مقالات

الإمارات العربية وأوهام القوة

بقلم/ خالد هاشم خلف الله:

Kld.hashim@gmail.com

مثلت التصريحات التى أطلقها الفريق أول ياسر العطا مساعد القائد العام للقوات المسلحة السودانية عن دور دولة الأمارات العربية فى تسعير نيران الحرب المشتعلة فى البلاد منذ منتصف أبريل الماضى التى فجرها تمرد قوات الدعم السريع وطمع قائدها مجهول المصير محمد حمدان دقلو فى الاستيلاء على السلطة عبر عملية عسكرية خاطفة يعقبها تعيين حكومة من الواجهة السياسية للتمرد ممثلة فى تحالف قوى الحرية والتغيير المجلس المركزى ( قحت ) وهو التدبير الذى أخفق بعد أن تمكنت القوات المسلحة من التصدى ببسالة لأولى موجات هجوم القوات المتمردة على مقر قائد الجيش ، كان الكثيرون ينتظرون خروج تصريح رسمى مثل الذى صرح به الفريق اول ياسر العطا عند زيارته لمقر قوات هيئة العمليات بمنطقة وأدى سيدنا العسكرية شمال أم درمان منتصف الاسبوع الماضى بعد أن تواترت العديد من التحقيقات الصحفية فى صحف عالمية مثل تحقيق صحيفة نيوريورك تايمز الذى نشرته فى يونيو الماضى عن شحنات الأسلحة التى ترسلها دولة الأمارات لقوات الدعم السريع عبر مطار ام جرس شرق تشاد مروراً بمطار عنتبى فى يوغندا حيث كشف رجال الجمارك فى هذا المطار أحدى شحنات الأسلحة المتوجهة لمطار أم جرس عند تحققهم عن طبيعة شحنة أحدى الطائرات القادمة من ابوظبى قبل أن تصلهم تعليمات من رؤسائهم بعدم تفتيش الطائرات القادمة من ابوظبى والمتوجهة الى تشاد .
وكان الدعم الأماراتى لتمرد قوات الدعم السريع متعدد الأوجه ووأضحاً على أكثر من صعيد مثل استضافتها للغرف الأعلامية المساندة والمروجة للعدوان الجنجويدى والمبررة لجرائمه ضد المواطنين السودانيين وكان وأضحاً ان الأمارات هى من تقف خلف الدعاية السياسية للتمرد القائلة بأنها تقاتل الأخونجية الذين يسيطرون على الجيش السودانى والأخونجية هو المصطلح الذى درجت على استخدامه وسائل الاعلام الأماراتية أو الممولة أماراتياً لوصف أعضاء جماعة الأخوان المسلمين فى الدول العربية التى فيها وجود لهذه الجماعة ، وربما بأيحاء من الجناح السياسى للمليشيا الجنجويد الحرية والتغيير المجلس المركزى ( قحت ) وكوادرها الأعلامية عمدت الحسابات الداعمة لمليشيا الجنجويد على منصة أكس ( تويتر سابقاً ) الى استخدام مصطلح الكيزان والفلول بدلاً عن الأخونجية لأنه المصطلح الذى يوصف به شعبياً فى السودان أعضاء الحركة الأسلامية الذين شكلوا العمود الفقرى لحكم الرئيس السابق عمر البشير ونظامه الأنقاذ رغم أن بعض وأجهات هذه الحسابات تضع فيها صور لشخصيات خليجية ومعظمها كانت حسابات حديثة الأنشاء بعد أندلاع الحرب فى 15 أبريل الماضى .
الأمارات العربية المتحدة دولة ناهضة وشديدة الثراء هذا مما لاشك فيه وقدمت نموذج ناجح فى تحقيق النهضة الأقتصادية عبر التوظيف الجيد لمداخليها من النفط مع تنويع مصادر دخلها ، لكن يبدو أن هذا الثراء قد حفزها للتطلع الى صناعة نفوذ خارج اراضيها وتوهم القدرة للتحول الى أمبراطورية يحسب حسابها وربما هو سعى لمغالبة العقدة الكامنة فى نفوس حكامها من أن طوال تاريخهم قبل الحماية البريطانية كانت أماراتهم مجرد مشيخات منضوية تحت جناح الأمبراطورية العمانية الممتدة من سواحل جوادر فى جنوب غرب باكستان الحالية الى سواحل شمال موزمبيق فى القارة الأفريقية ، ولكن هل يكفى الثراء لتصبح الأمارات أمبراطورية تسيطر على المؤانى فى سواحل القارات الاخرى وخاصة القارة الافريقية التى باتت هى الساحة الرئيسية للعبث وحالة الذهان الامبراطورى التى أصابت حكام مشيخة أبوظبى على وجه الخصوص ، فى وأقع الأمر لا تملك الأمارات أى معطيات تخول لها أنها تصبح قوة مؤثرة وحقيقية فهى كما ذكر الكاتب البحرينى عباس الجمرى فى مقال له على الموقع الالكترونى لقناة الميادين التى تبث من بيروت نشر مطلع شهر نوفمبر الماضى وحمل عنوان ” الأمارات بين وهم الدولة العظمى والثمل المالى ويشير الكاتب عباس الجمرى فى مقاله هذا الى فقدان الامارات للمعطيات الحقيقية التى تمكنها من تصبح دولة عظمى ” فهى دولة ليس لها القدرة على حماية نفسها وأراضيها تعج بالقواعد الأجنبية ففيها قواعد امريكية وأيطالية وفرنسية وهى دولة محدودة الجغرافيا ما يضيق تمكنها المريح من أمتصاص أى ضربات قد تتعرض لها وهذا ما ظهر جلياً حيت قصف الجيش اليمنى العمق الأماراتى وهدد بقصف مناطق حيوية فى دبى فكان رد فعل الأمارات سحب قواتها من اليمن – أنتهى الأقتباس ” . ومع كل ذلك الضعف البائن فى كل تلك المعطيات التى تخول دولة ما للتطلع لتصبح قوى عظمى تنعقد حواجب الدهشة حين ترى عظم التأثير الذى للأمارات فى الساحة السودانية لدرجة أغرتها بالسعى للتقرير فى مصير الدولة السودانية بل والسعى الى أستبدال شعبها بشعب أخر من الشتات العربى الهائم على وجهه فى كثبان رمال الصحراء الكبرى ولعل ذلك التأثير عائد الى أنها الأمارات تمكنت من شراء ذمم كيانات وشخصيات سياسية وأعلامية ومن مختلف التوجهات وأن غلب على معظمهم من أنهم من المناوئين للاسلاميين على مختلف أطيافهم .
كان يمكن للأمارات بدل أن تصبح مستودعاً لسلاح المليشيات على غرار ما فعل الزعيم الليبى الراحل القذافى ببلاده كان يمكن لها أن تنتهج على الأقل النهج الصينى فى خلق نفوذ ناعم لا يتدخل فى شؤون الدول الأخرى ولا يقف فى وجه تطلعات الشعوب ويساهم فى تحقيق نهضتها وتبادل المنافع مع دولها ، أن المدخل الصحيح فى تصفية النفوذ الأماراتى فى الساحة السودانية يجب أن الا يقف عند حدود التصريح بدورها المخرب والمؤذى بل يجب أن تتبع تلك التصريحات التى أطلقها الفريق أول ياسر العطا خطوات عملية تبدأ بطرد سفيرها لدى البلاد وقطع العلاقات الدبلوماسية معها وكشف كافة خيوط أدوارها المؤذية للبلاد وشعبها وفضح ومحاسبة الجماعات السياسية والشخصيات الأعلامية التى تقتات على الدرهم الأماراتى وتساند الأمارات فى سياستها المدمرة تجاه بلادنا.

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً

إغلاق
إغلاق