مقالات

مستشارو ميليشيا الجنجويد.. الحرب خدعة وليست كذباً وبدعة

حـدود المنطـق

إسماعيل جبريل تيسو:

قضية أن الحرب خدعة، مبدأٌ أقرته مبادئ وتعاليم ديننا الإسلامي الذي أجاز انتهاج الخديعة في الحرب من خلال التزام حيل وتكتيكات وخطط واستراتيجيات تحقق لجيش المسلمين الانتصار في معاركه وغزواته التي كانت تدور رحاها مع الكفار، سواءاً كان ذلك في صدر الإسلام مع قريش واليهود، أو فيما بعد خلال المعارك التوسعية والفتوحات التي خاضها المسلمون لنشر الدين الحنيف في بلاد الفرس وبيزنطة وأوروبا وأفريقيا وغيرها.

قطعاً إن التزام الخدعة في الحرب لا يعني انتهاج الكذب وممارسة الأباطيل ونشر التُرَّهات، والتزام الخدعة في الحرب لا يعني نقض العهود والنكوص عن المواثيق في حال التوصل إلى هدن واتفاقيات لتمرير المساعدات وإجلاء المتأثرين بتداعيات الحرب من نساء وأطفال وعجزة ومسنين،، والتزام الخدعة في الحرب لا يعني الارتهان إلى حدود الغدر والخيانة والتغرير وهي أساليب حرمها الإسلام ومنعتها جميع الكتب والتعاليم السماوية.

إن المتتبع لمشهد الحرب العنيفة في السودان والتي اندلعت بين القوات المسلحة السودانية وميليشيا الدعم السريع صبيحة الخامس عشر من أبريل 2023م، يلحظ منذ الوهلة الأولى وقوع الميليشيا المتمردة في براثن الكذب والتضليل ومستنقع البدع والأباطيل.

ففي ظهوره الأول على شاشة الفضائيات أعلن قائد ميليشيا الدعم السريع محمد حمدان دقلو أنه يدافع عن الديمقراطية في حربه ضد ما اسماهم فلول الكيزان في الجيش السوداني، ولكن سرعان ما فضحت ممارسات قواته هذه الفرية بلجوء ميليشيا الجنجويد إلى قتل المواطنين وتقتيلهم واستباحة منازلهم ونهب ممتلكاتهم واغتصاب النساء واحتلال المستشفيات والمرافق الخدمية، الأمر الذي دفع قائد الدعم السريع لاحقاً إلى تشكيل لجنة للتحقيق في هذه الانتهاكات والفظائع التي ارتكبتها قواته.

وبعيداً عن ساحات الحرب وميادين القتال، مارس مستشارو قائد ميليشيا الدعم السريع أنواعاً وفنوناً مضحكة ومدهشة من الكذب والتزييف على رؤوس الأشهاد، مستفيدين من فرص كبيرة منحتها لهم بعض القنوات الفضائية العالمية على طبق من ذهب، كان يمكن استثمارها لصالح دعم وإسناد الميلشيا ورفع روحها المعنوية، ولكنهم استغلوا ظهورهم الإعلامي للتضليل ونشر الأباطيل وتكذيب الحقائق التي تتحدث عن نفسها في الانتهاكات التي وثقتها الميليشيا نفسها من خلال فيديوهات ظلت تنشرها على وسائط التواصل الاجتماعي والمواقع الإسفيرية والمنصات الإلكترونية.

حزمة الأكاذيب وتزييف حقيقة الواقع التي مارسها مستشارو قائد ميليشيا الدعم السريع، ربما أدخلت هذه القنوات الفضائية في حرج شديد مع الشعب السوداني وخاصة أؤلئك الذين أخرجتهم ميليشيا الدعم السريع من بيوتهم ونهبتها واغتصبت وقتلت وفعلت فظائع وانتهاكات يندى لها الجبين.

ولعلنا لاحظنا اشمئزاز الكثير من المذيعين ومقدمي البرامج في بعض هذه القنوات الفضائية العالمية وتصديهم إلى أكاذيب مستشاري قائد ميليشيا الجنجويد، باستدعاء وقائع نشرتها منصات التواصل الاجتماعي، ولكن بدلاً من أن يرعوي هؤلاء المستشارون ويحفظوا ماء الوجه، دخلوا في مغالطات ودافعوا عن حيثياتهم بحجج واهية، كيف لا وقد أدمن هؤلاء الكذب، حتى كُتبوا عند عامة الشعب السوداني كذابين، وإذا لم تستحِ فاصنع وقل ما شئت.

لقد قوبلت الفظائع وانتهاكات حقوق الإنسان التي ارتكبتها ميليشيا الدعم السريع، بإدانات واسعة من قبل المجتمع الدولي، وفي مقدمتها الولايات المتحدة الأمريكية، والمفوضية السامية لحقوق الإنسان، ومنظمة العفو الدولية، والمحكة الجنائية الدولية التي فتحت تحقيقاً في الانتهاكات التي جرت في دارفور، وأدانت جرائم الجنجويد حتى بعثة الأمم المتحدة في السودان والتي كان يرأسها فولكر بريست أحد المغضوب عليهم من قبل الجيش السوداني، ورغم كل هذه الإدانات الدولية لجرائم الجنجويد، ولكن لا حياة لمن تنادي! فقد ظلت وتيرة الكذب والنفاق تتصاعد وتندلق من أفواه مستشاري قائد ميليشيا الدعم السريع المتمردة، الذين استمروا في الصعود على هاوية الكذب، ولكن سرعان ما سقطوا جميعاً أمام حادثة اغتيال والي غرب دارفور الجنرال خميس عبد الله أبكر، أحد أبرز المؤمنين والداعمين لمشروع (الاتفاق الإطاري ).

تم اغتيال الوالي على يد مليشيا الدعم السريع بحضور قائد هذه الميليشيا في ولاية غرب دارفور اللواء عبد الرحمن جمعة الذي كان آخر ظهور للوالي المغدور في معيته وهو في طريقه من إلى مصيره المحتوم وذلك تحت أنظار وتوثيق الكاميرات، ولكن ذلك الحادث الفاجع وما سبقه من حوادث التطهير العرقي في مدينة الجنينة، لم يحرك ساكناً في نفوس مستشاري قائد ميليشيا الجنجويد الذين استمروا في نهجهم القائم على الاختلاق والتلفيق.

ولم يفقْ مستشارو قائد ميليشيا الجنجويد من سكرتهم إلا عندما أعلن محمد حمدان دقلو عن تشكيل لجنة ميدانية للتحقيق في الانتهاكات التي ارتكبتها قواته في حق المدنيين، ليسقط في يدي بعض هؤلاء المستشارين وفي مقدمتهم يوسف عزت والذي يعد أكثر مستشاري حميدتي ظهوراً على القنوات والمنتديات والمحافل، فأعلن اتهامه صراحة لما وصفهم بالمنفلتين من قبيلة المسيرية التي تقاتل ضمن صفوف ميليشيا الدعم السريع بارتكاب انتهاكات وجرائم إنسانية لكونهم لا ينصاعون للأوامر ولا يتّبعون التعليمات العسكرية.

إن واقع الحال وقرائن الأحوال تؤكد بما لا يدع مجالاً للشك أن جميع منسوبي ميليشيا الدعم السريع منفلتون ويتحركون وفق أهوائهم ورغباتهم الشخصية خاصة بعد أن فقدوا بوصلة القيادة بمقتل أو هروب أو أسر معظم قادتهم الميدانيين، لتنفتح أبواب الهروب مشرعة أمام أغلبية منسوبي ميليشيا الدعم السريع ليفروا بالأموال والممتلكات التي نهبوها من المواطنين، ومن لم يهرب منهم استمرأ الجلوس في بيوت المواطنين، ومنهم من ذهب أبعد من ذلك باستغلال الفرصة وممارسة أبشع أنواع الاستفزاز بإقامة مراسم الزواج وحفلات الأعراس في منازل وبيوت المواطنين الذين هُجّروا ونزحوا وأخرجوا من ديارهم بغير حق.

إن الفظائع والأفعال التي ارتكبتها ومازالت ترتكبها ميليشيا الدعم السريع في الخرطوم ودارفور، إنما تمثل بحسب مراقبين انتهاكات صارخة لقوانين الحرب وأعرافها من خلال قتل المدنيين و إساءة معاملتهم ونهب ممتلكاتهم وتهجيرهم القسري، وقتل الأسرى، وإساءة معاملتهم، هذا فضلاً عن التدمير الممنهج للبنيات التحتية وحرق الأسواق والمؤسسات والمصانع.

لقد ارتكبت ميليشيا الدعم السريع جرائم إبادة جماعية وتطهير عرقي في مدينة الجنينة ومارست أفعالاً وفظائع لم تفعلها أي جماعات في تأريخ النزاعات والحروب بما في ذلك المغول الذين كانوا قد استباحوا بغداد ومارسوا فيها القتل والنهب والتدمير لمدة 40 يوما، ولعمري إن فرائص المغول لترتعد أمام ما فعلته ميليشيا الجنجويد في الخرطوم ودارفور، فمالكم كيف تحكمون.

الوسوم

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إغلاق