مقالات

الموت سمبلة (٤ ).. “تغيير العملة .. وفتح الحساب”

صوت القلم

د.معاوية عبيد:

تحكي احدي القصص التي تدل علي سمو الاخلاق و الرفعة والايثار حتي ولو كان بهم خصاصة التي حض عليها الرسول الكريم صلوات ربي وسلامه عليه و حض عليها ديننا الحنيف الذي لم نأخذ منه إلا الصلاة والصيام و الحج أحياناً و أحياناً أخري الزكاة، لكن الأخلاق وحسن المعاملة بعيدين عنهما كل البعد ( الدين المعاملة ) ، تقول الرواية أن العداء الكيني أبيل موتاي كان على بعد أمتار قليلة من خط النهاية، لكنه ارتبك مع الإشارات وتوقف، معتقدًا أنه أنهى السباق. كان العداء الأسباني إيفان فرنانديز، خلفه مباشرةً، وإدراكًا لما يحدث أمامه، بدأ يصرخ موجهاً العداء الكيني ليواصل الركض. لم يكن موتاي يعرف اللغة الأسبانية ولم يفهم ،دفع فرنانديز موتاي إلى النصر ، سأل أحد المراسلين إيفان، “لماذا فعلت هذا؟” أجاب إيفان، “حلمي هو أنه في يوم من الأيام يمكننا أن نحظى بنوع من الحياة المجتمعية التي ندفع أنفسنا والآخرين أيضًا للفوز”. وأصر المراسل على جملة “لكن لماذا تركتم الكيني يفوز؟” أجاب إيفان: “لم أدعه يفوز، كان سيفوز. كان السباق له”. أصر المراسل وسأل مرة أخرى: “لكن كان بإمكانك الفوز!” نظر إليه إيفان وأجاب: “ولكن ما هي ميزة انتصاري؟ ما هو شرف هذه الميدالية؟ ما الذي ستفكر فيه والدتي؟” القيم تنتقل من جيل إلى جيل ، ما هي القيم التي نعلمها لأطفالنا وإلى أي مدى تلهم الآخرين لكسبها؟ يستفيد معظمنا من نقاط ضعف الناس بدلاً من المساعدة في تقويتها.
منتهى الرفعه والسمو في الأخلاق وحب الخير
يستخدم السودانيون تعبير ” الموت سمبله” لوصف الموت المجاني، وينطبق هذا الوصف بشكل كبير علي العدد الكبير من الذين ماتوا و فقدوا ديارهم و انتهكت اعراضهم و نهبت اموالهم وشردوا من ديارهم خلال هذه الحرب اللعينة ، التي اوقدها سياسي هذه البلاد و المثقفين من ابنائه واوقدها الشعب نفسه ، في بعض مدن البلاد المختلفة ، وقد   تجاوز عدد الموتي ” السمبلة” خلال هذه الحرب اللعينة اكثر من مليون شخص لأسباب مختلفة ولكنها مرتبطة بالإهمال فمنهم من مات علي ايدي المرتزقة الاوباش وهو يدافع عن أرضه وعرضه ومنهم من مات في الطريق وهو فار بجلده من بطش هؤلاء التتار ومنهم من مات في الصحراء وهو يبحث عن وطن آمن وطن ليس فيه خونة ولا عملاء
و لا استغلالين ولا أولئك الانتهازيون الذين يأخذون بمقولة ( مصائب قوم عند قوم فوائد ) ، في هذه النقطة مات ( سَمبله) كثير من ابناء وطني الذين لا يمكلون قوت يومهم دعك من اموال طائلة يضعونها في البنوك أو الصرافات ، حسناً فعلت الدولة أن اصدرت قراراً بتغيير العملة حتي لا يحدث تزوير وتعمل علي ضبط الأموال و أن تموت الأموال التي تم نهبها في أيدي الخونة والعملاء والشفشافة الذين سطوا علي البنوك ، حسناُ فعل بنك السودان أن عمل علي تغيير العملة ، أن تأتي متأخراُ خيراً من أن لا تأتي ولكن قبل هذا وذاك كان يجب علي الدولة أن توسع المواعين وكما فرضت علي المواطن البسيط كانت تفرض علي كل البنوك أن تعمل بنفس كفاءة بنك الخرطوم ، أي نعم اُلزمت البنوك بقبول حتي الأوراق الثبوتية التي انتهت فترة صلاحيتها لكنها خلقت صفوف وفوضي أمام بنك واحد بينما بقيت البنوك … ( نوم العوافي) كل الناس اتجهت صوب ( بنكك ) وكل السماسرة و الذين ( يتخذون مبدأ مصائب قوم عند قوم فوائد ) كلهم آتجهوا إلي السرداق والخيم التي نصبت لفتح الحساب وتغيير العملة … ذهبوا الي الخيم وذهبت القيم ….
و الأخلاق، هل تصدقوا من أجل أن تفتح حساب علي البنك عليك أن تدفع للذين يصطادون في الماء العكر ( ٣٠) ألف… ( وأن لم يكن لك ظهر تنجلد علي بطنك ) و تقيف في الصفوف ، بدأت في الإجراء لفتح حساب في بنك الخرطوم منذ أكثر من خمسة أشهر وترددت كثيراً علي عدد من الفروع ، لكن لم تصل الرسالة بعد ، ( اصبحت كرسالة محمود) منتظر الرسالة الثانية) … وعندما اصدرت الدولة القرار بفتح الحساب، سررت جداً وذهبت الي احدي الفروع ووجدت ( الاعمي شايل المكسر ) ، عدت ادراجي دون جدوي ، لأنني رفضت طلب السماسرة و الجماجرة، رغم أنني امتلك حساب في بنك آخر لكنه لا يجدي ، كل الناس تتهافت علي ( بنكك ) لماذا !! تأتي القرارات من الدولة من أجل المواطن و الوطن ، لكنها بصورة غير مباشرة تتعب المواطن و الوطن ….
لأننا انعدم عندنا الضمير و الأخلاق، ماذا لو انتظرنا في الصفوف و ابعدنا من بيننا أصحاب النفوس الضعيفة و المصالح ، ماذا لو اتخذت الدولة قرارات شجاعة وصارمة تجاه السماسرة ، المواطن السوداني صبت علي رأسه حرب الكرامة ولكن كل يوم تتهان كرامته من بني جلدته ، نزح الي الولايات الآمنة هرباُ من نيران الحرب ولكنه انكوي بنيران الإيجارات و الأسعار، هرب من نيران الحرب ونزلت عليه رحمة الإغاثة ولكنه انكوي بنيران لجان الاحياء و التوزيع الغير عادل ، وجاءت عليه سحابة تغيير العملة ولكن هطلت عليه نيران البنوك ، وصفوفها و الانتهازيون لكي تفتح حساب عليك أن تنتظم في الصفوف منذ صلاة الفجر و أن تدفع دم قلبك وانت لا تملك حق الفطور …
إن لم نتعلم تعاليم ديننا و نتأسي بالنبي الكريم ، هل سيكون الاسباني قدوة لنا … متي نتعلم من الاسباني ، متي يرتاح الشعب السوداني ….. ومتي يتوقف نزيف الموت سمبله …. ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء.

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً

إغلاق
إغلاق