مقالات

وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ

صوت القلم

د.معاوية عبيد:

إن الإيمان ما وقر في القلب وصدقه العمل، فإن الاطمئنان والذي يسبق القدوم على عمل عظيم، يحتاج مع الإيمان إلى تجربة عملية، تعمل فيها الجوارح للوصول إلى الثبات، (وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِي الْمَوْتَىٰ ۖ قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِن ۖ قَالَ بَلَىٰ وَلَٰكِن لِّيَطْمَئِنَّ قَلْبِي)، إن مرحلة الاطمئنان تحتاج إلى عمل الجوارح فى معجزة تتم، وكذلك كان الحال مع مريم البتول (وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ) فعملت الجوارح، وجاءت من الله المعجزة، وأثمرت النخلة الميتة لتثبيت وطمأنة مريم ، ولما اشتد آور الحرب على أهل السودان آووا إلى محاريب مراكز الإيواء عزة وكبرياءً و حياءً بدلاً من الخنوع و الخضوع للمنظمات الاجنبية ذات الأجندات الخبيثة والخفية، انزوى أهل السودان إلى دور الإيواء لإيمانهم القوي بنصر الله و تثبيته لهم وهم يعلمون أن الله (يمَكِّن لَّهُمْ حَرَمًا آمِنًا يُجْبَىٰ إِلَيْهِ ثَمَرَاتُ كُلِّ شَيْءٍ رِّزْقًا مِّن عنده) و سيجدوا ملاذاً آمناً و علاجاً ناجعاً من قبل الدولة لهذه المسغبة التي ألمت بهم، ولما كان إيمان الشعب السوداني بأن هذه الحرب ابتلاء وامتحان، آوى إلى إخوته وبني جلدته وتجلد بالصبر ، ولم يتزحزح و يتزعزع رغم ما ألم به من ألم مخاض الحرب من الاغتصاب و القتل والتشريد، وتعب ومشقة وعنت ، فلم يركن إلى دور المنظمات الأجنبية، بل آوي إلى محراب دور الإيواء التي نظمتها الدولة ومنظمات المجتمع والمجتمع السوداني المتكافل ، وكذلك كان حال السيدة مريم بنت عمران ، تلك العابدة الصالحة، التي لجأت إلى جذع النخلة و أمرها الله أن تهز ساق النخلة الميتة، تلك النخلة الغير مثمرة، والتى بهزها تساقط عليها الثمر ناضجا غضا، وأمرها أن تأكل منه، كما أمرها أن تشرب من النهر الذى أجراه الله تحت أقدامها (فَنَادَاهَا مِن تَحْتِهَا أَلَّا تَحْزَنِي قَدْ جَعَلَ رَبُّكِ تَحْتَكِ سَرِيًّا) ، و كذلك سخر سبحانه و تعالي للشعب السوداني جذعاً هزته الدولة فتساقط رطباً جنياً علي اصحاب الحاجة ، هزت الدولة علي جذع نخلة ديوان الزكاة رغم مالحق به من خراب و دمار وتيبست بعض من افرعه إلا أن هذه المؤسسة ظلت شامخة سامقة كنخلة مريم بنت عمران ، تساقط رطبا جنيا علي مراكز الإيواء و علي كل الفارين من جحيم الحرب ، و عند بزوغ فجر هلال رمضان و اشتد الطلق و الضيق علي أهل السودان وهم يستقبلون هذا الشهر الكريم هزوا إليهم بجذع نخلة الزكاة فتساقط عليهم اطيب الثمر الرطب عطاء غير محدود في شهر الكرم و الجود ، تساقطت ( سبيطة ) فرحة الصائم في شكل دعم عيني و نقدي، ووقعت (سبيطة) اطلاق سراح الغارمين السجناء برداً و سلاماً علي الغارمين و هم قد خرجوا فرحين لصيام شهر التوبة و الغفران مع اسرهم ، آملين في مغفرة من رب كريم ، وتحلق طلاب الخلاوي وهم يلهجون بالدعاء لنصرة القوات المسلحة و أن يبارك في اموال المكلفين الذين أخرجوا زكاتهم و عم فيضها أهل القرآن و خلاويه وخاصته ٠
ووقعت ( السبيطة ) الأكبر علي رؤوس العائدين إلي الديار و هم فرحين بعودتهم إلي ديارهم بركة ( جذع النخلة ) الاسر المتعففة و اسر الشهداء وجرحي العمليات الذين قدموا أرواحهم و أبنائهم فداءً للدين و الوطن، وغطي ( جذع النخلة ) بثماره دعم دور الايواء و تسيير القوافل الدعوية وبرنامج فرحة العيد وزيارة السجون و عيادة مرضي المستشفيات الذين منعهم المرض من حضور العيد مع ذويهم ووسط أهليهم هذه ( السبائط ) التي تساقطت من ( جذع ) نخلة ديوان الزكاة في شهر البركات عم خيرها أكثر من ( ٥٠٠ ) ألف اسرة في كل ولايات البلاد ، فقرت عين تلك الاسر بهذه الثمار الغضة التي نزلت عليهم برداً وسلاماً في زمن توارت فيه المنظمات الأجنبية في تلك الليلة الظلمأ وظهر ديوان الزكاة بدرا كاملاً انقشعت بظهوره تلك الغمة، وظهرت أهمية دور ديوان الزكاة وسط المجتمع ، ودور أهل الإنفاق الخيري الذين ما بخلوا بإخراج زكاة أموالهم و دفع صدقاتهم خلال الأزمات الاقتصادية وخلال مراحل الفتن وفقدان الأمن وخلال النوائب ، وقد أشاد المجتمع وكثير من أهل الرأي بدور ديوان الزكاة ، ومن قبلهم أشاد الله عز وجل بالمؤمنين الذين أخرجوا زكاة أموالهم و المنفقين إنفاقا مالياً وذلك عند قوله تعالي : {الذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوالَهُم بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ سِرًّا وَعَلاَنِيَة فَلَهُمُ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ وَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ} .

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى