مقالات

مولانا المكي.. صوفي قضى العمر نشوة وابتهالا

كتب/ مصعب الصاوي:

بمواراة جسده الطاهر الثرى، تكون صفحات من المكارم والمآثر قد طُويت، فمولانا مجذوب المكي، كان مفرداً حوى من الفضائل إرثاً تنوء بحمله العصبة.

انتقل إلى تلك العوالم التي وصفها محمد المهدي المجذوب بأنها (لحظة يذهل فيها الجسم والروح تنير) نعم ووري جسده وسط آبائه الصالحين ولكن روحه بلا شك تحلق خفاقة في تلك الفضاءات الأقدسية التي ظلت حديثه وشغله فروضه ونفله.

أبانا المرشد مجذوب المكي، نقش اسمه في خواطرنا وأرواحنا منذ ميعة الصبا وشرخ الشباب فهو المربي الجليل والخوجة الذي تخرجت على يديه أجيال وأجيال من الطلاب ثم ترقى في سلك هيئة التدريس متمهرا في عمله حتى صار من القيادات العليا وعمل كذلك موجهاً فنياً تدرب على يديه أهل التدريس وخدم في أصقاع السودان المختلفة بكفاءة متمثلاً مهنة الأنبياء خلقاً وأمانة وتجويداً.

ونحن أطفال كنا في الموسم (حولية الشيخ المجذوب) نتحلق بسمع مرهف لنسمع شيخ مجذوب يحبر مناقب الشيخ المجذوب بصوته القوي المطواع ومخارجه الصحيحة ذات النبر ويتموج صوته بعذوبة وتصاعد وتشويق حتى نهاية (الغرفة) أي الجزء الصغير من المناقب، يتناوب الأداء مع خليله وصفيه شيخ الطاهر الذي يسلم (الغرفة) الثانية لشيخ زين العابدين الذي نادراً مايكمل لوحه إذ تفيض عيناه بالدمع فيكمل غرفته شيخ مجذوب المكي.

تجاوب تلك الأصوات القارئة، فواصل من مدائح منتقاة تتخلل المناقب بأصوات كورال جميل الصوت بديع التلاوين شيخ الهجا، محمد أحمد، عمر الأنصاري، وعندما يرددون صلينا مشتاقين لقرة العينين تصعد الأرواح إلى سبحات عليا من الفيوضات والنشوة إلى مقام راحة الأرواح.

أولئك رجال من السلف الصالح قل أن يجود الزمان بمثلهم.

لمولانا مجذوب المكي، معرفة راسخة بسلسة العهد في الخاصة بالطريقة الشاذلية وسندها ومشائخها وأورادها وأذكارها بجانب حفظه لكامل ديوان الشيخ محمد المجذوب ابن الشيخ قمر الدين، رحمة الله عليه ورضوانه.

ويعتبر شيخ مجذوب المكي حجة في الأنساب ومعرفة الأسر الصوفية والبيوتات الدينية في عموم نهر النيل والمديرية الشمالية وهو موصول بهم زيارة وواجباً في الأفراح والأتراح توثيقاً للمحبة ولعرى الإخاء والسير في طريق القوم، وله محبة خاصة للسادة القادرية بكدباس وللسادة المراغنة.
وكان العم بشير يوسف يطلب منه في بعض الأحيان تبركا واستمتاعا أن يقرأ له جزءا من المولد العثماني بصوته الجميل فيقرأ ويضحك بسعادة وكانت بينهما محبة ولطائف وطرائف جمعت بينهما مهنة التدريس وطريق القوم الذين لايشقى جليسهم.

استطاع مولانا مجذوب المكي، بعلمه الواسع أن يكون مرجعاً موثوقاً لمعظم الرسائل العلمية التي كتبت عن الدامر أو عن تاريخ المجاذيب والطريقة الشاذلية. وقد راجع بنفسه العديد من كنوز المخطوطات وحققها وبالتالي وقف على كل طبعات ديوان الشيخ المجذوب وكان العلامة عبدالله الطيب يكن له مكانة خاصة ويعجب بصوته ويتدارس معه معاني وأسرار ديوان الشيخ المجذوب.

لم يكن مولانا المرشد الشيخ مجذوب المكي جميل الصوت فقط وإنما يتميز بخصائص الداعية المجود، فأضاف لصفاء وعمق الجوهر حسن المظهر.

عليه سحب الرحمة والرضوان.. إنا لله وإنا إليه راجعون.

الوسوم

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إغلاق