مقالات
لماذا يعادون جامعة القضارف؟

د.عبد الكريم الهاشمي:
درج بعض القادة من أهل القضارف، على معاداة جامعة القضارف، لدرجة التجني عليها والتعدي على ممتلكاتها ومقارها، باسلوب يصعب تفسيره، إذ كان المتوقع دعمهم للجامعة والمساهمة في نمائها وتطورها، وليس تحيّن الفرص لوضع العراقيل أمام مسيرتها. تعد جامعة القضارف من الجامعات القومية الموطّنة في ولاية القضارف، وفقا لفلسفة ثورة التعليم العالي التي انطلقت في مطلع تسعينيات القرن الماضي. ظلت جامعة القضارف ومنذ انطلاقتها في العام 1992م، تؤدي رسالتها في التدريس والبحث العلمي وخدمة المجتمع بتفاني وإخلاص، وبانضباط ومسؤولية، والتزام بمعايير جودة التعليم ومخرجاته، وذلك لتعزيز العلاقة التفاعلية بينها وبين مجتمع ولاية القضارف، وللإضطلاع بدور فعّال يخدم المجتمع ويسهم في تطويره على مختلف المستويات. ترتكز سياسة الجامعة على إقامة علاقات متينة مع المؤسسات الاجتماعية والإدارية والخدمية التي تشاركها المحيط الولائي، وذلك بما يضمن التعاون المثمر الذي يفيد الطلاب والمجتمع على حد سواء، وقد نجحت الجامعة في ذلك نجاحا كبيرا، حيث أحالت فلسفة توطين الجامعات القومية في الولايات، إلى واقعا يمشي بين أهلها، حيث ظلت وما زالت تخصص 50٪ من المقاعد المخصصة لقبول الطلاب لأبناء الولاية، مما أدى إلى زيادة أعداد الخريجين من أبناء الولاية، بل لا يكاد بيت في ولاية القضارف يخلو من خريج في التخصصات المختلفة، حيث سعت إدارة جامعة القضارف في حقبها المتعاقبة، إلى توفير مختلف التخصصات التي تلبي رغبات طلاب الولاية وأسرهم، مثل الطب والصيدلة والمختبرات والهندسة والزراعة والاقتصاد والقانون وعلوم الحاسوب والتربية والآداب والبيطرة وكلية تنمية المجتمع التي تعتبر نافذة تفي من خلالها الجامعة بمسؤولياتها في خدمة المجتمع، هذا بالإضافة لبرامج الدراسات العليا التي تغطي معظم حاجة الطلاب الراغبين في الحصول على الدرجات العليا. فما من قرية أو فريق او بيت إلا وكانت جامعة القضارف فيه حضور، ولها فيه خريج، فضلا على فرص التوظيف التي أتاحتها الجامعة لأبناء الولاية حيث يبلغ عدد القوى العاملة في الجامعة نحوا من الف ومائتي شخص، السواد الأعظم منهم من أبناء الولاية. مؤسسة بهذا العطاء، كان من المنتظر أن تجد التكريم والاحتفاء من مجتمع ولاية القضارف، إلا أن بعض النافذين من أبناء الولاية ظلوا يناصبونها العداء، مستغلين نفوذهم وسلطانهم. ففي العام 2017 اغتصب احد النافذين من أبناء القضارف، وكان وقتها يشغل منصب وزير الشؤون الهندسة، مساحة من حرم الجامعة تبلغ 500 فدان مطلة على الطريق القومي الرابط بين مدني والقضارف حيث منحها لشركة زادنا لتشيّد عليها الميناء البري القائم الآن والذي لم يكتمل بعد. ذات الشخص، جار على قطعتين سكنيتين في حي من أحياء المدينة الآهلة بالسكان مستغلا نفوذه وسلطته في السطوِ عليهما، الأمر الذي كلف الجامعة جهدا قانونيا كبيرا لاسترجاع القطعتين المستلبتين. ثالثة الاسافي هي دخول وزارة التربية بولاية القضارف في العام 2017 في نزاع مع جامعة القضارف في مقر كلية التربية للأساس والتي كانت عبارة عن مدرسة (الأهلية المتوسطة) آلت للجامعة في العام 1994م لتصبح كلية التربية جامعة القضارف. طالبت وزارة التربية بولاية القضارف الجامعة بإخلاء مقر الكلية مدعية ملكيتها، وقبل أن تفيق إدارة الجامعة من صدمة المطالبة، استصدرت وزارة التربية أمرا قضائيا في وجه الجامعة للإخلاء الجبري، في سابقة يصعب تفسيرها. إن ما يؤسف له أن النزاع الذي شبّ بين وزارة التربية ولاية القضارف، وجامعة القضارف، يتزعمه قاده بارزين، بل بعضهم كانوا أعضاءً في مجلس الجامعة، وبعضهم من خريجي الجامعة وربما من ذات الكلية، وكلهم من أبناء الولاية. تدخلت السلطات العليا في الولاية لاحتواء النزاع القائم بين الجامعة ووزارة التربية، ولكنها تحاملت على الجامعة، حيث أمرت بقسمة مقر الكلية أرضا ومباني بين المؤسسين، وتلك إذا قسمة ضيزي، ينبغي ألا تُقِرها جامعة القضارف حتى لا تمنح هذا السلوك مشروعية، فيُغري آخرين بانتهاج ذات المسلك، وعلى جامعة القضارف أن تبدأ مباشرة في تجفيف الكلية وإيقاف القبول لها. لم تكن جامعة القضارف هي الوحيدة التي منحتها الحكومات الولائية القائمة في تسعينيات القرن الماضي مقار حكومية (مدارس) لتبدأ فيها رسالتها الأكاديمية بل تفاعلت المجتمعات والمؤسسات الحكومية في سني التأسيس الأولى في تذليل كل ما من شأنه المساهمة في توطين واستقرار الجامعات، فتبرعت كثير من المؤسسات في كثير من الولايات بمباني تفوق في شكلها المعماري ومساحتها ومواقعها المميزة مباني المدرسة الأهلية المتهالكة شكلا ومبنى، ودونكم مدرسة بورتسودان الحكومية ومدرسة حنتوب الثانوية ومدرسة خور طقت ومدرسة سنار الثانوية فلم نسمع بنزاع دبّ بين جامعات البحر الأحمر او الجزيرة او كردفان او سنار تطالب فيه المؤسسات المانحة باسترجاع المقار التي منحتها للجامعات، أو نكصت عن ذلك. إلا أنه يحدث في ولاية القضارف، حيث انتزعت حكومة الولاية، ممثلة في وزارة التربية، مقر كلية التربية بديم النور، مما يؤكد العداء السافر الذي يواجه به بعض القادة والنافذين جامعة القضارف، ويفرِض سؤالا تستلزِم الإجابة عليه بحثا موفورا، وهو لماذا يعادون جامعة القضارف؟؟؟. ضربت المجتمعات التي استضافت الجامعات الولائية مثلا في دعم الجامعات التي استضافتها، فدعمت بنياتها التحتية، واحتفت بالعاملين فيها، يستجاب لطلبها، ويكرم منسوبيها، ويذبّ عن حياتها، ليس كما يحدث في ولاية القضارف، حيث يضيّق على الجامعة، وتغتصب أراضيها وممتلكاتها. إن التعدي الذي حدث على الجامعة وصمتت عليه السلطات العليا ربما ينعكس سلبا على أنشطة الجامعة البحثية والتدريسية وخدمة المجتمع، وإذا تكرر مثل هذا التصرف ربما يدفع وزارة التعليم العالي لتجفيف الجامعة، ولا يعتقد أحد أن هذا الإجراء غير ممكن، وقد صرح بذلك أحد وزراء التعليم العالي حينما اطلع على حيثيات اغتصاب أراضي الجامعة التي منحت لشركة زادنا، التي خصصت لتشييد الميناء البري.
تُعد قضية تطوير التعليم من القضايا الملحة، باعتبارها حجر الزاوية في تقدم المجتمعات ورقيّها، ويحتل التعليم العالي الصدارة في ذلك، باعتباره أحد الدعائم الرئيسة في تحقيق التنمية الشاملة، لما يلعبه من دور مهم في إعداد الكوادر البشرية اللازمة لإحداث التنمية المجتمعية في مسارب الحياة كافة، وهي واحدة من آليات التغيير الثقافى، ومحرك لنمو الاقتصادي، وهي أداة لإدراك الطموحات الفردية والجماعة، عليه لابد للعقلاء وأهل الرشد والحكمة من أبناء ولاية القضارف بمختلف مواقعهم أن يتصدوا لمن يريد ان يعبث بمقدرات الجامعة، ويحاول أن يضع أمامها العراقيل والعقوبات، التي تحول دون تطورها، وتقف عثرة أمام سعيها لمواكبة التطور الذي يطرأ على مؤسسات التعليم العالي كلما أبلج صباح، بل يعيق ما تسعى إليه الجامعة من طموحات تستهدف تحقيق التقدم المنشود في كافة المجالات على المستوى الولائي والقومي. إن جامعة القضارف لا تستطيع تأدية دورها في عملية التغيير والتقدم والبناء الحضاري وخدمة المجتمع بمعزلٍ عن مشاركة المجتمع بمؤسساته الرسمية وغير الرسمية، وما يلفت النظر في هذا المضمار الحيوي، هو ضعف إسهام المجتمع بمؤسساته وفعالياته المتنوعة في دعم جامعة القضارف إلى حدٍ يشبه الغياب التام.
ما حدث لجامعة القضارف من انتزاع لمقارها يعد سابقة خطيرة، فإن جامعة القضارف ليس استثناء، فمعلوم أن الجامعات الولائية في بداية ثورة التعليم بدأت في مدارس ثانوية، ومدارس متوسطة، ومعاهد كبخت الرضا وكسلا وشندي والدلنج التي أصبحت جميعها كليات للتربية، فلم تسلك وزارات التربية في تلك الولايات، ما سلكته وزارة التربية ولاية القضارف من سلوك، حيث يُعد بمثابة دق إسفين في آصرة العلاقة بين الجامعة ومؤسسات الولاية. إن أمر انتزاع مقر كلية التربية إن لم يستدرك، سيمثل وصمة عار في جبين أهل الولاية وحكومتها فلا يمكن أن تغلق كلية تشع علما ومعرفة لتستغل مبانيها لأنشطة إستثمارية، مخابز ومخازن، فسيخ شربات، مما يعني ان وزارة التربية ولاية القضارف تعظم الاستثمار في الحجر اكثر من الاستثمار في البشر، وهذا لعمري معيار مختلٌ ومعطوب، معيار يستبدل الذي هو أدنى بالذي هو خير. إن كلية التربية هي الكلية التي ظلت ترفد المجتمع بمعلمي المرحلتين الثانوية والأساس منذ نشأتها في العام 1994م، إن ما حدث هو اختلال في المعايير ويوضح بجلاء أن الإنتزاع الذي تم ليس للمصلحة العامة إنما لأمر في نفوس الذين تولوا كبر الأمر، فهناك العديد من المقار التابعة لوزارة التربية ولاية القضارف، تم نزعها واستغلالها لأغراض لا تمت للعملية التعليمة بصلة، فلم تنبُث وزارة التربية ببنتِ شفة إزاء ذلك ولم تحرك ساكنا. وبضدها تعرف الأشياء فالتحية لكل من دعم جامعة القضارف في مسيرتها فالتحية للمرحوم الشيخ السر حاج الحسن الذي شيّد قاعة للمحاضرات من حر ماله، والتحية للغرفة التجارية التي شيّدت هي الأخرى قاعة أيضا، والتحية للسيد الكوباني الذي منح الجامعة كلية الشريعة والقانون أرضا ومباني، والتحية لكل من بادر ورفد مكتباتها بالمراجع والكتب. والتحية من قبل ومن بعد للإخوة المزارعون بإتحاداتهم وتجمعاتهم المختلفة، ورجالاتهم الأوفياء الذين اعطوا وما استبقوا شيئا في دعم الجامعة سواء دعمهم كأفراد او تجمعات وذلك بسن بعض التشريعات التي تدعم الجامعة في مسيرتها. بقيَ أن ننبه أن المرسة الأهلية هي وقف ولا يمكن تغيير شرط الوقف إلا بإذن أصحابه، وأن أصحاب الوقف هم أهل القضارف الذين وقفوا المدرسة للتعلم وليس للتجارة الإستثمار، فيجب أن يراعى شرط الواقف وذلك للقاعدة الفقهية “شرط الواقف كنص الشارع” يعني أنه مثل النص الشرعي في وجوب العمل به ومنع مخالفته.
Krimhashimi5@gmail
0912677147