مقالات

قطر.. وأكبر دورة لمجمع الفقه الإسلامي الدولي في تاريخه

د.محمد خليفة صديق:

شرفنا الله أن نكون ضمن حضور النسخة (26) من مجلس مجمع الفقه الإسلامي الدولي، الذي استضافته العاصمة القطرية الدوحة بترحابها المعتاد، بفندق الريتز كارلتون، برعاية كريمة من معالي الشيخ محمد بن عبد الرحمن بن جاسم آل ثاني، رئيس مجلس الوزراء ووزير الخارجية بدولة قطر، بترتيب ورعاية كاملة غاية في التميز، كان وراء كل صغيرة وكبيرة فيها معالي وزير الأوقاف والشؤون الإسلامية بدولة قطر غانم بن شاهين بن غانم الغانم، الذي أكد في كلمته في مفتتح المؤتمر أن اجتماع علماء المسلمين في الدوحة لتبادل الآراء في نوازل ومستجدات الحياة، للوصول إلى رؤية واضحة تطمئن لها النفوس، ويقبلها المجتمع المسلم، بحيث تطوع القضايا والمستجدات بالمفهوم الشرعي في ظل من الوسطية التي تتسم بها أمتنا المسلمة، مشيرا إلى أن مجلس مجمع الفقه الإسلامي الدولي يسعى لنشر شريعة رب العالمين، والدفاع عن هذا الدين، ولذا لا بد أن يكون له صوتاً جهيراً وقرارًا مكيناً، ومعه جميع الهيئات العلمية والشرعية في العالم الإسلامي، وذلك لبيان المخاطر التي تحيط بالأمة من هدم لبنيان الأسرة، والتأثير سلباً على النشء، وامتهاناً للفضائل، والاستخفاف بالقيم والأخلاق، والدعاية للإلحاد والمثلية والشذوذ وأمثالها من المشاكل الأخرى.
لا حظت حالة الرضا أن تجلل محيا الوزير الغانم وهو يتابع حركة علماء الأمة ونشاطهم في دوحة العرب التي قدمت الممكن وبعض المستحيل لتظهر هذه الدورة بالثوب القشيب الذي ظهرت به، وحق لنا أن نقول لقطر: لقد أتعبت من جاء بعدك في تنظيم دورة بهذا التميز؛ فقد مولت وزارة الأوقاف القطرية بقيادة وزيرها الغانم هذه الدورة بكل تفاصيلها، ولم تنسى حتى الهدايا من عطور الدوحة لكل المشاركين، وحجزت لعلماء الأمة على الدرجة الأولى في رحلة الذهاب والعودة لكل المشاركين من جميع بلدان العالم، وحرص الوزير الغانم على متابعة كل صغيرة وكبيرة، ولقاء كل الوفود المشاركة، وبالنسبة لأهل السودان عندما قلت له: نريد معك خمس دقائق لتنويرك حول وضع مجمع الفقه الإسلامي السوداني الذي بنته وزارته وظلت وثيقة الصلة به، قال لي مبتسما: خمس دقائق..؟ أهل السودان لكم الوقت كله.. وحقا كانت هذه الدورة فرصة للتعرف عن قرب على رجل عظيم مثل معالي الوزير الغانم، تمكن بفضل الله من تقديم نسخة باهرة من دورات مجمع الفقه الإسلامي الدولي يشهد له بها جميع من حضر، ومن تابع عن قرب وعن بعد.

كانت هذه الدورة فرصة للتعرف عن قرب على نفر من علماء الأمة “ورثة الأنبياء”، وقد كنت حريصا عن الاقتراب من علماء البلد المضيف، ومؤسساته العلمية والدعوية وعلى رأسها وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية التي تدير أعمالا جبارة يصعب الإحاطة بها في هذه العجالة؛ فكان فضيلة الشيخ الدكتور ثقيل بن ساير زيد الشمري، العلامة الجليل والوجيه النبيل قاضي القضاة، نائب رئيس هذه الدورة لمجمع الفقه الإسلامي الدولي، (الدرعمي)، وهذه الأخيرة أقصد بها أن شيخنا ثقيل حصل على الدكتوراة من (كلية دار العلوم) بالقاهرة عن رسالته ذائعة الصيت (التعزير في الفقه الإسلامي)، بجانب مؤلفاته البديعة الأخرى مثل: القول المبين في حكم الاحتفال بمولد خير النبيين، والخطيب الشربيني ومنهجه في التفسير، وبحوثه المتميزة مثل: والأسباب الموجبة للمسؤولية في حوادث المرور، ومكانة الأمن المجتمعي في التصور الشرعي، وحظر ممارسة غير القطري النشاط التجاري منفردا، وبطلان التحكيم، ودليل الاستصحاب وتطبيقاته في النوازل والمستجدات المعاصرة، وفى البعد الفقهى للعنف، الذي نشرته مجلة المنبر, التي تصدر عن هيئة علماء السودان، وغيرها كثير، كما أشرف ويشرف فضيلته على العديد من الدراسات والأبحاث منها إشرافه على كتاب: قيم وتقاليد القضاء .. دراسة تأصيلية مقارنة الذي أعده د. عبد الرحمن شرفي، الذي صدر ضمن اصدارات المكتب الفني لمحكمة التمييز في قطر .
بجانب كل ما سبق يتولى الشيخ الدكتور ثقيل رئاسة اللجنة الشرعية بوزارة الأوقاف، وهو كذلك رئيس لجنة تحري الهلال، وعضوٌ مؤسس بالاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، وعضو بعدد من المجامع العلمية خارج قطر، درّس عددا من الفنون في مجلسه ومسجده وبمعهد الأئمة والخطباء من عقيدة وفقه ونحو حيث شرح منار السبيل، وكتاب التوحيد للشيخ محمد بن عبدالوهاب، وألفية ابن مالك، كما تدرج الشيخ ثقيل في السلك القضائي حتى وصل إلى رئيس محكمة الإستئناف الشرعية، وبعد دمج المحاكم عين نائبا لرئيس محكمة التمييز وعضو مجلس القضاء الأعلى، كما تولى الخطابة في عدد من مساجد قطر الكبرى منها جامع الشيوخ، وجامع عمر، وجامع الإمام محمد بن عبدالوهاب، ولفضيلته مجلس مفتوح يحج إليه أهل الفضل وعلى رأسهم شيوخ العلم والحكم وغيرهم .ً

وأخيرا شنف الشيخ ثقيل آذان حضور هذه الدورة بوصفه نائبا لرئيسها بتلاوة القرارات والتوصيات الشرعية التي صدرت عن مجلس مجمع الفقه الإسلامي الدولي في القضايا الاجتماعية والنفسية والاقتصادية والماليَّة الإسلاميَّة وصناعة الحلال، ومن بينها: قضايا رعاية الطفولة، وضوابط الألعاب الإلكترونية، والذكاء الاصطناعي، والحوكمة الشرعية في المؤسسات المالية الإسلامية، والأغذية المحوّرة وراثياً، وتدويخ الحيوانات قبل الذبح، وغيرها من المسائل التي تمس واقع المجتمعات المسلمة والعالم الإسلامي.

حقا كانت هذه الدورة لمجلس المجمع هي الأكبر والأكثر تميزا في تاريخ المجمع الفقهي الدولي؛ فقد ناقش المجلس على مدار أيام الدورة (187) بحثًا، بحضور قرابة مائتين وثلاثين عالمًا وخبيرًا من أكثر من (60) دولة، وكانت قطر على العهد دائما تقدم كل غالي ونفيس خدمة لعلماء الأمة، ولو قدر لعلماء الأمة أن يصوتوا على مكان الدورة القادمة لما اختاروا غير قطر، ونرجو أن تستفيد ماليزيا مستضيفة الدورة القامة من تجربة قطر الاستثنائية في استضافة هذه الدورة، وتستعين بالفريق المتألق الذي سهر على نجاح الدورة لضمان نجاح وتفرد الدورة القادمة في كوالامبور.

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى