مقالات

الرسالة الثانية.. من الأرباب الصائم إلى الناظر مادبو

قال تعالى: (وَإِذَا قِيلَ لَهُ اتَّقِ اللَّهَ أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ بِالْإِثْمِ ۚ فَحَسْبُهُ جَهَنَّمُ ۚ وَلَبِئْسَ الْمِهَادُ) (206) – البقرة.

لا تأخذك العزة بالإثم وتمعن إرث وتاريخ آبائك النظار وإليك هذه المواقف:

١/ الناظر عبدالرحمن دبكة نائب دائرة بقارة نيالا غرب عن حزب الأمة والناظر مشاور جمعة سهل نائب دائرة دار حامد غرب عن الحزب الوطني الاتحادي، لم يكونا من القيادات السياسية
المشهورة لكنهما من زعماء العشائر وقيادات الإدارات الأهلية البارزة، أجمع عليهم كل القادة السياسيين ومنحوهم شرف تقديم اقتراح استقلال السودان وتثنيته من داخل البرلمان تقديراً واحتراماً للإدارات الأهلية.

٢/ الناظر إبراهيم موسى مادبو، ناظر الرزيقات عضو الجمعية التشريعية الأولى قدم له بعض من نواب الجمعية مذكرة يطالبون فيها بزيادة مرتباتهم لكنهرفض التوقيع عليها وعندما سُئل عن سبب رفضه رد قائلا: “عندما أعود إلى أهلي أقول لهم من إنجازتي في الجمعية أن قمت بزيادة مرتبي” وكان رده كان سبباً فى تمزيق المذكرة والغائها.
هكذا كان النظار زهداً وعفة في اليد واللسان.

٣/ السلطان بحر الدين سلطان دار مساليت استطاع ان يحفظ لسلطنة المساليت كيانها الذاتي بدبلوماسية وذكاء فطري حين جمع مابين الدول المتصارعة على مملكته (بريطانيا- فرنسا) فى اجتماع واحد مما اجبرهم على توقيع اتفاقيه قيلانى ١٩١٩ واختار انضمامه للسودان.
هكذا كان السلاطين يوحدون السودان
ولا يفرقون.

٤/ الناظر حاج محمد إبراهيم فرح ( ود البيه) ناظر الجعليين، استجابه لنداء مؤتمر الخريجين بدعوتهم لقيام المدارس الأهلية وفي اجتماع ضم كبار تجار أمدرمان لجمع التبرعات، حضر الاجتماع متأخراً متعمداً وكان آخر من عُرض عليه كشف التبرعات، بالنظر اليه وجد أن جملة التبرعات قد بلغت ٩٠ جنيها، فوقف مخاطبا الاجتماع إننا نريد أن نشيد المدارس الأهلية بكل أقاليم السودان لا أمدرمان وحدها وأخرج من جيبه مبلغ ١٠٠ جنيه وهي آخر ما تبقى له متبرعا بها. وكانت سبب انتشار المدراس الأهلية.
هكذا كان النظار يدفعون بسخاء لتعليم أبنائهم الطلاب دون من ولا أذى.

٥/ الناظر سرور محمد رملي، ناظر الجميعاب وخط السافل، تنازل عن أرضه وانتزع أراضي قبيلته ليحوها إلى جمعية ود رملي التعاونية الزراعية وفتح عضويتها بالأسهم لكل أهل المنطقة الذين يشاركونهم السكن والجيرة من القبائل الأخرى دون تميز لأهله.
هكذا النظار يشاركون الآخرين فى الماء والكلأ والنار.

٦/ الناظر الملك الزبير حمد الملك ناظر خط دنقلا. عرف الزبير بالقدرات الإدارية العالية والحكمة وبعد النظر والحلول الودية، قاد الصلح
الأول ما بين الرزيقات والمعاليا عام ١٩٦٧.
أدخل عرف القصادات الأهلي بالجزائر في قانون الأراضي الزراعية.
بالتعاون مع المفتش الانجليزي تمكن من إحضار المجلات والكتب الخاصة بالتعاون من مصر والهند فكان أن قامت 12 جمعية تعاونية زراعية
بالمنطقة.
هكذا كان النظار يشاركون فى تنمية وتطوير مجتمعاتهم.

٧/ الناظر أبوسن ناظر الشكرية، عند زيارة وفد
السودان للندن وتهنئة الملك جورج عام ١٩١٩ ضم الوفد عدداً من زعماء القبائل والسادة: علي الميرغنى، عبدالرحمن المهدي، الشريف الهندي،
وأثناء تبادل النقاشات داخل السفينة حول الاتفاق
على كلمة السودان وقد استمر النقاش طويلا بسبب تعدد الآراء واختلافها كان الناظر أبوسن ينظر اليهم صامتا فسأله رئيس الوفد السيد علي الميرغني عن سبب صمته وعن رأيه.
فرد عليه شيخ العرب بكل الهدوء قائلا: “إن أراد الله الراحة لأهل السودان من خلافاتنا اسأله أن تغرق بنا السفينة”.
هكذا كان بعد نظر وحكمة النظار.

٨/ الناظر محمود ود زايد ناظر الضباينة، وصاحب قدح، وزايد ذائع الصيت وقدحه سعته ٥ جولات من الدقيق ويطلق عليه الشركيك أي القارب الصغير (قدح ود زايد الوحل العجل الحوالى عندما وقع داخله) وموضع القدح قارعة الطريق للغاشى والماشي.
هكذا كان النظار مثالا للكرم والضيافة.
وقالت فيه إحدى النساء:-
جيتك من بعيد واطي الجمر والشوكة
شكرك يعم من القدام ما طروكة
محمود صمد البجنك روكة
محمود صقر الميتر القرع
الحبش من دوكة

٩/ الناظر الأرباب أيوبيه عبدالماجد ناظر الميرفاب. تشاجر بسوق بربر تاجرين
من كبار تجار المدينة وقال أحدهما إلى الثاني إنني سوف اشتكيك للأرباب الناظر أيوبيه فرد عليه الآخر بقوله: (افعل بأمك وبأم أيوبيه لو ما اشتكيتني) فأسرع الشاكي للأرباب بغرض تأديبه باعتبار انه شتمه وشتم الناظر. تم استدعاء الطرفين لمحكمة بربر القروية ولم ينكر المتهم قولته أمام المحكمة. فنظر الأرباب للشاكي مبتسما وموجهاً إليه الحديث ( أنا يا فلان فعلة أمي عفيتها اها فعلة أمك رايك فيها شنو) فرد عليه الشاكي ضاحكاً علي بالطلاق وكت فعلة أمك عفيتها يا أرباب أنا كمان فعلة أمي عفيتها، ضحكت المحكمة والحضور، خرجا متصالحين ومتسامحين.
هكذا كان النظار قمة فى التسامح والعفو.
لماذا جعلت رد فعلك تجاه حديث وجدي
السياسي تهديداً بـ(طي الأرض)
ولم يكن كرد فعل الأرباب الناظر تسامحاً لفعل مس شرفه فكانت الحكمة والعفو
والدرس.

لابد من أن نتمعن فى إرث كبارنا النظار حفاظاً على مورثاتهم من القيم والأخلاق السودانية السمحة والأصيلة لكي تتناقلها وتتوارثها الأجيال.

مع فائق التقدير والاحترام لك أخي الناظر.

بشرى الصائم

الوسوم

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إغلاق