مقالات

الولاية القضائية الجنائية للمحاكم الدولية في مواجهة الدول المساندة لأفراد الدعم السريع

د.رجاء عبدالله الزبير:

من الواجبات التي يقتضيها تطبيق القانون الدولي إحترام أعضاء الجماعة الدولية للقانون وتنفيذه في علاقاتهم المتبادلة، وفي تصرفاتهم الفردية وفي مباشرة إختصاصاتهم المختلفة مثلما هو مطلوب من الأفراد في إعمال القانون الوطني ، تنشأ المسؤولية الدولية عند القيام بعمل مخالف لإلتزام قانوني دولي يرتكبه أحد أشخاص القانون الدولي، مسبباً ضرراً لشخص قانوني دولي آخر.

يفرض القانون الدولي الإنساني على الدول مسؤولية العمل، بصورة مجتمعة أو منفردة لإحترام وضمان احترام قواعده في جميع الاحوال تعزيزاً للسلم والامن الدوليين، وفقاً للمادة الأولى المشتركة من اتفاقيات جنيف، والبروتوكول الإضافي الاول الملحق باتفاقيات جنيف ، والبروتوكول الثاني لإتفاقية لاهاي لحماية الممتلكات الثقافية في النزاع المسلح، وبناءً على ذلك المبدأ فإن من واجب الدول ضمان الإلتزام التام بالتصدي لحالات الخرق الجسيم بما يتلائم مع ميثاق الامم المتحدة، وعدم تقديم يد العون أو مساعدة دولة أخرى في إرتكاب عمل غير مشروع دولياً ،ولايجوز لاي من الدول الاطراف في إتفاقيات جنيف أن تتنصل من تلك إلإلتزامات،حتى وإن لم تكن طرفاً فيها فإنها ملزمة بموجب أحكام القانون الدولي العرفي.

وتتحمل الدولة المسؤولية عن الإنتهاكات التي يرتكبها عملائها بحكم القانون والواقع عندما تُسند إلى كيانات شبه حكومية القيام بأنشطة معينة بدلاً من الطلب إلى الاجهزة الحكومية للقيام بممارسة سلطة حكومية منصوص عليها بمقتضى قوانينها الداخلية،وبالتالي فإن الدولة مسؤولة عن أفعال المؤسسات الخاصة أو الافراد عند إستخدامهم للقيام بأعمال هي من صلب أعمال القوات المسلحة إذا كان هؤلاء الاشخاص أو المجموعات يعملون في الواقع بناءً على تعليمات تلك الدولة أو تحت إشرافها لتنفيذ هذا العمل وينطبق عليها قانون النزاعات المسلحة الدولية،ومن أمثلة هؤلاء الافراد أو الكيانات،المرتزقة أو الشركات العسكرية الخاصة.

في وقت يتوق فيه الناس للعيش بسلام وأمان ،يتعرض السودان لموجه من العنف والعدوان من بعض دول المحيط الاقليمي نفذتها قوات الدعم السريع بالوكالة عن تلك الدول، بتمردها على القوات المسلحة ومحاولتها الإستيلاء على السلطة، لصالح الدول التي تدعمه بالسلاح والعتاد الحربي،والعربات المدرعة ،والمرتزقة ،منها دولة الامارات الراعي الإقليمي لتمرد أفراد الدعم السريع ،ولتنفيذ مخططتها أنشئت قاعدة عسكرية في مطار أم جرس بدولة تشاد ،لمد أفراد الدعم السريع بالاسلحة المميتة التي تسببت في موت وتهجير السكان المدنيين بصورة ممنهجة ترقى بان تدرج من جرائم الحرب ،والإبادة الجماعية في ولاية غرب دارفور وغيرها من الولايات.

يحظر ميثاق الامم المتحدة إستخدام القوة في العلاقات الدولية، ويمنع التدخل في الشؤون التي تكون من صميم السلطان الداخلي للدول، بناءً على تلك القواعد يحق لدولة السودان على صعيد جواز التقاضي بين الدول التقدم بشكوى أمام محكمة العدل الدولية في مواجهة دولة الإمارات العربية المتحدة، لإختصاصها بالنظر في إنتهاكات أحكام ميثاق الامم المتحدة وقواعد القانون الدولي الإنساني ،ويمكن تأسيس الشكوى بناءً على أن دولة الإمارات قد شاركت من بين دول أخرى في تمويل وتنظيم وتدريب وتسليح قوات الدعم السريع ، ولكي تنسب الأفعال التي إرتكبتها قوات الدعم السريع لدولة الإمارات يمكن إثبات سيطرتها على العمليات العسكرية التي إقترفتها تلك القوات، فضلاً عن ارتكابها بالوكالة حرباً عدوانية ذات طبيعة إجرامية مما تُعد مخالفة لميثاق الأمم المتحدة.

يمكن للسودان الإستناد إلى سوابق محكمة العدل الدولية، على سبيل المثال قضية نيكاراغوا ضد الولايات المتحدة الامريكية ، حيث شاركت الولايات المتحدة في تمويل وتنظيم وتدريب قوات الكونترا وتسليحها واختيارها لتحارب ضد حكومة نيكاراغوا، واشترطت المحكمة وجود درجة عالية نسبياً من السيطرة الفعالة فيما يتعلق بمسؤولية الولايات المتحدة عن قوات الكونترا لكي تنسب الأفعال التي ارتكبتها قوات الكونترا للولايات المتحدة.

وصادق كل من السودان ودولة الإمارات على النظام الأساسي لمحكمة العدل الدولية. وأصدر السودان إعلاناً بقبوله اختصاص المحكمة، بموجب المادة (36) منذ إنضمامه في 1957، حيث اشترطت أحكام المادة أن تصدر الدولة إعلاناً للإعتراف بإختصاص المحكمة، لكن دولة الإمارات التي انضمت في عام 1971، لم تصدر إعلاناً بقبولها لإختصاص المحكمة.

بالرغم من أن دولة الإمارات لم تصدر إعلاناً بقبولها إختصاص محكمة العدل الدولية إلا أنه يمكننا تأسيس الدعوى في مواجهتها بناءً على انتهاكها لأحكام معاهدة الدفاع المشترك والتعاون الإقتصادي بين دول الجامعة العربية القاضية بان تتعاون الدول المتعاقدة فيما بينها لمقاومة الإعتداء المسلح للدولة العضو المعتدى عليه،وقد صادقت كل من دولة السودان والإمارات على المعاهدة، وفي هذا الإطار يمكن للسودان الاستناد لسابقة نيكاراغوا ضد الولايات المتحدة الامريكية،حيث سحبت الولايات المتحدة موافقتها بقبول إختصاص محكمة العدل الدولية ،بعد الحكم الذي أصدرته رغم قبولها السابق لإختصاص المحكمة ،وقضت المحكمة بان الولايات المتحدة إنتهكت إلتزامها بموجب معاهدة الصداقة مع دولة نيكاراغوا القاضية بحظر إستخدام القوة ضدها،وأمرت الولايات المتحدة بالتوقف والامتناع عن الإستخدام غير المشروع للقوة ضد حكومة نيكاراغوا،بناءً على الاتفاق الثنائي بين الطرفين.

ومن المعلوم أن قوات الدعم السريع المتمردة إرتكبت جرائم التطهير العرقي بولاية غرب دارفور بسبب تلقيها دعماً من دولة الامارات بما في ذلك تسليم الاسلحة الذى أدى الى قتل آلاف المدنيين مما يُعد إنتهاكاً لاحكام إتفاقية منع الإبادة الجماعية وقد صادق السودان ودولة الإمارات على الإتفاقية ،لكن دولة الإمارات تحفظت على المادة (9) التي تمنع تقديم شكوى ضدها أمام محكمة العدل الدولية.

ومن سوابق محكمة العدل الدولية لجرائم الإبادة الجماعية الاحداث التي وقعت في أقليم يوغسلافيا السابقة،أدت إلى مطالبة البوسنة والهرسك من المحكمة إدانة جمهورية يوغسلافيا الإتحادية “صربيا والجبل الاسود” على ما إرتكبته من إنتهاك لإتفاقية منع الإبادة الجماعية ،من قتل وإغتصاب وحجز غير مشروع،وتطهير عرقي لمواطنين من البوسنة والهرسك،كما طالبت بإتخاذ تدابير مؤقته بغية الوقوف الفوري لأعمال الإبادة الجماعية ضد شعب البوسنة،وقد قررت المحكمة قبول إختصاصها للنظر في القضية،إستناداً إلى إتفاقية الإبادة الجماعية،ولم ترفض المحكمة قبول القضية رغم نظرها من قبل المحكمة الجنائية الدولية ليوغسلافيا السابقة.

ومن الدول المساندة لقوات الدعم السريع المتمردة دولة جنوب السودان بالرغم من إلتزامها بعدم القيام بالانشطة التخريبية ،والامتناع عن العمليات العسكرية الموجه ضد السيادة الوطنية والسلامة الاقليمة في إطار بروتوكول عدم الإعتداء والدفاع المشترك في منطقة البحيرات الكبرى الافريقية،يمكن للسودان تقديم شكوى في مواجهة جنوب السودان أمام المنظمة،بناءً على مصادقة السودان وجنوب السودان على ميثاق المنظمة.

كما يحق للسودان أن يتقدم برسالة شكوى في مواجهة دولة تشاد أمام اللجنة الافريقة لحقوق الإنسان والشعوب لإنتهاكها أحكام الميثاق الافريقي لحقوق الإنسان والشعوب ،الذي يمنع الدول الاعضاء من إستخدام الدولة لأراضيها كقواعد تنطلق منها الانشطة التخريبية أو الارهابية الموجهة ضد شعب أي دولة أخرى طرف في الميثاق.

تشكل الأحكام الصادرة من المحاكم الدولية خطوة هامة للإرتقاء بإنفاذ القانون الدولي الإنساني، إلا أنها لا توفر بذاتها حلاً كاملاً يفرض الإمتثال للقانون،وتبقى جميع الوسائل التي من شأنها الإسهام في تعزيز الإمتثال للإلتزامات الدولية ضرورية.

8 يونيو 2024

الوسوم

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً

إغلاق
إغلاق