مقالات
متى يكون للحياد قيمة ومعنى؟!
بقلم/ الصادق برانقو:
عندما اندلعت ثورات التحرر الوطني في السودان منذ فجر الاستقلال كانت هناك ثوابت ومرتكزات بعضها قضايا سياسية أو مطلبية عادلة لكل مجموعة تنادي بها وعملت في سبيل تحقيقها وبذل الغالي والنفيس من المجهود بما في ذلك الارواح دون ذلك إنفاق الأموال ومعاناة الاحراش والادغال الوعرة والغربه المريرة.
مع بزوغ فجر ثورة حركة/جيش تحرير السودان تجمع المتطوعون للانخراط في صفوفها غالبيتهم كانوا يجيدون إستخدام السلاح ومع ذلك فتحت معسكرات للتدريب لتعليم بعض التكتيكات والقيامات وغرص القيم من بينها عدم الاعتداء على المواطن (ماله عرضه) والشاهد علي ذلك ضبط وربط الثوار بما كانوا يسمونهم بالتوربورا (المتمردين) وان الهدف المسموح به هو تدمير مراكز القوات النظامية وارتكازاته والتزود من المخازن بالامدادات من (السلاح _الذخيرة_ المؤن الدواء السيارات القتالية) ويشهد على ذلك المواطنون الذين كانوا حضورا أثناء مهاجمة قوات الحركة لإحدى المدن حيث لا أحد ينهب أو يسلب حق مواطن مهما كان انتماءه (قبلي سياسي جغرافي ) طيلة سنين الحرب ما يقارب العشرين عاما.
ولكن المدهش في الأمر أن الحرب الدائرة بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع التي تمردت عليها يوم ١٥ أبريل، والتي رفعت شعارات مناصره ثورة ديسمبر المجيدة وحرصها على تحقيق التحول الديمقراطي المدني ومحاكمه الكيزان، أخلت بالكثير من قوانين وأعراف الحرب التي من بينها عدم المساس بالمواطن عرضه وممتلكاته، ولطالما الصراع حول السلطة التي مركزها الخرطوم، وهي التي كانت جزءا منها سياسيا وعسكريا بإدارة قائدها والإشراف على ملفات مهمة مثل السلام، الذي تمخض عنه إتفاق جوبا لسلام السودان الذي كان شخصي شاهدا وجزءا منه من التفاوض حتى التوقيع، بصفته نائبا لرئيس مجلس السيادة الإنتقالي، وعسكريا بحمايته لكل مرافق الدولة الحيوية والاستراتيجية وكل ولايات السودان مع إعطاء صلاحيات وسلطات واسعة تفوق كل وحدات القوات النظامية الأخرى.
ومن المفارقات أن هذه القوات لم تدخل الخرطوم غازية كما فعلتها العدل والمساواة بقياده الشهيد خليل إبراهيم، أو حركة يوليو ١٩٧٦ بقياده العميد محمد نور سعد رحمه الله، ولم تخرج طلقتها الأولى من إحدى القري والبوادي معلنةً تمردها مثل (SLA) بل بدأ التمرد رسميا عندما حركت مدرعاتها من الفاشر قبل أسبوع من بداية المعركه والتوجه للاستيلاء على مطار مروي بثلاثة أيام قبلها، وليس صحيحا بما يحاك من أن الحرب بدأها الاسلاميون داخل الجيش في المدينة الرياضية صبيحة السبت ١٥ أبريل بل ذاك الموعد كان ساعة الصفر لإعلان الإنقلاب وإذاعة بيانه، وإيداع قاده القوات المسلحة في السجون وما تم من اعتقالات لضباط الجيش صباح السبت يؤكد ذلك، ولا أعيب عليهم في ذلك لأن الانقلابات العسكرية أصبحت ثقافة سودانية داخل قواتنا المسلحة والنماذج كثيرة يجب إصلاحها وخروجها من ممارسة السياسة.
