية واللبنانية والفلسطينية، أما( التطبيع) فهو أمر ( مصيري) يستهدف الكيان وخصائصه الشخصية بما يفترضه من آفاق ثقافية وفكرية واجتماعية تعيد صياغة المنطقة حضاريا وتدجينها لصالح قطبية إسرائيلية مركزية. لذلك نقول لبعض المعارضين السعوديين ( ابواق حملات إسرائيل والولايات المتحدةضد المملكة أولا وثانيا في مصر) والذين يجدون ما يرضي تطلعاتهم المعارضة للنظام فإنهم بلا شك لا يبصرون ما وراء الأكمة، فسلبيات الأنظمة مكانها التصحيح الداخلي وليس الانخراط دون وعي في مخططات خارجية ستنعكس سلبا وفي المستقبل على المعارضين أنفسهم وعلى أوضاع بلدانهم.