مقالات

زفة المولد.. سطعت شمس الحق

د.معاوية عبيد:

كانت كلمات الفنانة جوليا بطرس ورفيقاتها من اقوى الكلمات التي ترسم لنا قوة و صلابة الشعوب وتمسكها بعقيدتها ومبادئها فجاءت كلماتها رصينة حزينة لكنها قوية.
غابت شمس الحق وصار الفجر غروب
وصدر الشرق انشق تسكرت الدروب
بنرفض نحنا نموت قولوا لهن رح نبقى
ارضك والبيوت والشعب اللي بيشقى
هو النا يا جنوب يا حبيبي يا جنوب
كلهن يا جنوب باعوك الكلام
والعدل مصلوب عم ينزف السلام
شو همنا الحروب
رح نبقى نحن هون ويفنى كل الكون
ولا ينقص حبة بترابك يا جنوب
غابت شمس حق السودان عندما غابت العدالة في زمن القحت و صارت الخرطوم جثث هامدة في زمن الجنجويد و غابت معها كل الموروثات لكن كانت أرواح السودانيين صامدة صمود المدرعات فنقلوا افراحهم و اهازيجهم معهم حيث حلوا ، وادوا طقوسهم الدينية فرضا فرضا لم تنقص منه شيئا احتفلوا بعيد الفطر ووقفوا بعرفات وطاف منهم من طاف ملبيا لنداء رب البيت و نحروا ضحاياهم رغم الجراح و رغم الضحايا البريئة التي ازهقتها المرتزقة في الخرطوم و في دار فور .
غابت شمس الحق و غابت زفة المولد في حوارى و ازقة ام در ونامت ام در حزينة عندما غابت عنها زفة المولد لاول مره منذ ما يقارب ال 125 عام بسبب الحرب التي أرادت ان تصادر تاريخنا وحاضرنا و ذاكرتنا ، بعد أن شهدت ام درمان الجميلة نزوح اغلب سكانها واهالها واحبابها و امتلأت ساحات مولد حوش الخليفة و السجانة بجثث المرتزقة ، ( و لكن الله متم نوره ولو كره الكافرون ) .

رغم هذه الاحداث الجسام التي المت بالشعب السوداني فقد سطعت شمس الحق في نفوسهم وسطعت الانوار المحمدية احتفالا بمولده في ساحات أخر ، فانتظمت زفة المولد بقية مدن السودان و السجادات و البيوتات الصوفيه فرحا بمولوده وحبا فيه وتعظيما له ، كيف لا و الشعب السوداني من أكثر الشعوب محبة لرسولنا الكريم صلوات ربي وسلامه عليه ، وهم يرددون قول الشاعر :
إنى شربت الحب من نبع الهوى
وجعلت حب المصطفى ترياق
يا تاج رسل الله إنى هائم
والقلب يحكى لوعة المشتاق
فمتى تصير الروح عند مقامكم
لتطيب نفسى بعد طول فراقى
ها هي دامر المجذوب مادح رسول الله قد أشرقت جنباتها بزفة المولد كما أشرقت جنبات مكة المكرمة بولادته ، خرج اهل دامر المجذوب و معهم اهالي الخرطوم الجريحة ، خرجوا في حلة زاهية رسمتها بيارق الطرق الصوفية و اصوات المداح و فرحة الصغار كما جادت قريحة شاعرها :
في جموعِ تلتقي في كلِّ عام
والخيـام
قد تبرّجن وأعلنَّ القيام
وهنا حلقةُ شيخِ يرجحِـنُّ
يضرب النوبة ضرباً
فتئـنُّ وتـرنُّ
ثم ترفضُّ هديـراً أو تـُجـَنُّ
وحواليـها طبولُ
صارخاتِ في الغـُبارِ
حولها الحلقة
ماجت في مـدارِ
نفـذت ملأ الليالي
تحت راياتِ طوالِ
كسـفينِ ذي سـواري
في عبابِ كالجبالِ
بجلابيـبَ تـدورُ… وتـدورُ
وفتي ًفي حلقةِ الطـار
تثـنـّي وتأنـّي … وبيـمناهُ عصاهُ تـتحنـّي
لعِبـاً حرّكهُ المـدّاحُ غـَنـَّي
راجعِ الخـطوِ بطـارِ رجـّع الشـوق َ وحنـَّـا
خرج اهل الدامر في زفة مولده فرحا بالرحمة المهداة ، خرجوا حتي تتنزل عليهم الرحمات في هذه الايام العصيبات التي تمر علي الامة الاسلامية ، خرجوا و هم يقرؤن قوله تعالي : { لَقَدْ جَآءَكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَّحِيمٌ ) .
نعم هو رحمة للعالمين ، كما ذكر الحافظ الدمشقي في كتابه الشهير “مورد الصادي في مولد الهادي” حيث يقول : ( إن أبي لهب يخفف عنه العذاب في كل يوم إثنين لفرحته بمولد رسول الله صلى الله فيُخرج كل يوم إثنين من أعماق الجحيم إلى ضحضاح من النار يغلي منه يأفوخه وذلك لفرحه بمولد النبي صلى الله وعتقه جاريته ثويبة التي بشرته بولد اخيه عبد الله ، فإذا كان هـذا كافرًا وهو الذي جاء ذمـه في القرآن وتبت يـداه في الجحـيم مخـلدًا في النار ولكنه يخفف عنه العذاب في كل يـوم إثنين لسـروره بمولد أحــمدا ، فما الظن بالعبد الذي طول عمره بأحمدا مسرورا ) .

هل علينا شهر ربيع شهر ميلاده صلوات ربي وسلامه عليه ، وبمولده انطفأت نار فارس و انطوي ايوان كسري و قيصر وفاضت بحيرة ساوه( طبرية ) وتباشرت الوحوش مع بعضها البعض ، وبميلاده سطع منه نور اضاءت له قصور الشام ، وقد كان مولده بحق ميلاد أمة بكل ماتحمل هذه الكلمة من معاني وسعدت البشرية ، خرجت زفة المولد بدامر المجذوب و الكل يدعو انت تحل عليهم البشريات و الانتصارات ، و ان تغفر الذلات و تنطفئ نار الحرب
كما انطفأت نار فارس و أن يعم السلام و يعود الناس الي ديارهم ، خرجت الزفة بقدوم شهر مولده وهم يرددون قول الشاعر محمد المهدى المجذوب :
صلي ياربي علي المدثرِ
وتجاوز عن ذنوبي وأغفرِ
وأعنـِّي يا إلهي بمثابِ أكبرِ
فزماني ولِعُ بالمنكرِ
درج الناس على غير الهدى
وتعادوا شهوات
وتمادوا
لا يبالون وقد عاشوا الردى
جنحوا للسلم أم ضاعوا سُدى

أيكون الخير في الشر انطوى
والقوى
خرجت من ذرة
هي حبلى بالعدم؟
أتراها تقتل الحرب وتنجو بالسلم؟
ويكون الضعف كالقوة حقا وذماما
سوف ترعاه الامم
وتعود الأرض حبا وابتساما

الوسوم

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً

إغلاق
إغلاق