مقالات

الشـاعر النـوبي جـلال عمـر قرجـة وشعيرة عيد الفداء “الأضحية” في قصيدة “عبدالمجيد”

مقدمة:
إشترط العلماء لتفسير القرآن الكريم المعرفة التامة بالشعر و اللغة ضمن شروط عدة، قال الإمام الشافعي : “لا يحل لأحدٍ أن يفتي في دين الله إلا رجل عارفاً لكتاب الله و بناسخه و منسوخه و بمحكمه و متشابهه ثم يكون بعد ذلك بصيرا بحديث رسول الله صلى الله عليه و سلم و يكون بصيرا باللغة و بصيرا بالشعر ” .
و كان الفاروق عمر بن الخطاب و عبد الله بن عمر رضي الله عنهما يلجآن للشعر الجاهلي في تفسير و فهم القرآن الكريم ، اذاً فالشعر كما اللغة مهم جداً لفهم القرآن فهماً صحيحا و هذا ما فعله شاعرنا الكبير جلال عمر حيث تناول في قصيدته هذه بعض آيات من القرآن الكريم بلغة نوبية رصينة ، و هنا تكمن صعوبة المهمة .
و قد نجح في ذلك بصورة تدل على إلمامه التام بالقرآن الكريم و تعمقه في اللغتين العربية و النوبية على حد السواء بجانب موهبته الشعرية التي لا تضاهي حيث أجاد في تطويع المفردات و موسقتها للوصول إلى مبتغاه ، فالمبدع لا يعجز عن التعبير عما في دواخله بأي لغة كانت و خاصة أن شاعرنا بجانب شاعريته عرف عنه نزعته الدينية التي كست جل أشعاره حتى أصبحت مذهباً أدبياً له .
فها هو شاعرنا الكبير يداهمه عيد الفداء (الاضحية) في أقصى جنوب السودان في أعالي النيل حيث إلتقاء السوباط و الزراف ببحر الجبل و حيث بحيرة ( نو) التي ينسل منها النيل الابيض في مسيرته الميمونة نحو الشمال و هو في شوق الى معانقة الازرق الدفاق و ذلك مروراً بمدينة ملكال حيث كان الشاعر .
و حيث كنا ردحاً من الزمن انها بلاد تستفزك و تستنطقك شعراً من فرط جمال طبيعتها الخلابة حيث المياه و الخضرة في كل مكان ، تلك البلاد أعرفها تماما و أهيم بها حبا و عشقاً ، و كيف لا وهي مرتع الطفولة و الصبا ، وعجباً أن أطأ أثر شاعرنا الكبير في تلك البقعة الأثيرة لنفسي دون أن أراه ، فالقصة كلها حدثت في ذات المكان الذي كنت أقطنه ،وياله من مكان ، حيث أطلق شاعرنا هذه القصيدة العصماء (عبد المجيد) ، ترى هل استفزه و أدهشه المكان و استسلم لروعته أم شعوره بالغربة في تلك البلاد البعيدة حيث الغابات و الأحراش أم هزه الحدث الديني و الشعيرة الاسلامية السامية (عيد الفداء ) أم كل ذلك ، فالقصيدة عند شاعرنا لابد و أن تكون مرتبطة بحدث يحرك مشاعره ، لذا فكل قصائده تولد من رحم المعاناة .
فشاعرنا – كما قال – كان مسافرا بالبواخر النيلية من مدينة جوبا بالاستوائية قاصداً مدينة كوستي و رست البواخر كعادتها في مدينة ملكال حيث تعتبر محطة رئيسية و ميناءً هاماً فكان أن قابل أحد الاخوة من منطقة السليم قسم 3يقال له شرف الدين عبدالمجيد حسن، فطار بشاعرنا فرحاً و دعاه الى منزله ، حيث استقبله استقبالا يليق به ،
و كما قال شاعرنا: (ⲟⲅⳝⲓⲛ ⲛⲁⲗⲧⲓ ⲱⲉ̄ⲣⲕⲓ ⲁⲓ̈ⲅⲓ ⲛⲁⲗⲕⲓⲛ)
” اوقجن نلتي ويكي أيقي نلكو ” .
وهذا ليس بمستغرب على النوبيين، و كان ذلك يوم الوقوف بعرفة فدعاه أن يشاركه العيد صباحاً ففعل شاعرنا. و في صبيحة يوم العيد و بينما هو جالس في منزل مضيفه و بعد ان شاركهم عملية الذبح إذا به يبصر إبن مضيفه الصغير و الذي تعلو البشر و السرور محياه و هو فرح بملبسه الجديد و بالعيد السعيد مستأنسا بهذه الحركة الدؤوبة التي انتظمت الدار على غير العادة ، وربما كان العيد الأول له في هذه الدنيا ، وشاعرنا و هو يرى كل ذلك ذهب بخياله بعيدا و ابحر عميقا في الماضي و هو يرى الضحايا تساق و الدماء تراق بين التهليل و التكبير و الفرحة تعم الجميع استحضر عظمة المناسبة و خطرها فسرت قشعريرة في جسده لا يحس بها الا شاعر مرهف كجلال يستحضر ربه في كل تصرفاته قائلا في نفسه : ماذا لو كان سيدنا ابراهيم الخليل عليه السلام اتم ذبح ابنه اسماعيل ؟ و ماذا لو لم تتدخل العناية الالهية لتنقذ سيدنا اسماعيل من الذبح ؟ اذا لأصبحت سنة ماضية ، و لذبح هذا الصغير و كل أطفال المسلمين في هذا اليوم ، ياللهول و يالرحمة الله و يا له من موقف ، هنا ضم إليه الصغير عبد المجيد بحنان كبير و أتحفنا بهذه القصيدة الرائعة ، فشاعرنا كغيمة حبلى متمردة على الفصول و الامكنة تمطرنا متى ما ثقلت و امتلأت شعراً و ابداعاً.

القصيدة :
عظمة المناسبة :
قوري ووووعبد المجيد كنة إن كرم منن إن قوجيد
تو بلو ملي شوقر كوجيد جوقرن كدنجن مر نجيد
إن تولل إن أولود توج توجيد دادنجي قد تاليد أوجيد
ⲅⲟⲩⲣⲣⲉⲱⲟ̄ ⲁⲃⲇⲉⲗⲙⲁⳝⲉ̄ⲇ ***ⲕⲓⲛⲛⲁ ⲉⲛ ⲕⲁⲣⲁⲙ ⲙⲉⲛ ⲓⲛ ⲅⲟⳝⲓ̄ⲇ
ⲧⲟ̄ ⲡⲉⲗⲗⲟⲩ ⲙⲁⲗⲗⲉ ϣⲟⲩⲅⲟⲩⲣ ⲕⲟⲩⳝⲓ̄ⲇ *** ⳝⲟ̄ⲅⲣⲁⲛ ⲕⲁⲇⲉⲛϭⲓⲛ ⲙⲉⲣ ⲛⲓⳝⲓ̄ⲇ
ⲓⲛ ⲧⲟⲩⲗⲗⲉⲗ ⲓⲛ ⲟⲩⲗⲉⲇ ⲧⲟⳝⲧⲟⳝⲓ̄ⲇ*** ⲇⲁ̄ⲇⲓⲛϭⲓⲅⲓ ⲉⲇ ⲧⲁ̄ⲗⲓ̄ⲇ ⲟⳝⲓ̄ⲇ
إستهلالية جميلة رائعة بدأها شاعرنا الكبير بكلمة ( قوري ⲅⲟⲩⲣⲣⲉ ) وهي تعني الفرح والمناسبة تقتضي ذلك .
يقول شاعرنا مخاطبا كل صغار المسلمين بل المسلمين كافة في شخص الصغير عبد المجيد قائلا : بني إن كل ما تراه من مظاهر البهجة و السرور وكل هذه الأضاحي و الدماء و الموائد التي مدت انما فرحا بنجاتكم فحق لك و لنا أن نفرح و نبتهج بهذه المنحة الإلهية المباركة و وصف لنا شاعرنا يوم العيد وصفا جميلا من فرح و ذبح و طهو و ذكر حتى الفحم و هو يستعر نارا و كيف أن الشرر يتطاير منه محدثا صوتاً (توج توجيد ⲧⲟⳝⲧⲟⳝⲓ̄ⲇ).
شرح بعض الكلمات :
جوق ⳝⲟ̄ⲅ : يطحن جوقرن ⳝⲟ̄ⲅⲣⲁⲛ : يطحنون
نج ⲛⲓⳝ: خيط نجيد ⲛⲓⳝⲓ̄ⲇ: الخياطة
دادنجي ⲇⲁ̄ⲇⲓⲛϭⲓ: الأواني والمواعين

اكي ابراهمير منقي وي تدي أي تي بي إسكري ملقي
أرتي تبي بل قرديسنقا مسلقو أونتيقور أللقي
تنبابن أرتنجي نريقكرسنقا قمبو سوكقي
ⲉⲣⲕⲓ ⲓⲃⲣⲁϩⲓ̄ⲙⲓⲣ ⲙⲓⲛⲅⲓ ⳣⲉ̄ ⲧⲓⲇⲇⲓ *** ⲁⲓ̈ ⲧⲉ ⲡⲓ ⲓⲥⲕⲓⲣⲓ ⲙⲁⲗⲗⲉⲅⲓ
ⲁⲣⲧⲓ ⲧⲁⲡⲉ̄ ⲡⲉⲗ ⲅⲓⲣⲇⲉⲥⲓⲛⲅⲁ *** ⲙⲁⲥⲓⲗⲅⲟⲩ ⲟⲩⲛⲁⲧⲧⲓⲅⲟⲩⲣ ⲉⲗⲗⲉⲅⲓ
ⲧⲓⲛ ⲡⲁ̄ⲡⲓⲛ ⲁⲣⲧⲓⲛϭⲓ ⲛⲁⲣⲓ̄ⲅⲕⲓⲥⲓⲛⲅⲁ ⲅⲁⲙⲡⲟⲩ ⲥⲟⲕⲕⲉⲅⲓ

شرح بعض الكلمات :
أرتي ⲁⲣⲧⲓ: إله
قردي ⲅⲓⲣⲇⲉ : أبحث
نريق ⲛⲁⲣⲓ̄ⲅ : الحطام
قمبو ⲅⲁⲙⲡⲟⲩ: الفأس
يقول شاعرنا مخاطبا الصغير عبدالمجيد : ماذا عساي أن اقول لك عن أبينا إبراهيم عليه السلام ، إلا كما قال عنه المولى عز و جل ( ان ابراهيم كان امة قانتا لله حنيفاً ولم يك من المشركين ) الآية 120 سورة النحل ، حيث نعته ربه بالأمة الذي يهدي الناس إلى سواء السبيل مبرئاً اياه من الشرك . جمع شاعرنا كلمة ( أرتي ) بمعني إله حيث قال ( أرتنجي ) إذ أن أرتي هو المعبود وليس الله . حيث أدرك سيدنا ابراهيم بفطرته السليمة بأن هذه الاصنام و الافلاك التي يعبدونها من دون الله لا تنفع و لا تضر ، لذا خرج يبحث عن الحقيقة الكبرى ، حقيقة خالق هذا الكون البديع ، بهذا النسق الدقيق ، دون كلل و لا ملل حتى أن هداه الله .

المناظرة الكبرى :
يقول الله تعالى :
( و كذلك نري ابراهيم ملكوت السموات و الارض ) الاية 75 سورة الأنعام
وهنا بعد أن هداه و اصطفاه الله كان لابد له من مواجهة قومه حتى يبرهن لهم بالدليل فساد معتقدهم وضلالهم فأخذهم الى الخلاء ليلاً.
يقول الله تعالى:
فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ رَأَىٰ كَوْكَبًا ۖ قَالَ هَٰذَا رَبِّي ۖ فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لَا أُحِبُّ الْآفِلِينَ ﴿76﴾ فَلَمَّا رَأَى الْقَمَرَ بَازِغًا قَالَ هَٰذَا رَبِّي ۖ فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لَئِنْ لَمْ يَهْدِنِي رَبِّي لَأَكُونَنَّ مِنَ الْقَوْمِ الضَّالِّينَ ﴿77﴾ فَلَمَّا رَأَى الشَّمْسَ بَازِغَةً قَالَ هَٰذَا رَبِّي هَٰذَا أَكْبَرُ ۖ فَلَمَّا أَفَلَتْ قَالَ يَا قَوْمِ إِنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ ﴿78﴾ إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ حَنِيفًا ۖ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ ﴿79﴾ وَحَاجَّهُ قَوْمُهُ ۚ قَالَ أَتُحَاجُّونِّي فِي اللَّهِ وَقَدْ هَدَانِ ۚ وَلَا أَخَافُ مَا تُشْرِكُونَ بِهِ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ رَبِّي شَيْئًا ۗ وَسِعَ رَبِّي كُلَّ شَيْءٍ عِلْمًا ۗ أَفَلَا تَتَذَكَّرُونَ ﴿80﴾ سورة الأنعام

لم يقل سيدنا إبراهيم هذا ربي يقيناً و هو الذي أطلعه الله على ملكوت السموات و الأرض وهداه إلى الصراط المستقيم ، حيث أيقن بألوهيته و ربوبيته بل قال ذلك من باب مجادلتهم و أقامة الحجة عليهم ، حيث بدأ من الكوكب فلما اختفى قال كيف لله أن يختفي سبحانه ، ثم تحول بهم إلى القمر و قال هذا ربي فلما اختفى تحول بهم الى الشمس ، فلما أفلت أقام عليهم الحجة بأن الله سبحانه و تعالى أعظم من أن يتوارى أو يغفل طرفة عين .
فلجأوا إلى رأس الكفر مليكهم النمرود بن كنعان فناظره سيدنا إبراهيم عليه السلام فأفحمه بالدليل والبرهان أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له فبهت الذي كفر و لم يحر جواباً يقول الله تعالي : ( أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِي حَاجَّ إِبْرَاهِيمَ فِي رَبِّهِ أَنْ آتَاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ إِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ قَالَ أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ ۖ قَالَ إِبْرَاهِيمُ فَإِنَّ اللَّهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِهَا مِنَ الْمَغْرِبِ فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ ۗ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ) سورة البقرة آية 258
فبعد أن بين لهم سيدنا ابراهيم خطأ وخطل ما كانوا يعبدون من الهياكل ، أراد أن يبين لهم خطأ عبادتهم للأوثان فما كان له الا أن حمل فأسا في غفلة من قومه و حطم كل آلهتهم الا كبيرهم وضع الفأس على عاتقه وانصرف وعندما علم قومه بهذه النازلة أتوا بسيدنا ابراهيم ، اذ كان يذكر آلهتهم دوما بسوء فسألوه ان كان هو الذي حطم آلهتهم فقال لهم انه كبيرهم الذي فعل ذلك، واسألوا آلهتكم إن كانوا ينطقون ، و قال لهم متهكما كيف لآلهة لا تستطيع دفع الشر و الاذى عن نفسها أن تكون جديرة بالعبادة .
يقول الله تعالي في شأنهم (وَتَاللَّهِ لَأَكِيدَنَّ أَصْنَامَكُمْ بَعْدَ أَنْ تُوَلُّوا مُدْبِرِينَ﴿57﴾ فَجَعَلَهُمْ جُذَاذًا إِلَّا كَبِيرًا لَهُمْ لَعَلَّهُمْ إِلَيْهِ يَرْجِعُونَ ﴿58﴾ قَالُوا مَنْ فَعَلَ هَٰذَا بِآلِهَتِنَا إِنَّهُ لَمِنَ الظَّالِمِينَ ﴿59﴾ قَالُوا سَمِعْنَا فَتًى يَذْكُرُهُمْ يُقَالُ لَهُ إِبْرَاهِيمُ ﴿60﴾ قَالُوا فَأْتُوا بِهِ عَلَىٰ أَعْيُنِ النَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَشْهَدُونَ ﴿61﴾ قَالُوا أَأَنْتَ فَعَلْتَ هَٰذَا بِآلِهَتِنَا يَا إِبْرَاهِيمُ ﴿62﴾ قَالَ بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هَٰذَا فَاسْأَلُوهُمْ إِنْ كَانُوا يَنْطِقُونَ ﴿63﴾ فَرَجَعُوا إِلَىٰ أَنْفُسِهِمْ فَقَالُوا إِنَّكُمْ أَنْتُمُ الظَّالِمُونَ﴿64﴾ ثُمَّ نُكِسُوا عَلَىٰ رُءُوسِهِمْ لَقَدْ عَلِمْتَ مَا هَٰؤُلَاءِ يَنْطِقُونَ ﴿65﴾ قَالَ أَفَتَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَنْفَعُكُمْ شَيْئًا وَلَا يَضُرُّكُمْ ﴿66﴾ أُفٍّ لَكُمْ وَلِمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ ۖ أَفَلَا تَعْقِلُونَ ﴿67﴾ قَالُوا حَرِّقُوهُ وَانْصُرُوا آلِهَتَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ فَاعِلِينَ﴿68﴾ قُلْنَا يَا نَارُ كُونِي بَرْدًا وَسَلَامًا عَلَىٰ إِبْرَاهِيمَ ﴿69﴾ وَأَرَادُوا بِهِ كَيْدًا فَجَعَلْنَاهُمُ الْأَخْسَرِينَ (70)سورة الانبياء

تكون ايقكون برر آوكتلقي تيبن منكقي
اسكي بنجي اي كيلقي ترمون كور بي بادكد سكري
ⲧⲉⲣⲕⲓ ⲟⲛ ⲓⲓⲅⲕⲓ ⲟⲛ ⲡⲉⲣⲣⲉ ⲁ̄ⳣⲕⲁⲧⲧⲉⲗⲅⲓ ⲧⲉ̄ⲡⲓⲛ ⲙⲁⲛⲕⲉⲅⲓ
ⲓⲥⲕⲓ ⲡⲁⳡⳡⲓ ⲁⲓ̈ ⲕⲉ̄ⲗⲅⲓ ⲧⲓⲣⲙⲟⲩⲛ ⲕⲟⲩⲟⲩⲣ ⲡⲓ ⲡⲁ̄ⲇⲕⲓ ⲉⲇ ⲥⲓⲕⲕⲓⲣⲓ

شرح بعض الكلمات :
بري ⲡⲉⲣⲣⲉⲣ: بين
ترمون ⲧⲓⲣⲙⲟⲩⲛ : يمنع
سكي ⲥⲓⲕⲕⲓ: أسأل
بنجي ⲡⲁⳡⳡⲓ : تكلم
إسكي ⲓⲥⲕⲓ : يستطيع
إختصر شاعرنا قصة سيدنا إبراهيم عليه السلام وما كان بينه وبين النار وسيدنا جبريل تلك القصة الطويلة المليئة بالدروس والعبر في هذا البيت الجامع ، حقاً إنه شاعر متفرد أوتي مجامع النظم والكلم.
يقول الله تعالى:
قَالُوا حَرِّقُوهُ وَانْصُرُوا آلِهَتَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ فَاعِلِينَ﴿68﴾ قُلْنَا يَا نَارُ كُونِي بَرْدًا وَسَلَامًا عَلَىٰ إِبْرَاهِيمَ ﴿69﴾ وَأَرَادُوا بِهِ كَيْدًا فَجَعَلْنَاهُمُ الْأَخْسَرِينَ ﴿70﴾ وَنَجَّيْنَاهُ وَلُوطًا إِلَى الْأَرْضِ الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا لِلْعَالَمِينَ ﴿71﴾ وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ نَافِلَةً ۖ وَكُلًّا جَعَلْنَا صَالِحِينَ ﴿72﴾ وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِمْ فِعْلَ الْخَيْرَاتِ وَإِقَامَ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءَ الزَّكَاةِ ۖ وَكَانُوا لَنَا عَابِدِينَ ﴿73﴾ سورة الانبياء
يقول الله تعالى
قَالُوا ابْنُوا لَهُ بُنْيَانًا فَأَلْقُوهُ فِي الْجَحِيمِ ﴿97﴾ فَأَرَادُوا بِهِ كَيْدًا فَجَعَلْنَاهُمُ الْأَسْفَلِينَ ﴿98﴾ سورة الصافات

ويقول شاعرنا ، لما أعجزهم الخليل و اٌقام عليهم الحجة بالبرهان الدامغ و اسقط في أيديهم عقدوا العزم على إحراقه عليه السلام ، فحفروا حفرة كبيرة في الارض ، واضرموا فيها نارا عظيمة، ووضوعوه عليه السلام في المنجنيق و قذفوه في النار ، وبينما هو في الهواء و في طريقه الى النار اتاه سيدنا جبريل عليه السلام و قال له : الك حاجة يا ابراهيم فقال الخليل : أما اليك فلا , و أما من الله فلي.
وهنا تجلت رحمه الله عز و جل بعبده (قُلْنَا يَا نَارُ كُونِي بَرْدًا وَسَلَامًا عَلَىٰ إِبْرَاهِيمَ )﴿69﴾ سورة الانبياء فلم تكن بردا فقط بل كانت سلاما ايضا و نجى نبيه عليه السلام ، وأخزاهم وابطل كيدهم .
أي معجزة هذه وأي صبر هذا ، رحماك ربي !

