مقالات

حميدتي.. التحالف مع الحرية والتغيير والتخلي عن الحلفاء

سبت أخضر

بقلم/ سيف الدين محمد أحمد أبونورة:

ظلت الإدارة الأهلية في السودان تلعب أدواراً عظيمة في ربط النسيج الاجتماعي وحلحلة المشاكل والمشاركة في كل مايهم البلاد.
ما دعاني لهذا التحليل، تعبير ساخر من صديقي قال عندما تردد بأن مك الجموعية أعاد (البوكس) للقائد حميدتي، قال: “أصلا  استلمو ليه”؟، وبمعنى
أشمل فهو يقول بأن المك وغيره من الزعماء قد أخطأوا عندما تسلموا (البكاسي).
فجادلته مدافعاً عن المك الذي لاتربطني به أية صلة ولا حتى معرفة، وذكرت له أن القضية ليست (بوكس) أو مغنم والرجل تحدث عن ثوابت تتمثل الدين والوطن والحقوق عامة، فحصرها في (بوكس) اختزال للفكرة.
والطرىقة الشجاعة التي تحدث عنها وبها المك في مخاطبة القائد “بأنك لم تقم بالمطلوب المتمثل في كيفية إدارة وحكم الدولة السودانية، خاصة وأن السيد النائب ظل موجهاً الإدارة الأهلية ومحرضا لها ضد الحرية والتغيير، وطالبا التأييد للانقلاب عليها وها هو يؤيد اتفاقها الإطاري – الحرية والتغيير- تاركاً من تحالفوا معه ضدها
(في النقعة) كما يقول، وهذا مأزق سياسي ويعتبر صورة  من صور عدم الوفاء بالعهود والمواثيق.
فإذا أخذنا (البوكس) كعنوان للمغانم فكل رجال الإدارة الأهلية لا يأخذون مثل هذه المطايا
وحتى الذين يستلمون، فإن ما يقومون به من واجب تجاه مجتمعاتهم والدولة عامة أكبر من ذلك بكثير، فهم يعملون ليلا ونهارا، صيفا وشتاءا بلا كلل أو ملل لا راحة أو إجازة  بتجرد ودون مرتب أو ميزانية أي من الناحية المادية أهل خسارة وليس ربحا.
وحتى عندما اتجه بعضهم نحو القائد حميدتي
جاءوا بعاطفة ومشاعر الوطن باعتباره الرجل الثاني في هرم السلطة في الدولة ويمسك بملفات
مهمة، وكان غرضهم التعاون والتعامل معه من أجل البلد عامة وخدمة مناطقهم، وهو كذلك سعى لهم ولكسب ودهم والتعاطي معهم للاستفادة القصوى من موارد مناطقهم وكذلك شعبيتهم كحاضنة لمشروعه السياسي المبني على المال وقوة السلاح للمحافظة على امبراطوريته والوصول لحلمه الرئيس وهو حكم السودان دون فكرة أو اعتبار.

بعد هذا السعي كله لم تستجب إدارات أهلية شامخة كالجعليين والشايقية وأغلب قبائل الشمال، وحتى الذين ظهروا معه هم يمثلون أنفسهم ونطاقهم الضيق المصنوع خصيصاً من أجل (تكبير الكوم) والرقص في ساحة المسرحيات الممولة.
أما قبائل الوسط فشأنها أقرب إلى قبائل الشمال وهي امتداد طبيعي لها تربطها المصاهرات والثقافة والتاريخ المشترك .
وبالنسبة لكردفان الكبرى فمكون النوبة رأيه واضح والقبائل العربية تتململ وفي ذاكرتها اهتمام وخدمات وانجازات مولانا هارون.
فلا أظن القائد يفكر قط في صناعة بعض ما قام به هارون.

أما عن شقيقتها دارفور، فما جرى وما يجري لا يترك أي مجال للاستقرار ما بالك التحالفات التي تعتبر هنالك مستحيلة والجروح غائرة
ولا تحتاج لمن ينكأها أو يؤجج نيرانها المؤججة ويصعب عليه فيها حتى الحياة الطبيعية.

في شرقنا الحبيب الممتد الذي يشمل أرض الآباء والأجداد يتظاهر الاخ القائد بأنه مهتم بقضايا
ومناطق نفوذه وقد كتبنا في مرات سابقة عن تدخلاته التي تزيد وتعقد المشهد، فمطالب الشرق تتقاطع تماما مع مطامعه التي لا تتأتى إلا
بتفرقهم (ناطقين بداويت وناطقين تقري) كما حدث في دارفور من تصنيفات قسمتها إلى (عرب وزرقة) وبعدها جاءت الطامة الكبرى التي قضت على الأخضر واليابس.
مشاكل الشرق لم تكن تاريخيا قضية داخلية
جهوية وإنما كانت وما زالت مع المركز
فهي قضية مطلبية كلية، والآن واقع الشرق مؤلم ولم يتمكن حميدتي نفسه من السيطرة عليه، ففي البداية دعم الناظر ترك ليعمل معه ضد (قحت) ومن ثم يصبح جزءا من حاضنته وقياديا في حزبه المقترح، فقد كان الدعم بشتى الأشكال، وعندما تقاطعت المصالح بين الرجلين، هاهو النائب يساعد في تقسيم نظارة ترك.
أما في (البني عامر) المترابطة أصبحت هناك
نظارتان (تاريخية ومتحدة) وبسبب ذلك أصبح الناظر دقلل، يتخذ مواقفا تفسر أنه بعيد من حميدتي وقريب من نظرائه في الشكرية والرشايدة وباقي القبائل ذات الموقف الثابت
مع ترك ومجموعة البرهان، فهذه القبائل لها أولادها من السياسيين الذين قدموا
مثال أيلا، إبراهيم محمود، الأمين داؤود والقائمة تطول، هل علاقاتهم مع مجتمعاتهم
مقطوعة؟.

كل هذه القبائل التي تحدثنا عنها من خلال ارتباطنا بقضايا الشرق والشمال والسودان
عامة أما قصة أهلي في عموم الكواهلة والتي من
ضمنها قبيلتنا (العبابدة) والذين في مجملهم يعتبرون من أكبر القبائل في السودان، حيث كنا
منذ أيام (المرحومة الإنقاذ) ننصححهم بأن هذا النظام سينتهي و(ستخرجون من
المولد بلا حمص) وساعتها ستتكشف لكم سوءات المؤتمر الوطني وتصبحوا على ما فعلتم نادمين ويحسب عليكم شره، وعلى الرغم من أنكم مظلومين ستنقلب الآية وينظر لكم ظالمين في
الظهور في مسرح الجريمة.
وعندما ظهر القائد حميدتي في مشهد قيادة الدولة ذكرناهم بأن الرجل هو من تلك المدرسة
التي نجح فيها و(فات الكبار والقدرو)
وعليكم ألا تكرروا التجربة والسودان الجديد بشكله الصحيح لا يعني الكفر، وحركات التحرر تناضل من أجل مطالب وليست عنصرية وعليكم الانفتاح والاهتمام بما يحقق مطالبكم ويخدم قضاياكم ويستعيد حقوقكم، فمشاكل المجتمعات إن لم تتطابق فإنها تتشابه إلى حد كبير.

سنرجئ الحديث عما جرى لأهلنا الكواهلة من تقسيم وتشظي، والعبابدة والأساليب التي
اتُبعت معهم والتي ربما لا يصدق القارئ أنها حدثت من القائد وشقيقه، عموما الأمر
يحتاج إلى مساحة أكبر وتفاصيل أكثر وسنوافيكم بها إن شاء الله في المقال القادم.

نعود ونقول إن السودان القديم مترابط ومتماسك
مهما حدث من تشويش وتصنيف، والإدارة الأهلية فيه واعية ومجربة وإن أخطأت تعرف كيفية التراجع فالفرق واضح بين تصريح ناظر الرزيقات ود مادبو عندما قال حميدتي خط أحمر وبين
حديث مك الجموعية عجيب، فالأول يحذر والحذر هو حالة من حالات التخوف من المتوقع أو الواقع أصلاً، ففي هذا الوضع قصة تعني ابن
الرزيقات وما أدراك ما مصالح الرزيقات وهنا خطر
ببالي سؤال: أليس موسى هلال
من الرزيقات؟  أما الثاني أو المك عجيب فحديثه تعبير صادق عن حال كل القبائل التي تعاملت مع حميدتي وهو عنوان للانفضاض والابتعاد.
نهمس في أُذن الأخ النائب: ما هكذا تورد الإبل،
فاعتقاد أن قبائل الشرق تقاد بسهولة خاطئ، فالمربع الانجليزي يشهد والحديث عن أن (الجلابة فلول وماعندهم سلاح)، لم يعد مجدياً لأن سلاحهم لم يُوجه إلا لغردون وهكس والباشا، فسلاحهم الحقيقي والأصلي هو الوعي وحسن التعامل.
القيادة تحتاج إلى مساعدين ومستشارين أكفاء ومراكز دراسات لمعرفة طبيعة التعامل مع المجتمعات المختلفة ، حيث يجب دراسة القرارات ومآلاتها والاحتمالات التي قد تترتب عليها قبل صدورها، وليس إصدار أوامر وقرارات على الهواء وترك أمر تنفيذها للصدفة والظروف.

ولنا عودة..

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إغلاق