مقالات

الطريق الثالث

جمال الدين محمد صالح:

ليس الطريق الثالث خيار من جملة خيارات يمكن المفاضلة بينها واختيار أفضلها ، بل هو طريق وحيد ، شديد الضيق والانحدار وذو اتجاه واحد . تحتم طبيعة الطريق السير فيه دون ابطاء مخل او تعجل مضر . كما أن اي اتجاه لتغيير اتجاه حركة السير فيه تعني حدوث ما لا تحمد عقباه. انه طريق يسير في أرض شديدة الوعورة ، يستهدف الوصول الي غايات وأهداف نبيلة ، متجنبا المزالق والالغام التي تحيط به من كل جانب . واخيرا فإن الطريق الثالث ليس ” نافلة ” او ” تر ف ” ، بل هو واجب أخلاقي ومسؤولية وطنية لإنقاذ وطن يقف علي حافة الهاوية.
في مقال سابق منشور علي الفيسبوك بعنوان ( مأساة وطن ….. نداء الي الأحياء ) اوردنا فيه بعض المشاهد الماساوية التي تحيط بالوطن وتنذر بخطر داهم وانهيار وشيك . ولتفادي ذلك الانهيار لابد من عمل مسؤول يقوده أناس مسؤولون، ينكرون حظوظ النفس والذات ، يكظمون الغيظ ويضغطون علي الجراحات ويترفعون فوق الثارات من أجل نجاة وسلامة الوطن . ثم جاء خطاب البرهان مضيفا ابعادا اخري لتلك المشاهد الماساوية مما ضاعف من المسؤولية ، وحتم ضرورة التحرك . لقد تعددت الشروح والتفسيرات ، وتباينت الرؤي والتاويلات لذلك الخطاب. كل شارح له منطلقه ورؤاه حول مضامين ومقاصد الخطاب . الا انه في خاتمة المطاف ، فإن تلك المقاصد والمضامين لا تخرج من احتمالين اثنين لا ثالث لهما وهما :
الاحتمال الأول ان يكون الخطاب قد تم تقديمه بحسن نية وسلامة قصد ونزاهة وتجرد ، وهو خروج المؤسسة العسكرية من شان السياسة وايكال امر تشكيل الحكومة وإدارة الدولة للمدنيين (وهو احتمال ليس مستبعد) . في هذه الحالة فإن علي القوي الثورية الانخراط مباشرة في حوار عقلاني وبناء من أجل ” التوافق ” ، ووضع رؤي رشيدة لإصلاح شان الاقتصاد والسياسة الخارجية ، وتدابير عقلانية للمصالحة الوطنية المجتمعية لرتق النسيج الاجتماعي . وأن الانصراف عن هذه المهام الجسيمة ، والأهداف الحيوية النبيلة ، والانشغال بترديد المقولات ، والذهاب مذاهب شتي فيما يتعلق باهداف الخطاب ومراميه، وتاجيج النزاع مع العسكر ، والنفخ في نار الصراعات بين مختلف المكونات الحزبية والطاءفية والقبلية ، هو عمل ينقصه الرشد ويزيد من قتامة المشهد الماساوي . رغما عن كل الشكوك والتحفظات علي الخطاب فإن علي القوي الثورية اخذ زمام المبادرة والسعي لتشكيل حكومة مدنية انطلاقا من مبدا( الكضاب امشي معاه للباب ) وذلك لاختبار مصداقية العسكر . وأن عجزت عن ذلك فتلك مشكلة القوي الثورية وليس مشكلة العسكر . الا ان الواقعية والموضوعية تقتضي القول أنه حتي اذا قدر لهذه الجهود ان تبدأ، فهي لا محالة سوف تصطدم بمدي إمكانية تحقيق ” التوافق ” ، وهو هدف قد يصل حد الاستحالة في ظل هذا الخضم المتلاطم من الخلافات والتباينات والتقاطعات بين القوي الثورية ، وهي العقبه الكؤود التي تواجه تلك القوي . مما يعني ان ” التوافق ” بين مكونات القوي الثورية حتي في ظل فرضية حسن النية للخطاب سيظل هدف بعيد المنال .
الاحتمال الثاني:
ان يكون الخطاب قد تم تقديمه بسؤ نية وعدم سلامة في المقصد وعدم تجرد بغرض الاستثمار في ” التوافق ” المستحيل (وهو احتمال غير مستبعد كذلك ) . في هذة الحالة يكون الحال اكثر تعقيدا ، والمهمة اكثر صعوبة ، إذ تتكامل عوامل داخلية وهي حالة التنافر بين ألمكونات الثورية ، مع عوامل خارجية ممثلة في المؤسسة العسكرية والقوي الإقليمية والدولة وكل قوي الشر وعناكب السؤ التي سوف تدفع في اتجاه عدم الاستقرار بوضع المتاريس وتفجير الألغام في وجه المسيرة القاصدة نحو الوفاق ، مما يعرقل مهمة القوي الثورية في السير نحو الوفاق . اذا ففي كلي الحالين ، وهما فرضية حسن النية وفرضية سؤ القصد للخطاب فإن مساعي القوي الثورية نحو الوفاق وتشكيل حكومة مدنية سوف تنتهي الي طريق مسدود . محصلة ذلك الانسداد هو غرق البلاد في دوامة الصراع وحرب سجال لا نهاية لها في المدي القريب علي نسق التجارب الماساوية التي نشهد تجلياتها في المحيط الإقليمي . انها حرب لا غالب فيها ولا مغلوب ، لأنه في ظل تلك الدوامة سوف لن يفلح ” العسكر ” في إقامة حكم رشيد يخرج بالبلاد من دائرة التيه والضياع ، إذ يظل العسكر يون مجرد أداة من أدوات الاستقطاب الدولي في سبيل البقاء في السلطة . كما لن يفلح ” المدنيون في تحقيق نصر حاسم علي العسكريين بسبب خلافاتهم وصراعاتهم الداخلية والتي سوف يستثمر فيها العسكريون بذكاء خبيث . وفي خاتمة المطاف سوف يذهب العسكريون ، ويتبعهم المدنيون، بينما ستبقي هناك ” آثار ” لوطن ” محروق ” !!!! . لذلك سوف لن يكون “العسكريون ” خيار السودان الأفضل، كما لن يكون ن طريق المدنيين ممهدا لتحقيق أهداف الثورة .
فإن كان الحال كذلك ، فما العمل إذا ؟

* اقول :
_ انه من العار ان تظل ” النخبه ” (بضم النون ) تتفرج
علي الوطن وهو ” يغرق ق ” ، وعلي الأمة وهى
تحترق !!!
_ انه من غير المقبول ان تصم النخبه اذانها عن نداء
الواجب واستغاثة الوطن !!
انه من غير المعقول ان تظل النخبه في مؤخرة
الصفوف ، كما مهملا كالركام ، بينما يقود الأمة
” الدهماء” ، و ” الانتهازيين ” و ” اللصوص” !!

فإن ذلك ليس من طباءع الأشياء !!! .
اقول ذلك وانا اعلم يقينا ان النخبه ليست علي قلب رجل واحد ، فقد اخذ منهم التشظي والاستقطاب كل ماخذ ، وتفرقت بهم السبل . ولكن يظل الأمل عليهم معقود ، والخير فيهم مامول . فهم الاقدر علي تضميد الجراحات ، والعفو عن الثارات واعلاء رأية الوطن فوق الحزبيه والجهويات .

* الي كل أولئك اقول :

ان للاوطان في دم كل حر يد سلفت ودين مستحق .فها
هو الوطن الجريح يناديكم ، واعلموا ان حب الوطن
والوفاء له من الإيمان.

* الي كل أولئك اقول :

اننا نعيش الان لحظات فارقة من فصول التاريخ،فإماا ان تسجل النخبه و” توقع ” في دفتر الحضور وتكون من
“الشاهدين ” ، أو تحسب من ” الغائبين ” !!

* الي كل نفر من أولئك اقول :

ان لم تكن شاهدا علي عصرك ، مؤثرا فيه ، فكن :
راهبا متبتلا ، أو سكيرا عربيدا ، فكلاهما سواء .
والشهادة تقتضي منا ان نتقدم الصفوف استشعار ا
لروح المسؤولية ، واستجابة لنداء الواجب ، فإن ما
يحيط بنا وبامتنا في هذا الظرف العصيب من
مهددات واهوال ومصاءب كفيل بمسحنا من الوجود .
فإن كانت هذه هي ضرورة المرحلة ، وذاك هو واجب النخبه ،
فمن أين نبدأ؟ .

اولا:
انا ادعو كل من يقرأ هذا المقال ان يبادر بسؤال نفسه :
ما هي مسؤليتي وواجبي تجاه ما يجري ؟ وماذا يمكنني فعله ؟ وأن يتوج ذلك بخطوة عملية بدعوة كل الوطنيين للاحتشاد والاصطفاف تلبية لنداء الوطن .
ثانيا :
ادعو رابطة خريجي جامعة الخرطوم لأخذ زمام المبادرة بالتنسيق مع غيرها من روابط الخريجين للعمل علي حشد الخريجين في صعيد واحد في نداء من أجل السودان .

* ثالثا :
ادعو اتحاد الجامعات السودانية ان يدعم دعوة رابطة الخريجين الي نداء السودان .

* رابعا :
ادعوا اتحاد أصحاب العمل السوداني بالتنسيق مع اتحادات الغرف التجارية والصناعة واتحاد المصارف الي دعم نداء السودان .

*خامسا : ادعو الي تكوين جسم يمثل كل الجهات المذكورة والاحتشاد بغرض التفاكر والخروج برؤي مو حدة لتجاوز المازق الذي تمر به البلاد .
ان هذه القوي الحيه والفاعلة والمؤثره اذا اجتمعت في صعيد واحد فهي كفيله بوضع الأمور في نصابها ، وجديره بتحقيق الإصلاح المنشود ، وذاك هو الطريق الثالث .

أيها السادة: أن نضيء شمعة خير من أن نجلس نلعن الظلام.
(ألا هل بلغت ؟ اللهم فاشهد )

E.mail :gamalelmumin@gmail.com
Tel: +249922784329

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إغلاق