الهجرة إلى الله :
وخرج سيدنا إبراهيم عليه السلام تاركاً تلك الديار الظالم أهلها وهاجر بدينه تلقاء فلسطين حيث أقام هو ومن تبعه من المؤمنين يقول الله تعالي ( وَقَالَ إِنِّي ذَاهِبٌ إِلَىٰ رَبِّي سَيَهْدِينِ) ﴿99﴾ سورة الصافات
إنشاء أمة محمد :
أرتي نلر تن بتانتود كنا تن نين نقي قي
من كلونجن تور مقوسر كتي نقكون بنققي
كنه ويقكن قردي بود هاجر تبي ترن اسقي
بود أشي ملي جو قونجن كوتي كتر درقي
أرتقون تر بدسنقد أقتكركون ورقي
قردي كنه نلي جوكن أسي ودبون بسقي
من كسر تر دابوسنقي سودكر إيوكون قرقي
ⲁⲣⲧⲓⲛ ⲛⲓⲗⲗⲉⲣ ⲧⲉⲛ ⲡⲓⲧⲁ̄ⲛ ⲧⲟⲇ ⲕⲓⲛⲛⲁ ⲧⲉⲛ ⲉ̄ⲛ ⲛⲉⳟⳟⲉⲅⲓ
ⲙⲁⲃ ⲕⲟⲩⲗⲟⲩⲛϭⲓⲛ ⲧⲟⲩⲟⲩⲣ ⲙⲟⲩⲅⲟ̄ⲥⲓⲣ ⲕⲓⲧⲧⲉ ⲛⲟⲅⲕⲟⲛ ⲡⲁⳟⳟⲓⲅⲓ
ⲕⲓⲛⲛⲁ ⳣⲓ̄ⲅⲕⲓⲛ ⲅⲓⲣⲇⲉ ⲡⲟ̄ⲇ ϩⲁ̄ⳝⲓⲣ ⲧⲁⲡⲉ̄ ⲧⲓⲣⲓⲛ ⲉⲥⲥⲓⲅⲓ
ⲡⲟ̄ⲇ ⲁϣⲁⲓ̈ ⲙⲁⲗⲗⲉ ⳝⲟⲩ ⲅⲟⲩⲟⲩⳡϭⲓⲛ ⲕⲟⲩⲧⲧⲓ ⲕⲟⲩⲧⲧⲓⲣ ⲇⲁⲣⲣⲓⲅⲓ
ⲁⲣⲧⲓⲅⲓ ⲟⲛ ⲧⲉⲣ ⲡⲉⲇⲇⲓⲥⲓⲛⲅⲓ ⲉⲇ ⲉⲅⲉⲧⲧⲓⲅⲣⲕⲟⲛ ⳣⲁⲣⲣⲓⲅⲓ
ⲅⲓⲣⲇⲉ ⲕⲓⲛⲛⲁ ⲛⲁⲗⲗⲉ ⳝⲟⲩⲟⲩⲕⲓⲛ ⲉⲥⲥⲓ ⳣⲉⲇ ⲡⲟⲩⲟⲩⲛ ⲡⲁⲥⲥⲓⲓⲅⲓ
ⲙⲁⲛ ⲕⲉⲥⲉⲣ ⲧⲉⲣ ⲇⲁ̄ⲡⲟⲩⲥⲓⲛⲅⲓ ⲥⲟⲩⲇⲕⲓⲣ ⲓ̄ⳣⲕⲟⲛ ⲅⲟⲩⲣⲣⲉⲅⲓ
شرح بعض الكلمات :
ننقي ⲛⲉⳟⳟⲉ : النفساء
بنقي ⲡⲁⳟⳟⲓ : فارق
أشي ⲁϣⲁⲓ̈ : المنطقة / الناحية
كتيⲕⲟⲩⲧⲧⲓ : المرتفع من الأرض
بدي ⲡⲉⲇⲇⲓ : الدعاء.
بسي ⲡⲁⲥⲥⲓ : يتفجر
بعد أن دمر الله سبحانه وتعالي قوم عاد وثمود بكفرهم وطغيانهم و أراد سبحانه أن ينشئ أمة جديدة تكون خير أمة أخرجت للناس منها خاتم الأنبياء والمرسلين نبينا وحبيبنا محمد صلي الله عليه وسلم جمع سبحانه وتعالي بين سيدنا إبراهيم عليه السلام من العراق والسيدة هاجر النوبية السمراء من شمال السودان حيث ولدت له سيدنا إسماعيل عليه السلام جد العرب المستعربة الذي منهم سيد ولد آدم الحبيب المصطفي صلي الله عليه وسلم ، وهو القائل عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم ( أنا خيار من خيار) .
وبعد أن إستجاب الله لدعاء نبيه إبراهيم ووهب له بعد الكبر إسماعيل أراد الله سبحانه وتعالي إكمال إنشاء أمة سيدنا محمد فأمره بأن يتوجه وزوجته وإبنه الرضيع تلقاء مكة من فلسطين حيث إقامته وعندما وصلوا لتلك البقعة القاحلة التي ليست بها ماء ولا زرع أمره الله أن يتركهما ويعود أدراجه من حيث أتي .
صدع سيدنا إبراهيم لأمر ربه وقفل راجعاً تاركاً زوجته وصغيره فلما نفد منهما الماء والطعام وجف ضرعها ظلت هاجر تجري وتصعد جبل الصفاء علها تبصر ماءً أو أناساً يغيثونها ثم تنحدر صوب جبل المروة وتعتليه علها تجد مبتغاها وظلت تكرر ذلك مراراً حتي بلغت سبعة أشواط هي عدد أشواط شعيرة السعي بين الصفا والمروة ، وبعد أن دب إليها اليأس والقنوط وبلغا منها كل مبلغ دعت ربها مخلصة أن يفرج كربتها فإستجاب الله لها بأن أرسل سيدنا جبريل فركض بجناحه مكان زمزم فنبع الماء تحت قدمي وليدها فخرت ساجدة لله تعالى فإرتوت وإرتوى رضيعها. فأغناهما عن الماء والطعام حيث أن ماء زمزم لما شرب له.
فلجلال إشارات ذكية لا يغفل حتى عن أدق الأشياء بلغة سهلة تأسرك وتشدك حيث أنه يملك مقدرة فائقة على تطويع اللغة والتعبير بها كيف شاء . أنظر لجمال هذا البيت ( قردي كنه نلي جوكن أسي ودبون بسقي) حيث خرق شاعرنا ناموس الطبيعة بتقديمه جريان الماء على النبع ، ولعل تقديم وتأخير الأفعال والضمائر من أهم ما يميز شعر جلال عمر حيث يكسوه رونقاً ويمنحه دفقاً لغوياً يمس شغاف القلوب، ويصف ماء زمزم بصورة بديعة حيث يقول إن هاجر عليها السلام وجدت زمزم سائلاً بعد أن إنبثق وتفجر نبعاً من الأرض وكأنني به يريد أن يقول لنا بأن السيدة هاجر ومن فرط لهفتها وخوفها على الماء من الإنسياب والضياع فجعلت تحبسه أو كما قال رسول الله صل الله عليه وسلم ( رحم الله أم إسماعيل لو تركت زمزماً لكانت عيناً معيناً )
يقول الله تعالى:
رَبَّنَا إِنِّي أَسْكَنْتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِنْدَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ رَبَّنَا لِيُقِيمُوا الصَّلَاةَ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ وَارْزُقْهُمْ مِنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ﴿37﴾ رَبَّنَا إِنَّكَ تَعْلَمُ مَا نُخْفِي وَمَا نُعْلِنُ ۗ وَمَا يَخْفَىٰ عَلَى اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي السَّمَاءِ ﴿38﴾ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي وَهَبَ لِي عَلَى الْكِبَرِ إِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ ۚ إِنَّ رَبِّي لَسَمِيعُ الدُّعَاءِ ﴿39﴾ سورة ابراهيم

البلاء العظيم :
كنه دولن قردي تو بل دوق دقوسكن وللقي
كمبقر تن أرتقي آرد دال منامقدتون دقي
أرتندي قون بنجدتي كونا أبا تيب قوجن تن فدقي
ويترنقد كون كنه تود تربي تركون قندقي
أرتي وينقي آو جوبي بوري أي مسكر أنقس كندقي
إن نا بي دلن سوتي قوج تكن شهيمن سندقي
أنينقي جوكن جوبكر هلكتي منقون بدقي
بارقون مندو قونجكر كون تن كنجر نلمندقي
كندي كجر قجر أي أكنقون كندي جو تان كتقي

ⲕⲓⲛⲛⲁ ⲇⲟⲩⲟⲩⲗⲁⲛ ⲅⲓⲣⲇⲉ ⲧⲟ̄ ⲡⲉⲗ ⲇⲟⲩⲅⲇⲟⲩⲅⲟ̄ⲥⲕⲁⲛ ⳣⲉⲗⲗⲱⲅⲓ
ⲕⲟⲙⲡⲟⲅⲓⲣ ⲧⲉⲛ ⲁⲣⲧⲓⲅⲓ ⲁ̄ⲣⲉⲇⲁ̄ⲗ ⲙⲉⲛⲁ̄ⲙⲅⲉⲇⲕⲟⲛ ⲇⲓⲅⲓ
ⲁⲣⲧⲓⲛⲇⲓⲅⲓ ⲟⲛ ⲡⲁⳡⳡⲓⲧⲓ ⲕⲟ̄ⲛ ⲁⲡⲁ ⲧⲉ̄ⲡ ⲅⲟⳝⲓⲛ ⲧⲉⲛ ⲫⲁⲇⲇⲉⲅⲓ
ⳣⲉ̄ⲣⲧⲓⲣⲓⲛⲅⲁⲇⲕⲓ ⲟⲛ ⲕⲓⲛⲛⲁ ⲧⲟⲇ ⲧⲟⲩⲣⲡⲓ ⲧⲓⲣⲕⲟⲛ ⲅⲁⲛⲇⲓⲅⲓ
ⲁⲣⲧⲓ ⳣⲉ̄ⲛⲅⲓ ⲁ̄ⳣ ⳝⲟⲡⲡⲉ ⲡⲟⲩⲟⲩⲣⲓ ⲁⲓ̈ ⲙⲁⲥⲕⲓⲣ ⲁⳟⳟⲓⲥ ⲕⲁⲛⲇⲓⲅⲓ
ⲉⲛ ⲁ̄ ⲡⲓ ⲇⲓⲗⲗⲓⲛ ⲥⲟⲩⲧⲧⲉ ⲅⲟⳝ ⲧⲟⲕⲕⲟⲛ ϣⲁϩⲉ̄ⲙⲉⲛ ⲥⲁⲛⲇⲓⲅⲓ
ⲁⲛⲉ̄ⲛⲅⲓ ⳝⲟⲩⲟⲩⲕⲓⲛ ⳝⲟⲡⲡⲉⲕⲓⲣ ϩⲁⲗⲁⲕⲁⲧⲧⲓⲙⲉⲛⲅⲓ ⲟⲛ ⲡⲉⲇⲇⲉⲅⲓ
ⲡⲁ̄ⲣⲣⲟⲅⲓ ⲟⲛ ⲙⲁⲛⲇⲟ̄ ⲅⲟⲩⲟⲩⳡϭⲓⲕⲓⲣⲕⲟⲛ ⲧⲉⲛ ⲕⲟⳡⲓⲣ ⲛⲁⲗⲙⲉⲛⲇⲉⲅⲓ