ما أدين به هذه القوات المتمردة ارتكابها للجرائم ضد الإنسانية من قتل ونهب وسلب ممتلكات المواطنين العزل واغتصاب النساء والتصفية العرقية لمكونات إجتماعية بعينها، واستهداف منازل قادتهم أسرهم ومدنهم مثل الجنينة- زالنجي- طويلة -كتم -كبكابية -مورني-كاس وبالامس القريب منطقة سربا الواقعة في غرب دارفور، السؤال الذي يتبادر في الاذهان لماذا يتم الاعتداء على تلك المناطق النائية التى تبعد عن الخرطوم آلاف الكيلومترات مركز الحكم والقرار والتي لا تعرف بعض مواطنيها رئيس مجلس السيادة ناهيك عن رؤساء أحزاب وحركات الإطاري وحاضنتهم السياسية (قحت) ،التي يدافع عنها الجنجويد.
والإجابة عن هذا السؤال هو بعد هذه المليشيات عن كل ما ادعوه من شعارات جوفاء ويعملون بكل جد في الاستمرار بإستخدام القتل والتهجير (سياسة الأرض المحروقة) لاستيطان الوافدين والاستحواذ على الحكم بقوة السلاح وموارد مافي باطن الأرض وفي ذلك تنفيذ أجندة دول عظمى.
متى يكون للحياد قيمة ومعنى؟ ، عندما تركز هذه القوة في صراعها ضد الجيش والكيزان داخل الجيش وخارجه ،كما يزعمون بعيدا عن المواطن وممتلكاته العامة والخاصة حينها يكون للحياد معنى، عندما لا تغتصب النساء ولا تحرق القرى ولا يقتل مواطن على أساس انتماءه القبلي أو الجغرافي عندما تقاتل نفس قوات الدعم السريع من هم أبناء لهذا الوطن والشعب بعيدا عن الفزع من مالي والنيجر وتشاد وأفريقيا الوسطي ونيجيريا ومورتانيا دول (غرب افريقيا) ، عندما لا تسكن بيوت المواطنين، عندما لا يطلق لفظ العمباي لمواطن بسيط من أقاصي الغرب لاختلافه معهم إثنيا، عندما لا يقتل مواطن بذريعة مليشيات مسلحة مجهولة، عندما لا ترصد تحركات أطراف السلام وايقاعهم في كمين مدبر وحصد أرواح خيرة المناضلين (كولقي نموذجاً) ،عندما لا يمنع حامل سلاح مزارع بسيط من حرث مزرعته أو إجباره لدفع ضريبة على حياته اليومية، عندما لا تدخل الماشية في الزرع والجناين واتلافها، عندما تحاكم تلك القوات قادتها وجنودها الذين اجرموا، عندما تلتزم بما يقوله وتتزن بما يفعله، حينها لن نصبح محايدين بل ننضم إليها لمحاربة الكيزان والاتيان بالديمقراطية وترسيخ مبادئ الحكم الرشيد.
دون ذلك يصبح الدعم السريع مسؤولا عن كل الانتهاكات وحق الدفاع بكل السبل والوسائل مكفول وواجب وطني مقدس، ومفروض على الجميع دون دفن الذقون في الرمال بعيدا عن الحياد الناتج أما لمصلحة آنية أومستقبلية (دبيب في خشموا جرداي ولا بعضي) ، أو لخوف مثل بعض القادة والنشطاء الذين احرقت مناطقهم وشرد اهلهم وسكنت منازلهم ولم يدينوا سلوك وممارسات الجنجويد في صفحاتهم الإلكترونية ناهيك عن بيانات الإدانة أو لأجل كسب لقمة العيش كما يدور في أحياء الخرطوم بمدنها الثلاث وسوف تنتصر العدالة على الظلم والاستبداد مهما تطاول الزمان.
الجمعة 28/7/2023