مقالات

بكائية تقدم

علي عسكوري:

اطلعت على الرؤية التى اصدرتها جماعة “تقدم” باسم: “عام من الحرب: رؤية لانهاء الحرب و اعادةةبناء الدولة السودانية”، الصادرة في اديس ابابا في ٤ ابريل ٢٠٢٤.

ليصدقنى القارىء فقد امتلأت عيناي بالدموع وانا اقراء هذه البكائية الرفيعة التى تصلح ان تكون من عيون ادب “البكائيات”. ولو كان في بلادنا موقع لتعليق البكائيات لرشحتها لتعلق على قمته.

والبكائيات غير الرثاء، فالرثاء يتعلق بذكر مناقب المتوفي، اما البكائيات فتتعلق ” بولولة” الباكي وانفطار قلبه من الحزن والاسي نتيجة للمصيبة.
ورغم ما احتوته البكائية من تزييف واضح – وهو امر مفهوم في ادب البكائيات- الا ان ذلك لا ينقص من قيمتها الادبية كباكائية راقية من طراز فريد!

والبكاء من غرائز النساء ولا ينقص ذلك منهن شيئا مثله مثل الامومة، فقد تبكي المرأة دون سبب واضح او مفهوم ولا تعير المرأة بالبكاء، بينما تستهجن اغلب المجتمعات (حتى الديمقراطية) بكاء الرجل لانه ليس من غرائزه الطبيعية. لذلك ارجح ان من كتب تلك البكائية احدى نساء “تقدم” و لاول مرة لم اجد بصمات عار مان فيها.
بدأت البكائية بحنو سافر على الشعب السودانى وما الت اليه احواله كحنو المرضعات على الفطيم رغم انهم الجناح السياسي للمليشيا التى ارتكبت كل تلك الجرائم في الشعب، فهم حقيقة يذرفون دموع التماسيح.
اما من فعل كل ذلك في الشعب – حسب بكائيتهم- فهو المؤتمر الوطنى وجيشه، كما بنت البكائية كل الجرائم التى وقعت للمجهول. و رغم انها تبكي على الشعب وما آلت اليه احواله، لكنها في ذات الوقت تستنكف ان تذكر اسم من ارتكب تلك الجرائم بالرغم من الادانات الدولية والتقارير الموثقة المنشورة. رغم كل ذلك تجد تقدم في نفسها قدرة علي التستر على من لم يعد التستر عليه ممكنا..! هذا التسترالذي اصبح مفضوحا هو سبب ” الولولة” التى اشرت اليها.
لقد افقدها تسترها على جرائم جناحها العسكري كل مصداقية ووجدت نفسها (مضبوبة) ضبة هرست ضلوع مصداقيتها وطحنتها وهي تستميت في محاولة التغطية والتستر على جرائم جناحها العسكري! وهل يصلح عطار البكائيات ما افسدته جرائم الجناح العسكري!

