أخبار وتقاريرحوارات وتحقيقات

التسوية فوق طاولة التشريح

عبدالله رزق أبوسيمازة:

تبدو التسوية كمشروع سياسي يستهدف تفكيك الأزمة التي دخلتها البلاد منذ انقلاب 25 أكتوبر 2021، راجحة ووشيكة وهي تتقدم على حساب تأخر خيار إسقاط الانقلاب وتعثر تحقيقه نتيجة تشرذم قوى الثورة وانشغالها بالصراع بين مكوناتها وعجزها عن تحقيق وحدتها التي هى مفتاح نجاح العصيان المدني والإضراب العام كآلية مجربة لإسقاط الانقلاب، بجانب قصور التكتيكات التي اتبعتها الحركة الجماهيرية حتى الآن، ممثلة في المليونيات ومساراتها وسدرة منتهاها والتي يبدو أن النظام الانقلابي قد تمكن خلال عام مضى من تكييف نفسه معها.

لا يرتهن نجاح مشروع التسوية فقط على الدعم الخارجي من الرباعية بقيادة أمريكا وشركائها ومن نفوذ وثقل قيادتها الثلاثية الممثلة للأمم المتحدة والاتحاد الإفريقي وايغاد، كتعبير عن إرادة المجتمع الدولي حسب، وإنما على سند داخلي، هو الأساس ممثلا ابتداء بقسم من تحالف قوى الحرية والتغيير ظل ينخرط منذ حين من الوقت في مفاوضات مباشرة وغير مباشرة مع المكون الانقلابي برعاية الثلاثية، بلغت مراحل متقدمة من التفاهمات حول مشروع اتفاق إطاري ينتظر أن يحشد له توسيع أكبر القطاعات الشعبية بجانب العساكر ليكون اتفاقا نهائيا، فالتسوية تكسب من جرف قوى الثور ،لاسيما القوى المناهضة للانقلاب وهي تتوسل لذلك بالاستجابة الجزئية لمطالب الشارع. فقد أعلن اللواء (م) فضل الله برمة ناصر ، رئيس حزب الأمة القومي، أن المكون الانقلابي ينتظر ضمانات من المدنيين حتى يوقع على الاتفاق الإطاري وهو أمر قد يشكل عقبة كبيرة أمام التسوية، يصعب تجاوزها، إذا كان المقصود بتلك الضمانات تمكين العساكر المتهمين بارتكاب تجاوزات في ميدان حقوق الإنسان تصل لمستوى الجرائم ضد الانسانية، شهدتها البلاد خلال السنوات الثلاث المنصرمة.

إذ أن الإفلات من العقاب يتعارض مع مطالب الشارع فضلا عن إهداره قيمة العدالة كهدف وشعار من شعارات الثورة.
من الممكن التقرير بأن مشروع التسوية الجارية الآن قد أصبح الحدث الأهم في المشهد السياسي والذي سيعيد تشكيله على أساس من الفرز والاستقطاب والاستقطاب المضاد.
ويراهن القائمون على أمر التسوية والتي تبدو من ملامحها الأولية كمشروع للتمكين الانقلابي بواجهة شراكة جديدة مع مدنيين تدعمه قوى إقليمية ودولية تجد مصلحتها في إقصاء القوى الديموقراطية والتحالف مع ماتعتبره قوى اعتدال وتوسط، على إحداث انقسام وسط القوى المناهضة للانقلاب وكسب قسم منها لصالح خط التسوية، وهو ماسيؤدي إلى إضعاف هذه القوى فوق ما تعانيه من ضعف.
وفي إشارة لحالة التصدع التي بدأت تعتمل في معسكر قوى الثورة، لاحظ تقرير لراديو دبنقا، أن بعض لجان المقاومة بولاية الخرطوم، أعلنت رفضها لمشروع التسوية، فيما امتنعت أخرى عن التعليق على المشروع ،حتى الآن.

وأشار التقرير إلى لجان بدارفور رهنت موقفها من التسوية بمدى تمثيلها للشارع واستجابتها لمطالبه والتي يتقدمها مطلب العدالة والحكم المدني وتفكيك التمكين والسلام.

ويمكن تلمس تماهي قسم من الرأي العام مع هذا المنحى من التأييد المشروط للتسوية بديلا للانتظار غير المحدد بأجل ، لوعد إسقاط النظام، والذي يعادل-في نظر البعض-تمديداً لعمر الانقلاب.
في هذا الإطار يواجه تحالف قوى الحرية والتغيير تحدي مناهضة التسوية والحفاظ في ذات الوقت على وحدته كنواة للجبهة الشعبية العريضة لإسقاط النظام الانقلابي واستعادة مسار الانتقال الديمقراطي.

 

الوسوم

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إغلاق