حتى لا نبصق على وجه التاريخ.. الإنداية حياة متفلتة وإدريس حلاق الحمير يرفع البيرق كل صباح

كتب/ عادل حسن:
السودان القديم تتناقض فيه حياة وثقافات المجتمعات مع تشابه العادات وجهل الناس بالحرام والحلال
وتعتبر الإنداية وهي مكان وتجمع بيع الخمور البلدية والمريسة المشروب الشعبي الشهير في حياة تلك الأزمان الغابرة من ثقافات أهل السودان وعلى الرغم من تفلت وانحطاط حياة الإنداية لكنها لا تخلو من اللطافات والحكاوي والمفارقات.
إن الفوضى والعربدة داخل قطاطي ورواكيب الإنداية لها ضوابط تنظم حياة الإنداية مثل أن هناك بيرق أو علم يرفع كسارية على سقف القطية التي تكون هي مكان صناعة المريسة ويأتي إليها رواد ومرتادي الإنداية وفق ما يرفرف البيرق ثم يجلسون في شكل جماعات على جوالات الخيش مع وجود صحن كبير مليء بالبصل والشطة وأواني الإنداية لبيع المريسة هي الصفيحة ومعها جردل صغير اسمه جردل المساحة كملحق لكمية الصفيحة.
وعلى المراسة تنفيذ قواعد وأدب المعاملة مع ست المريسة وإلا مصيرهم الطرد خاردج المكان
وكذلك من عادات الإنداية احترام مسؤول رفع بيرق الإنداية والسماح له بالشرب مجانا من كل مجموعة تجلس داخل الإنداية ويلقب رافع علم الإنداية بالريس، وأشهر رافع لبيرق الإنداية كان اسمه إدريس رجل قدم من الجبال منذ سنوات طويلة وامتهن مهنة حلاقة الحمير في أسواق القري وفرقان الأعراب في البادية، كان رجلا ينطوي على سر عميق مثل مصطفى سعيد في موسم الهجرة إلى الشمال، فإدريس حلاق الحمير كان يحدث الناس بأنه اتي من الجبال دون أن يحدد اتجاه الجبال الجغرافي ولم تكن له أسرة ولم يأتي معه أحد من أهله
فاختار أن يعيش في قطية منعزلة عن بقية قطاطي الإنداية وكان رجلا قليل الكلام جم التهذيب وعرف بالأمانة، ولذلك أصبح محل تقدير وثقة سكان أهل الإنداية في أتراحهم وأفراحهم وكل شيء هو رئيسه لدرجة أوكلت له مهمة رفع سارية وبيرق الإنداية كل صباح مقابل حفنة من القروش تدفعها له ست الشدة أو المريسة في ذلك اليوم.
إن إدريس حلاق الحمير والرجل الغامض صار ممثل ورمز لمجتمع سكان الإنداية في كل المشاكل والقضايا التي تحصل مع سكان المناطق المجاورة للإنداية وذاع صيته الاجتماعي وكسب احترام أعيان القبائل في القرى المجاورة.
وذات مرة حدث خلاف بين أهل هذه المناطق وسكان الإنداية حول وجود مجرمين وقطاع طرق يقطنون مع سكان الإنداية ويحتمون بها، فأتى إدريس وحضر إلى حاج عبداللطيف كبير القوم وفارس القبيلة وحاح عبداللطيف هذا رجل تقي وورع وميسور الحال يحترمه كل الناس ولا يعلو صوت على صوته فطلب من إدريس أن يطرد كل غريب أتى إلى فريقهم ولم يقول له الإنداية لأن حاج عبد اللطيف رجل مهذب ويعرف أصول المخاطبة.
فقال له ادريس والله يا حاج عبد اللطيف هذا قرار يصعب تنفيذه لأنني أصلا غريب وعشت بين هؤلاء القوم ولكنني سوف أرحل عنهم إلى مكان آخر
وعندما رجع إدريس إلى سكان الإنداية واخبرهم بأنه مسافر بعيد ويعود أخفى علبهم رحيله النهائي.
وهنا لابد أن يشكر إدريس حليمة كبيرة مراسيات الإنداية لأنها كانت تهتم به مثل زوجها رغم أن حياة الإنداية لا زواج فيها بل فيها حياة الصحوبية والتكاثر بلا رباط شرعي مثل صحبة عبدالصمد سواق لوري الفحم مع كلتومة أم التيمان.
المهم شدا إدريس وامتدح حليمة
جابت الصينية مزبطة
جابت الشاي بعد الغداء
الما يقول شكرا لست الحلا
يموت في الغربة بعيد عن اهلا
سافر إدريس وغطس في مجتمع المدينة وتزوج ولكنه لم يفصح عن من أين أتى وتمدن وتحضر، فالإنداية هي جزء كبير من حياة وثقافة المجتمعات السودانية حتى وقت قريب فاستنت الحكومات القوانين لمحاربة تلك العادات والممارسات ولكنها لا يمكن تسقط عن تاريخنا الاجتماعي وهناك من ترعرع وعاش حياته في دلاهم الإنداية ثم تعلم وأصبح مواطنا صالحا.