مقالات

أبكاها القهر ..!!

لواء شرطة (م) د.إدريس عبدالله ليمان:

لم أكن أتخيل يوماً أن أكون شاهدة على كل هذا القهر والإذلال الذى مارسته المليشيا المجرمة بحق هذا الإنسان السودانى النبيل المضياف المسالم الذى يكره سفك الدماء ويموت قبل أوانه حزناً وألماً عندما يُشاهد طفلاً يُذبح وإمراةً تُقتل ومسجداً يُسَوّى بالأرض ومدرسةً تُدَّك وشيخاً فانياً يُهان دون رحمة ولاشفقة .. ولم يدور بِخَلَدى يوماً أن أُطرَدَ من بيتى قسراً وأن أكون لاجئة وأنا فى هذا العمر المتقدم ..!!* هكذا تحدثت الروائية السودانية وأستاذة الأجيال زينب بليل فى برنامج ( أنتِ الوطن ) الذى بثه تلفزيون السودان بالأمس وكأنها تكتب فصولاً جديدة من تأريخٍ كانت شاهدة عليه بمداد القهر بعد أن نَكَأتْ مُقَدِّمَة البرنامج جراحها فَتَحَدَّرَت منها الدموع وسالت مشاعر الناس جداول ..!! فالبيت يمثل أقدس أقداس الحياة الإجتماعية لأهل السودان لاسيما كبار السن الذين لايُخرجهم من عتباته إلاَّ الموت لأنه يُبنى بعَرَق السنين وسنوات الإغتراب والشقاء الطويل .. فالذى إرتكبته المليشيا بحقهم وبمنازلهم جُرحٌ غائر لا ولن يندمل أبداً وسيظل هذا الإحراق والدمار والهدم الذى يُعبِّر عن وحشية المليشيا وحقدها الأعمى ونزعتها السادية فى الإمعان فى الخراب وصمة عار فى جبين حواضنها لن تمحوه الأيام والسنين وستحتفظ به الذاكرة الجمعية لأجيالٍ وأجيال ..!! ومن المعلوم عبر التأريخ الإنسانى أن حرب الإبادة تترك دوماً آثاراً هائلة على النسيج المجتمعى أكثر عمقاً وأطول أمداً .. وقطعاً ستتغير بنية المجتمع السودانى وسلوكه وستمتد عبر الأجيال ، فالعودة إلى الحياة الطبيعية التى كانت قبل الخامس عشر من أبريل سيكون هدفاً صعب التحقيق مع كل هذا الشعور بالخزى والإكتئاب والكوابيس وإضطرابات ما بعد الصدمة التى ستترجم إلى سلوكيات مسيئة وعميقة داخل الأسر السودانية ، ومن المتوقع أن تفقد القيم الأخلاقية النبيلة التى عُرف بها أهل السودان بين الأمم جاذبيتها وخصوصيتها بعد أصبح كل شئ تافهاً وبلاقيمة أمام كل الدمار الهائل الذى لن يُعوَّض بسهولة وسيؤدى إلى تآكل ثقة الضحايا بالجميع ..!!
فالجُرحُ غائر والفعل الذى إرتكبته المليشيا ومن عاونها شنيعٌ جداً ، ولن تُقِلَّنَا معهم أرضٌ واحدة ولن تُظِلَّنا سماء .. ولن نعانقهم عناق محبة وتسامح مهما ذرفوا دموع الأسى والحسرة والندم ولن تعود العلاقة الإجتماعية إلى ما كانت عليه ، وسيكون هنالك غالبٌ واحد وهو الشعب السودانى ودعاة الخراب من شياطين الشتات هم المغلوبون .. فليحتموا بشيطان العرب الذى أوقعهم فى هذه الورطة التى قَوَّضَتْ وحدة وإستقرار حواضنهم وفرقتهم أيدى سبأ وذهَبَت بأمنهم وإستقرارهم مع الريح ، وحتماً سيدفعون فاتورة الإستبداد والغباء بأقساطها المُهلكة ..!! فجرائمهم التى إرتكبوها وتلك الدماء التى أسالوها جعلت من أهل السودان يفكرون كيف ينتقمون لأنفسهم وكيف يُصفَّون حسابهم معهم جميعاً ..!! والأمر الذى لم أجد له تفسيراً كيف تُدافع بعض القوى السياسية وكل من يحمل فكراً وعِلمَاً ومشروعاً سياسياً أن يُسئ إلى نفسه وتأريخه وحاضره ومستقبله بل وإلى أهله ولكل العقلاء فى العالم بالدفاع عن المليشيا الهمجية البائسة المتوحشة وعن مشروعها الإقصائي الإستيطانى ..!!؟ وكيف لهم الإساءة لقواتنا المسلحة وأجهزتنا الأمنية ومن يقاتل معهم دفاعاً عن السودان وتصويرهم وكأنهم يعشقون سفك الدماء ويتجاوزون عن أولئك البُغاة الذين يتلذذون بقتل الأبرياء من النساء والأطفال فى قرى الجموعية وفى كل مكان ، ويفتخرون بتدنيس المساجد والمآذن والمحاريب ويتبتلون بالسجود بين يدى هُبل آل دقلو الجديد ( وسيد الطاحونة ) الذى خلع سرواله على عتبة الجاهلية وجعل من بعض زعماء الإدارات الأهلية خرافاً تُعدُّ للذبح وهو الذى عُرف عنه الغدر بالشريك قبل الخصم وشراء الذمم والضمائر بمال الكفيل .. وجعل الجميع يهتفون بروح القطيع بحياة الأمير والمشير والمعتصم والمعتضد *وأَسَدٌ أَسَدْ ..!!* ( أسماء مملكةٍ فى غير موضعها كالهر يحكى إنتفاخاً صولة الأسدِ ..!! ) .
فيا سادتى الحكام لاتفجعوا هذا الشعب المسكين مرتين ..!! فإن غفر لكم خطيئتكم الأولى التى أوصلتنا إلى مانحن عليه بعد أن رأى منكم عزماً وبأساً وشدة فى القضاء على هذا العدو الصائل وقبل منكم الإعتذار الذى محا دنس الإقتراف .. فإنه ينتظر منكم ذات الرُشد وذاتَ العزم وذات الشِدَّة فى إدارة الدولة وإعادتها سيرتها الأولى والحكم بما يقتضيه الحق والسير فى دروب العدل ، فإن الحق مهما طال غيابه لابد أن يتجلى ، وأن الظلم مهما إستبدَّ لابد أن ينهار ، فبلادنا لاتزال عُرضة للمشاكل الأمنية والأزمات الداخلية على إختلافها وتنوعها .. وليس الأوان للشعارات والخطابات ، فقد إنخدعنا بما يكفى بالذى كان يطفو من زَبَدٍ على المشهد العام .. ولتكن دعوة لإعادة كتابة التأريخ من جديد بمداد الحقَّ والصدق فلم يعد هذا الزمن هو ذاك الزمان ..
ونسأل الله دوام الرفعة والسؤدد لهذا السودان .
حفظ الله بلادنا وأهلها من كل سوء .
الأربعاء ٩ أبريل ٢٠٢٥م

الوسوم

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إغلاق