ما تزال تقدم تعيش في تيهها واوهامها القديمة ولا تزال تقف في محطة الاتفاق الاطاري وتتحدث عن الاغراق وتنصب من نفسها حكما على من يشارك في العملية السياسية ومن لا يشارك بالرغم من انها تدعو (حسب البكائية) لعملية سياسية شاملة..! ولو كان هنالك معايير لابعاد بعض المشاركين من العملية السياسية لتم ابعاد كل الافراد والجماعات المكونة لتقدم عدا حزب الامة. فهولاء افراد وتنظيمات لا وجود لهم على ارض الواقع… فعبد الله حمدوك وخالد سلك وطه عثمان وياسر عار مان وجعفر حسن وبابكر فيصل الخ وغيرهم لا يمثلون احدا ويجب ابعادهم ايضا من العملية السياسية تجنبا (لاغراقها)! لا يمثل هولاء اى ثقل جماهيري بل ينعدم وجودهم بين المواطنين فلماذا يسمح لهم بالمشاركة في تقرير مصير البلاد..! حال تقدم كاسرة (بوربون) لم ينسوا شيئا ولم يتعلموا شيئا.. كثور الساقية يدور ويدور في ذات الدائرة وان كان دوران ثور الساقية دوران متتج لانه يسحب المياه فهولاء دورانهم فارغ لانهم (شافطين هواء)! ومع التأكيد لهم انهم يدورون في فراغ الا انهم يعودوا ويتجمعوا ليصدروا نفس ما انتهوا اليه في اجتماعهم السابق… ولا جديد لدى العروبة كما قال درويش!
ركزت البكائية تركيزا شديدا على المؤتمر الوطني وحملته كل ما يدور في البلاد..! وحقيقة ان كان المؤتمر الوطنى يستطيع فعل كل ذلك فحق له ان يحكم..! تري اين ثورتهم التى اعلنوا انها اسقطت المؤتمر الوطنى! فبحديثهم الساذج هذا ينفون حدوث الثورة من اساسه وينفون كذلك سقوط الوطني! وهذا امر لا تاريخي! فالسودانيين والعالم يعرفون ان الشعب السوداني قد اسقط حكم المؤتمر الوطنى وانهاه تماما. اما ان كانوا يعتقدون ان المؤتمر الوطنى لازال يحكم فعليهم ان يعترفوا ان تغييرا لم يحدث في ابريل ٢٠١٩ وعليهم وقف الحديث عن الثورة وعن الديسمبريين.
هذا الفهم يستخف تماما بالتضحيات التى قدمها الشباب وبالشهداء الذين ضحوا من اجل اسقاط المؤتمر الوطنى، بمعنى ان ما تقوله تقدم للشباب هو انكم لم تفعلوا شيئا وان تضحياتكم كانت (سمبلا) لان المؤتمر الوطنى ما زال يحكم ويشن الحرب ويفعل بالبلاد ما يروق له..! والحال كذلك تري لماذا يحدثوننا عن (الثورة) وينصبون من انفسهم قادة لها يتحدثون باسمها دون تفويض!
واضح جدا ان عقدة (المؤتمرفوبيا والكيزانوفوبيا) ستلاحقهم حتى مقابرهم.
هذه السذاجة السياسية تعطى المؤتمر الوطنى اكبر من حجمه بكثير وتظهره بعبعا قادرا على فعل كل شيء في البلاد وهذا امر مخالف للواقع!
اما قمة السذاجة السياسية فهي الطلبات والاشتراطات التى قدموها للمؤتمر الوطنى حتى يسمحوا له بالمشاركة في العملية السياسية حسب قولهم!
سنقتبس هنا جزء من بكائيتهم لكشف التناقض الخطير في فهمهم. الان من ما كتبوا نعلم ان تقدم تعنى بالمؤتمر الوطنى الجيش: “وتشهد عليها كذلك الممارسات السلطوية في الولايات التى يسيطر عليها الجيش (المؤتمر الوطنى)”! انتهى الاقتباس. هذا الاقتباس لا يترك مجالا لاي مجتهد ان يفسر حديثهم باى معنى خلاف ان الجيش هو المؤتمر الوطتي! والحال كذلك، يصبح كل حديثهم عن عدم مشاركة المؤتمر الوطني حديث فارغ لاقيمة له وضحك على الناس. و طالما كان الجيش هو المؤتمر الوطني فقد سبق لهم ان وقعوا معه الوثيقة الدستورية وشاركوه الحكم! هذا امر ليس بوسعهم انكاره، وعليه يتوجب عليهم تصحيح ما كتبوا في بكائيتهم او الاعتراف صراحة انهم شاركوا المؤتمر الوطنى الحكم بعد ثورة ديسمبر التى يشككون في حدوثها. يضاف لذلك الا يحاولون بطلبهم الاجتماع مع الجيش الاجتماع مع المؤتمر الوطني طالما ان الجيش هو المؤتمر الوطني! لماذا يا تري يفعلون الشىء ونقيضه في آن واحد. على من يضحكون..!

لم يترك لى حديثهم عن رفضهم للمؤتمر الوطنى ادني شك بأنهم علي تواصل معه. وتذكرت امر اللآت الثلاثة السابقة التى كانوا يبيعونها للشباب (لا اعتراف لا تفاوض لا مشاركة) مع الجيش، وسرعان ما افتضح امرهم- وكنا نقول لهم ذلك- انهم يتسربون خفافا لمضاجع العسكر في ليالي آثمة كان وليدها الشرعي ما عرف بالاتفاق الاطارى. بناء على تلك التجربة والنفاق لا استبعد بل ارجح انهم في غرفة نوم المؤتمر الوطني… فقط علينا الانتظار..!
اخيرا مضت البكائية لمحاولة التبرير لتحالفهم مع المليشيا وهو تبرير فطير جدا لن ينطل على أحد. كان الصحيح ان يعلنوا صراحة انهم الجناح السياسي للمليشيا وهو امر يعلمه الشعب السوداني قاطبة . فالمصداقية واحترام الذات يقتضيان اعلانهم ذلك صراحة و تحمل مسؤليتهم، اما محاولة التذاكي على الشعب السوداني فقد فات اوانها، فالشعب اوعي بكثير مما يتخيلون وقد جربهم وعجم عودهم وو جده عودا من عشر.

اخيرا اود أن اؤكد لهم ان موقف الشعب والجيش انه لا تفاوض مع المليشيا ودونها وضع السلاح والاستسلام او مواجهة السحق لا خيار آخر.
اما حديثهم الامتتصر في الحرب فهو محاولة للتخذيل وتسبيط الهمم لن يلتفت له احد فالشعب والجيش عازمين ومصممين على الانتصار وان لا مكان للمليشيا في بلادنا بعدما فعلت بالبلاد وبشعبها ما فعلت لا دمجا ولا سياسة، وان كانوا لا يزالون يتوقعون دورا للمليشيا مستقبلا فقد قبضوا الريح و (دفقوا مويتم على الرهاب) كما يقال! وعليهم البحث عن نصير اخر غير المليشيا فجناحهم العسكري يترنح وانكساره واندحاره مسألة وقت فقط..!
من فوائد هذه الحرب – ان كان للحروب فوائد – انها اظهرت قدرات البعض في البكائيات ما كنا نعرفها

هذه الأرض لنا.

٦ أبريل ٢٠٢٤

الوسوم

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إغلاق