مقالات

الوجود الأجنبي في السودان بين الأصالة التاريخية والتهديد المعاصر.. دعوة لاستراتيجية وطنية متكاملة

د. صلاح عمر الطيب:

الوجود الأجنبي في السودان ليس حالة طارئة بل ظاهرة تاريخية امتدت عبر قرون، تغذّت من موقع السودان الجغرافي كمعبر للحجاج والمسافرين من غرب إفريقياومن كونه ملاذًا للنازحين من مناطق النزاع في دول الجوار هذا الواقع تجذر في المجتمع السوداني الذي اتسم على الدوام بالتسامح والقبول بالآخر وإكرام الضيف
لكن هذا الوجود تطور بمرور الزمن إلى ما يشبه التغلغل، خاصة مع غياب سياسات تنظيمية واضحة وسهولة الدخول إلى البلاد وضعف الرقابة على الإقامات والعمالة ومع انتشارهم في قطاعات اقتصادية حساسة الزراعةالبناء الضيافة التجارة أصبح الأجانب جزءًا لا يتجزأ من النسيج الاقتصادي والاجتماعي دون أن يكون هناك إطار قانوني محكم يُنظّم هذا الوجود
ثم جاءت الحرب الأخيرة، فكشفت المستور إذ وُجّهت اتهامات مباشرة لقطاعات من الأجانب بالمشاركة في أعمال النهب والاقتحام بل والانخراط في العمليات العسكريةما أثار مخاوف كبيرة حول طبيعة هذا الوجود غير المنظم، ومستوى تهديده للأمن القومي
وقد أصبح من الواضح أن الخطاب الشعبي والإعلامي بدأ يميل إلى تحميل الأجانب مسؤولية تدهور الأوضاع الأمنية، والدعوة إلى ترحيلهم فورًا أو تجميعهم في معسكرات
لكن هذا التوجّه وإن كان نابعًا من إحساس بالظلم والخطر، إلا أنه ليس الحل بل قد يقود إلى نتائج عكسية منها
صدامات عنيفة تُفتح على إثرها أبواب التدخل الدولي
انتهاك لحقوق الإنسان في ظل فراغ قانوني.
تأليب المجتمعات المحلية على بعضها البعض
الإطار القانوني الوطني والدولي وفقًا لقانون تنظيم وجود الأجانب في السودان لسنة 1994، فإن المادة 4تنص على
لا يجوز لأي أجنبي دخول البلاد أو الإقامة فيها إلا بموجب إذن صادر وفق أحكام هذا القانون
كما تنص المادة 6 من نفس القانون على
يجب على كل أجنبي موجود في السودان أن يحمل مستند إقامة ساري المفعول وأن يُبَلّغ السلطات عن أي تغيير في محل
إقامته أو نشاطه
ومن جهة أخرى، فإن السودان طرف في الاتفاقية الدولية الخاصة بوضع اللاجئين لسنة 1951 وبروتوكولها الملحق لعام 1967 والتي تنص على
وجوب حماية اللاجئين وضمان عدم إعادتهم قسرًا إلى أماكن تتعرض فيها حياتهم أو حرياتهم للخطر مبدأ عدم الإعادة القسرية
ما المطلوب إذن ليس حملات أمنية مرتجلة بل استراتيجية شاملة تُعدها مؤسسات الدولة بالتعاون مع
الخبراء القانونيين والدستوريين
مفوضية اللاجئين ومنظمة الهجرة الدولية
المؤسسات الأمنية والاجتماعية
هذه الاستراتيجية يجب أن تُحقق الأهداف الآتية
تقنين وتسجيل كافة الأجانب الموجودين داخل السودان
الفصل بين اللاجئ السياسي والمهاجر الاقتصادي والمخالف للقانون
تحديد قطاعات العمل المسموح بها.
تفعيل الرقابة على الأنشطة الأمنية والاقتصادية المرتبطة بهم
بناء آلية تعامل قانوني تحفظ السيادة وتحترم الحقوق
الوجود الأجنبي في السودان هو واقع قائم لا يُعالج بالإنكار أو بالمواجهة الأمنية فقط. بل يحتاج إلى وعي سياسي، وموقف وطني موحد، ورؤية قانونية شاملة تحمي أمن البلاد وتحفظ إنسانية المقيمين.
السودان اليوم أمام مفترق طرق إما أن يُنظّم الوجود الأجنبي وفق مصالحه الوطنية، أو يُواجه تبعات أمنية وسياسية لا تُحمد عقباها في ظل هشاشته الحالية.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى