صحة وبيئةمقالات

هل سد النهضة وراء غرق قرى المناقل؟

د.خالد النور علي حسب الله:

قرأت في الوسائط خبرا نشره موقع النيلين مفاده أن سد النهضة وراء غرق قري المناقل نسب للخبير الاستراتيجي الدكتور عادل عبدالمنعم.
الخبر يحتوي علي كتير من المعلومات التي تحتاج الي تصحيح. وبحكم عملنا في هذا المجال كان من واجبنا تصحيح ما ورد في الخبر حتي يعلم عامة الناس حقيقة الأمر.

*أولا:* أدناه ما ورد في نص الخبر:
*خبير: سد النهضة وراء غرق قرى المناقل* 2022/08/25


أشار الخبير الاستراتيجي د.عادل عبد المنعم، إلى أن سد النهضة وراء غرق قرى المناقل وتدميرها وأن إثيوبيا بعد الملء الثالث في 12 أغسطس، بدأت بفتح بوابات سد النهضة مباشرة والذي حجز وراءه 22 مليار متر مكعب، من المياه عملت كوسادة مائية لتمرير مليارات الأمتار المكعبة من المياه عبر الممر الأوسط للسد نحو سد الروصيرص والذي فتح أبوابه لتمرير الكميات المهولة من المياه وصولاً لسد سنار ومنه إلى الترعة الرئيسة لمشروع الجزيرة والمناقل والقنوات الفرعية والتي انفجرت تحت ضغط الكميات الكبيرة من المياه، إضافة إلى مياه السيول والأمطار. الأمر الذي أدى إلى وقوع الكارثة مثلما حدث في أغسطس، 2020 بعد الملء الأول للسد والذي أدى إلى غرق الكثير من قرى شمال الشريط النيلي بالجزيرة والخرطوم. يرجع غرق المناقل إلى انحدار الترع نحو الغرب لري المشروع. وأشار إلى أن سد النهضة سيشكل مهدِّداً للبلاد في موسم الفيضان، خاصة وأنه من مجموع (49) مليار متر مكعب، من المياه في العام نجد (40) مليار، منها تمر خلال الثلاثة أشهر لموسم الفيضان والأمطار وأن الوضع لا يزال ينذر بالخطر حتى منتصف سبتمبر. وأوضح أن الفيضانات من سد النهضة ستكون سنوية في موسم الخريف بعد حجز السد لمليارات الأمتار المكعبة من المياه. لقد عالج المصريون هذا الأمر بالنسبة للسد العالي بحفر قناة توشكي لتصريف مياه الفيضان لحماية المدن وري الصحراء. تتطلب المعالجات في السودان بتوجيه المياه نحو شرق وغرب السودان، وهذا سيحتاج إلى مليارات الدولارات إضافة إلى معارضة المصريين لتحويل مجرى النيل بعيداً عن مصبه في بحيرة السد العالي.
*الي هنا انتهي الخبر*

*ثانيا:* تعليقنا علي الخبر:

مع كامل الاحترام والتقدير للخبير الاستراتيجي الدكتور عادل عبدالمنعم في شخصه، إلا أن ما أورده من معلومات عن سد النهضة غير دقيق ومنافي للواقع …
فليس صحيحا أن بوابات سد النهضة قد تم فتحها بعد اكتمال الملء الثالث في ١٢ أغسطس الجاري وإنما العكس هو الصحيح. الصحيح ان هنالك بوابتين فقط كانتا مفتوحتين طوال فترة الملء والغرض منها تمرير الحد الادني من إحتياجات السودان ومصر من المياه وكذلك الاحتياجات البيئية او ما يسمي بالتدفق البيئي (Environmental flow) خلال فترة الملء. عند اكتمال، الملء يتم قفل البوابات وتمرر المياه الفائضة عبر الممر الأوسط فقط. هذه المياه عبر الممر الاوسط تزداد او تقل تدريجيا بزيادة او قلة المياه الواردة للنيل الأزرق أعلي سد النهضة حسب معدلات هطول الأمطار في الهضبة الإثيوبية. كميه المياه المتدفقة من سد النهضة الي خزان سنار خلال الفترة التي حدثت فيها سيول المناقل لم تتجاوز ٢٠٠ مليون متر مكعب في اليوم حسب السجلات اليومية بخزان سنار، بينما يستطيع خزان سنار تمرير اكثر من ٧٠٠ مليون متر مكعب في اليوم في زمن الفيضان. علما بأن كمية المياه الماره عبر خزان سنار بلغت ٥٤٥ مليون متر مكعب ليوم امس ٢٧/٨/٢٠٢٢ و ٤٧٦ مليون متر مكعب بتاريخ اليوم ٢٨/٨/٢٠٢٢، بينما التصرف صفر في ترعة المناقل (مغلقة تماما) ومليون واحد فقط في ترعة الجزيرة.

ايضا ذكر الخبير ان سد النهضة قد حجز حوالي ٢٢ مليار متر مكعب من المياه عملت كوسادة مائية لتمرير مليارات الأمتار المكتبة نحو سد الروصيرص ومنه الي خزان سنار ثم الي ترعتي الجزيرة والمناقل.
السؤال كيف كان سيكون الوضع في السودان اذا لم يحجز سد النهضة ٢٢ مليار متر مكعب وتدفقت هذه الكميات الكبيرة نحو السودان بالتزامن مع الامطار الغزيرة والسيول التي ضرب أجزاء واسعة من البلاد؟
اعتقد أن الإجابة واضحة وهي ان الوضع كان سيكون كارثيا أيضا علي المناطق المتاخمة للنيل بالإضافة الي المناطق التي غمرتها مياه السيول.
اما فيما يخص أسباب غرق المناقل فقد اوضحنا أن السيول نتجت من هطول أمطار غزيرة في هضبة المناقل ومناطق جبال موية في ولاية سنار وتجمعت بكميات كبيرة فاقت سعة المصارف والتي لم تكن جاهزة ولم يتم صيانتها لفترات طويلة.
التقرير المفصل نشرته كثير من الصحف الإلكترونية.

أيضا ليس دقيقا أن مجموع وارد النيل الأزرق السنوي هو ٤٩ مليار، وإنما هذا الرقم هو متوسط إيراد النيل الأزرق السنوي قد يزيد او ينقص حسب معدلات الهطول السنوي في الهضبة الإثيوبية والذي كان فوق المعدلات الطبيعية هذا العام. وليس صحيحا كذلك أن ٤٠ مليار متر مكعب من جملة ٤٩ مليار سوف يتم تمريرها خلال فترة ثلاثة شهور فقط في فترة الفيضان، ولا ادري من أين له بهذه المعلومة في غياب عدم التوصل بين الدول لاتفاق قانوني ملزم للملء والتشغيل حتي تاريخ اليوم.
سد النهضة سد كبير سعته التخزينية ٧٤ مليار متر مكعب ولا يمكن ملئة الا تدريجيا خلال موسم الامطار حيث يبدأ الملء حسب ما تم في السنوات السابقة من بداية يونيو و يستمر حتي أغسطس وربما الي سبتمبر اذا كانت السنة الهيدرولوجية غير مطيرة.

لذلك فإن الحديث عن أن سد النهضة سيكون مهددا للسودان خلال موسم الفيضان حديث غير دقيق لان السد عندما يخزن خلال شهور الفيضان فإنه بذلك يخفف من حدة الفيضان بالتالي يقلل من تأثيراته السالبة علي خزان الروصيرص وعلي السودان عموما.
سد النهضة يمكن ان يكون مهددا للسودان في حالة سنوات الجفاف والجفاف الممتدد اذا لم يتم التوصل مع أثيوبيا لاتفاق قانوني ملزم فيما يخص الملء والتشغيل وتبادل البيانات بين سد النهضة وسد الروصيرص. ولكنه بنفس القدر يمكن أن يكون مخزون استراتيجي يوفر مياه للسودان في سنوات الجفاف خاصة وأن السد هو سد لتوليد الكهرباء والتي لا يمكن أن تتم إلا بتمرير المياه اسفل السد خصوصا اذا تم اتفاق بين الدول. لذلك تجد ان السودان هو الدولة الأكثر حرصا علي التوصل لاتفاق يضمن تعظيم الفوائد من سد النهضة للسودان ويقلل من الآثار الجانبية.

بينما اتفق معه تماما في أن الوضع الحالي في السودان ما زال ينذر بالخطر خصوصا في حال استمرار هول امطار فوق المعدلات الطبيعية في الهضبة الإثيوبية حيث لن يساعد سد النهضة في تخفيف حدة الفيضان بعد اكتمال الملء الثالث علي خلفية أن كل المياه الواردة لسد النهضة تمر مباشرة الي خزان الروصيرص عبر الممر الاوسط لسد النهضة.

د.خالد النور علي حسب الله
مركز الإيقاد للتنبؤات والتطبيقات المناخية
نيروبي- كينيا

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إغلاق