مقالات

إقالة “مهندس النفط” محي الدين نعيم تثير المخاوف وتفتح أبواب الجحيم على القطاع

محمد بابكر:

في توقيتٍ لا يحتمل أنصاف الحلول أو القرارات المتسرعة وفي الوقت الذي يئن فيه قطاع النفط السوداني تحت وطأة حرب مدمرة جاء قرار إعفاء الدكتور محي الدين نعيم محمد سعيد وكيل وزارة الطاقة والنفط كالصاعقة التي تضرب جسداً مثخنا بالجراح.
لم تكن مجرد إقالة إدارية روتينية بل كانت بحسب مراقبين وخبراء بمثابة “رصاصة في قلب القطاع” أُطلقت في وقت حرج مهددة بإغراق ما تبقى من آمال لإنقاذ شريان الاقتصاد الوطني في بحر من الفوضى والتخبط.

القرار الذي صدر من مجلس الوزراء في العاشر من ديسمبر 2025 وهبط على الدكتور نعيم عبر خطاب مقتضب سلمه إياه الوزير جاء غامضاً بلا أسباب معلنة ليفتح الباب على مصراعيه أمام عاصفة من التكهنات والاتهامات.
ففي الوقت الذي كان فيه الرجل يقود معركة شرسة لإدارة أزمة غير مسبوقة ويضع الخطط الفنية لإنقاذ حقل “هجليج” الاستراتيجي ويطرق أبواب الشركاء الدوليين جاء قرار إبعاده ليطرح سؤالاً واحداً ومرعبا *لمصلحة من يتم التخلص من الخبرات الوطنية في ذروة الأزمة؟*

لا يمكن فهم حجم الكارثة دون معرفة من هو الدكتور محي الدين نعيم. فهو ليس مجرد موظف عابر بل هو ذاكرة القطاع وأحد أعمدته الراسخة. بخبرة تمتد لعقود من إدارة مركز التدريب النفطي إلى منصب المستشار والمدير العام وصولاً إلى تكليفه بقيادة الوزارة في أحلك الظروف كان نعيم يمثل صمام الأمان الفني والإداري.

لقد تسلم الرجل قطاعاً مدمراً حيث هوى الإنتاج من 47 ألف برميل يومياً إلى أقل من 20 ألفاً وتوقفت مصفاة الخرطوم الحيوية وقدرت الخسائر بالمليارات. وفي مواجهة هذا الانهيار عمل بصمت ودأب على تأمين الحد الأدنى من إمدادات الوقود ووضع استراتيجيات ما بعد الحرب والأهم من ذلك كان يمثل صوت العقل والخبرة في مواجهة التحديات الفنية المعقدة.

تشير الكواليس والتسريبات إلى أن القرار لم يكن فنياً أو مهنياً بل هو نتاج صراعات نفوذ وحسابات شخصية ضيقة داخل أروقة السلطة. فبينما تحترق البلاد يبدو أن البعض مشغول بتصفية الحسابات وتوزيع المناصب غير عابئ بالعواقب الوخيمة على مستقبل الطاقة في السودان.
إن إبعاد كفاءة بحجم الدكتور نعيم في هذا التوقيت لا يمكن تفسيره إلا بأنه تغليب للمصالح الخاصة على المصلحة الوطنية العليا.

اليوم يقف قطاع النفط على حافة الهاوية. فإقالة “مهندس الأزمات” تترك فراغاً هائلاً وتثير قلقاً عميقاً لدى العاملين في الحقول والمصافي ولدى الشركاء الدوليين الذين كانوا يثقون في خبرته. من سيدير الآن ملفات إعادة الإعمار المعقدة؟ من سيتفاوض مع الشركات العالمية لجذب استثمارات بمليارات الدولارات لإحياء قطاع يمتلك احتياطيات تقدر بـ 6 مليار برميل لم يستغل معظمها بعد؟

إن هذه الإقالة ليست مجرد خبر عابر بل هي جرس إنذار مدوٍ بأن إدارة الدولة في زمن الحرب تسير في اتجاه خطير. إنها رسالة محبطة لكل الكفاءات الوطنية بأن الولاءات الشخصية قد تكون أهم من الخبرة والإنجاز. والسؤال الذي يطرحه كل سوداني غيور اليوم إلى متى ستستمر معركة تكسير العظام الداخلية بينما الوطن كله على المحك؟
إن مستقبل الطاقة في السودان ومعه مستقبل الاقتصاد بأكمله ينتظر إجابة.

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى