مقالات

إنهم مستدرجون!!

ثم لا

الجميل الفاضل:

إن من يتصورون أن ثورة امتدت لثلاثة واربعين شهراً، بلا توقف ولا هوادة، على مر الفصول، تحت هجير شمس السودان الحارقة، وزمهرير برده القارس، وسحائبه الماطرة الهتون.

لأربع سنوات أو تكاد، جرب خلالها قتلة محترفون، كل أنواع القتل في الناس هنا قنصا ودهسا، فرديا وجماعياً، بل ومجازرا كتلك التي وقعت على مرأى ومسمع، أمام مقر قيادة الجيش.

لكن هكذا رغم عظم كيد الخائنين، ظلت جمرة الثورة المقدسة متقدة، يكاد زيتها يضيء، ولو لم تمسسه بالطبع نار.

رغم أنف الذين ظنوا انهم، باتوا اليوم قاب قوسين أو أدنى، من إعادة عجلة التاريخ إلى أوضاع ما قبل أبريل ٢٠١٩.

أو كما تصور أمين حسن عمر، على الأقل، في تغريدة تقول: (سنعود بحول الله وإذنه إلى كل الساحات، رضي من رضي، وغضب واكتأب من غضب.. سنعود بعد ليل “قحت” الدامس مثلما يعود القمر البدر، يطلع على الدياجير والظلمة الظلماء، فيحيل ليلها كنهارها، فتصبح البلاد مقمرة).

وعلى ذات الظن الذي جرى به لسان علي أحمد كرتي وهو يقول: (نحن في الطريق إن شاء الله إلى تطبيع الأوضاع عامة، لنخرج من هذه “الحالة الاستثنائية”).
تلك الحالة التي قال كرتي: إنها ستأتي بغير الأوضاع التي كانت في بدايات هذا التغيير من التنمر الذي تابعتموه جميعا، والظلم الفادح الذي وقع على الآلاف، وكثير مما جرى ، مضيفا نسأل الله أن يكون قد انقضى هذا التاريخ.

فالدياجير والظلمة الظلماء، التي يرغب أمين حسن عمر في إحالة ليلها كنهارها، لتصبح البلاد مقمرة من جديد كما كانت، وكما يريد هو بالتأكيد.. هي (حالة الثورة) التي اطفأت نوراً أتاحته “الإنقاذ”، لأمين قبل أن تظلم الدنيا بوجهه اليوم.

كما ان “الحالة الاستثنائية” التي كانت مسرحا للتنمر، والظلم الفادح عند كرتي هي أيضا “حالة الثورة” ذاتها، التي يرى أن تاريخها قد انقضى، وأنهم الآن في طريقهم لتطبيع تلك الأوضاع.

وبمثل هذا الظن الكذوب تستدرج يد القدرة في العادة، من تشاء.. من حيث لا يعلم، إلى حيث هي تشاء.
فالأقدار تكتب عادة بمداد الأحبار السرية، التي لن تبدي خطوطها ومنعرجاتها الدقيقة، سوى بعد سطوع شمس نفاذها في النهاية.

إذ أن خطوط القدر كالعلامات المائية، التي لا ترى في العملات الورقية، لأول وهلة.

فميكانزمات القدر المخبوءة، تدفع على شاكلة ما سيرد، كل مقدور إلى أحضان القدر الذي ينتظره، “تسليما وتسلما”، في موعد لا يتقدم ولا يتأخر، كما يمكن أن يستنبط من قول رب العزة:

“إذ أنتم بالعدوة الدنيا وهم بالعدوة القصوى والركب أسفل منكم، ۚ ولو تواعدتم لاختلفتم في الميعاد، ۙ ولكن ليقضي الله أمراً كان مفعولا، ليهلك من هلك عن بينة، ويحيى من حي عن بينة، ۗ وإن الله لسميع عليم”.

ثم على قرار لمحة أخرى ذات مغزى مختلف هو بالضرورة، يقول سبحانه وتعالي: “إذ يُريكهم الله في منامك قليلاً، ولو أراكهم كثيراً لفشلتم ولتنازعتم في الأمر، ولكن الله سلم ۗ إنه عليم بذات الصدور”
ولكي يقضي الله أمراً كان مفعولا بالحتم والضرورة، فإنه يعرض كذلك مثل هذا النموذج الثالث، المغاير والمحفز، للمواجهة في ذات الوقت:

“وإذ يريكموهم إذ التقيتم في أعينكم قليلا، ويقللكم في أعينهم، ليقضي الله أمراً كان مفعولاً، وإلى الله ترجع الأمور”.
ترجع الأمور ليس بأماني من يجزم هنا بعودته بعد ليل “قحت” الدامس.
ولا بتطلع من يسعى لتطبيع الأوضاع على ما كانت عليه، قبل الثورة أو “الحالة الاستثنائية” كما يتصورها، بل علي يد قادرة، من شأنها ان تقضي أمراً كان مفعولا لا محالة.

لام.. ألف
وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَيْثُ لَا يَعْلَمُونَ.
قرآن كريم

حالتي
أشهد ألا انتماء الآن
إلا أنني في الآن لا

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إغلاق