ⲕⲁⲛⲇⲓ ⲕⲟⲩⳝⲟⲩⲣ ⲅⲟⳝⲓⲣⲓ̈ⲓ̈ⲉⲕⲓⲛⲅⲟⲛ ⲕⲁⲛⲇⲓ ⳝⲟⲩ ⲧⲁ̄ⲛ ⲕⲓⲧⲧⲉⲅⲓ

شرح بعض الكلمات :
دق ⲇⲓⲅ : يربط ـ يلتزم
أنقس ⲁⳟⳟⲓⲥ : يشحذ
سندي ⲥⲁⲛⲇⲓ : يخاف
يقول شاعرنا فلما شب سيدنا إسماعيل عن الطوق وأصبح شاباً يافعاً رأي الخليل عليه السلام في المنام أنه يذبحه ، وتيقن إنه أمر من الله تعالي خاصة وأن رؤيا الأنبياء حق فإمتثل لأمر ربه .
وكان رسولنا محمد صلي الله عليه وسلم قبل النبوءة يري الرؤيا وتقع كما رآها تماماً كفلق الصباح .
يا له من إمتحان كيف له أن يذبح إبنه وكيف له أن يخبره بذلك ولكنه المؤمن المتوكل علي ربه فجمع شتاته وأخبر إبنه بما رأي فنزل ذلك علي سيدنا إسماعيل برداً وسلاماً كيف لا وهو المؤمن بالله عز وجل إيماناً لا يخالطه شك فقال لأبيه إفعل ما تؤمر ستجدني إن شاء الله من الصابرين ، وأشحذ مديتك ولا تأخذك بي شفقة وتعصي أمر الله ، وإذا أتيت والدتي فأقرئها مني السلام وأخبرها ألا تجزع وأن تصبر وتدعو لي ربها ، هنا تماسك سيدنا إبراهيم عندما رأي إبنه بهذا الصبر وهذا التوكل وشرع في ذبح إبنه عاملاً بوصيته بأن أضجعه علي جبهته حتي لا ينظر في وجهه وأعمل مديته ولكن يا للعجب ظلت المدية تروح وتأتي دون أن تتم عملية الذبح ، تري ماذا حدث ؟
إنظر لبلاغة هذا البيت وتمعن معي براعة هذا الشاعر العظيم :
(كمبقر تن أرتقي آرد دال منامقدتون دقي)
ⲕⲟⲙⲡⲟⲅⲓⲣ ⲧⲉⲛ ⲁⲣⲧⲓⲅⲓ ⲁ̄ⲣⲉⲇⲁ̄ⲗ ⲙⲉⲛⲁ̄ⲙⲅⲉⲇⲕⲟⲛ ⲇⲓⲅⲓ
يريد شاعرنا الكبير أن يقول أن رؤيا الأنبياء حق. لعمري أنه الإيجاز والإعجاز ، وصدق من قال إن الشعر ينمي ملكة البلاغة ويفصح اللسان ، وهذا البيت من أجمل وأعمق ما قرأت من شعر .
يقول الله تعالى: ( رَبِّ هَبْ لِي مِنَ الصَّالِحِينَ ﴿100﴾ فَبَشَّرْنَاهُ بِغُلَامٍ حَلِيمٍ ﴿101﴾ فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ قَالَ يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَىٰ فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانْظُرْ مَاذَا تَرَىٰ ۚ قَالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ ۖ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ ﴿102﴾ فَلَمَّا أَسْلَمَا وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ ﴿103﴾ وَنَادَيْنَاهُ أَنْ يَا إِبْرَاهِيمُ ﴿104﴾ قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيَا ۚ إِنَّا كَذَٰلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ ﴿105﴾ إِنَّ هَٰذَا لَهُوَ الْبَلَاءُ الْمُبِينُ﴿106﴾ وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ ﴿107﴾ وَتَرَكْنَا عَلَيْهِ فِي الْآخِرِينَ ﴿108﴾ سَلَامٌ عَلَىٰ إِبْرَاهِيمَ ﴿109﴾ كَذَٰلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ ﴿110﴾ إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُؤْمِنِينَ ﴿111﴾ سورة الصافات

تدو كجبون ملقي آو أديمنل أرتندقي
قونتجكن كركركي جبريل أ بداكون تولقي
أرتي تدو إن ملقي آوكون ترقي دسن دولقي
تدو كاش دينادكي سورود قندقر تق نلقي
ترقون أنجرود كتي بورن مندو أقلقر جو إلقي
بودي تو دولن قريكن بأسكي كورن ملقي

ⲧⲉⲇⲇⲟ ⲕⲟⲩⳝⲡⲟⲩⲟⲩⲗ ⲙⲁⲗⲗⲉⲅⲓ ⲁ̄ⳣ ⲁⲇⲉ̄ⲙⲉⲛⲓⲗ ⲁⲣⲧⲓⲛⲇⲓⲅⲓ
ⲅⲟⲩⲟⲩⳡϭⲓⲕⲓⲛ ⲕⲟⲩⲣⲕⲟⲩⲣⲕⲓ ⳝⲓⲃⲣⲓ̄ⲗ ⲁⲡⲡⲓⲇⲁ̄ⲕⲟⲛ ⲧⲟⲗⲗⲉⲅⲓ
ⲁⲣⲅⲓ ⲧⲓⲇⲇⲟ ⲓⲛ ⲙⲁⲗⲗⲉⲅⲓ ⲁ̄ⳣ ⲧⲓⲣⲅⲓ ⲇⲉⲥⲥⲉⲛ ⲇⲟⲗⲗⲓⲅⲓ
ⲧⲓⲇⲇⲟ ⲕⲁ̄ⲥ ⲇⲓ̄ⲛⲁ̄ⲇⲕⲓ ⲥⲁⳣⲣⲟ̄ⲇ ⲅⲁⲛⲇⲓⲕⲓⲣ ⲧⲓⲅ ⲛⲁⲗⲗⲉⲅⲓ
ⲧⲓⲣⲅⲓ ⲟⲛ ⲟⲩⳡⲟⲩⲣⲟ̄ⲇ ⲕⲓⲧⲧⲉ ⲡⲟⲩⲟⲩⲣⲁⲛ ⲙⲁⲛⲇⲟ ⲟⲅⲟⲗⲅⲓⲣ ⳝⲟⲩ ⲉⲗⲗⲉⲅⲓ
ⲡⲟⲇⲇⲓ ⲧⲟ̄ ⲇⲟⲩⲟⲩⲗⲁⲛ ⲅⲁⲣⲉ̄ⲕⲓⲛ ⲡⲓ ⲓⲥⲕⲓ ⲕⲟⲩⲟⲩⲣⲓⲛ ⲙⲁⲗⲗⲉⲅⲓ
شرح بعض الكلمات :
أدي ⲁⲇⲇⲉ̄: ينهي
كركر ⲕⲟⲩⲣⲕⲟⲩⲣ : الكبش
دول ⲇⲟⲗ : يحب
أنجر ⲟⲩⳡⲟⲩⲣ: أعرف
بودي ⲡⲟⲇⲇⲓ: ينمو / يكبر
الفداء العظيم :
هنا تدخلت العناية الإلهية وتجلت رحمة المولي عز وجل فها هو سيدنا جبريل عليه السلام يأتي ومعه كبش الفداء رحمة من الله وفداءً لإسماعيل أي بلاء وأي إمتحان وأي صبر آل إبراهيم .
لقد فعل الله عز وجل كل ذلك ليمتحن صبرهم وحتي يكونوا قدوة فالرسل أكثر الناس إبتلاءً ولقد إجتاز سيدنا إبراهيم وسيدنا إسماعيل الإمتحان بصبر جميل وضربوا أروع الأمثله في الصبر والطاعة طمعاً في رضوان الله وكلاهما ثقة في رحمته .
بودي تو دولن قريكن بأسكي كورن ملقي
يقول شاعرنا الكبير مخاطباً عبد المجيد يا بني لم أذكر لك كل قصة آل إبراهيم هذا بعض ما جادت به قريحتي ، ولكنك عندما تشب عن الطوق وتزداد معرفة ستقف بنفسك علي هذا الأثر العظيم والسيرة العطرة ، ونحن نتساءل ماذا أبقي شاعرنا الكبير ولم يذكره ، والله لقد أجاد وأبان مقدرة فائقة في تطويع اللغة النوبية وتوظيفها في شرح هذه الآيات البينات بأبيات تبدو لك من الوهلة الأولي بأنك تستطيع الإتيان بها وهذا هو السهل الممتنع الذي لا يجيده إلا الكبار أمثال جلال عمر قرجة فلله دره ، كما أظهر شاعرنا تفقههة في الدين وعلمه بالقران الكريم وتمكنه من لغته النوبية ، وفصاحته التي تقف عندها حائرا ومطمئناً أيضاً تملؤك الذهو والخيلاء وأنت تقف علي عظمة هذه اللغة وإمكانية التعبير بها وإحتمالها لكل المعاني والأخيلة كما ونقف مشدوهين أمام براعة هذا الشاعر العملاق ولن نمل أبدا من التذكير بأن هذه اللغة رغم ما لاقتها من هجر وإهمال ما زالت بكامل قوتها وعنفوانها وإلا ما إستطاع هذا الشاعر الكبير أن يتنقل فيها كالفراشة ينتقي منها أطيب المفردات والمعاني بهذه الصورة المذهلة .
وختاماً إن هذه القصيدة العصماء تصلح أن تكون خطبة لجمعة أو خطبة ليوم عيد الأضحي فقط تنقصها البسملة والحمدله حتي لا تكون بتراء .
جزا الله شاعرنا الكبير جلال عمر قرجة عن الأمة النوبية كل خير

محمد شريف أبو داؤود
أغسطس 2019
المراجع:
تفسير الطبري
تفسير ابن كثير

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى