مقالات

السودان من صمود الميدان إلى مناورات السياسة.. هل تجنح أمريكا للسلام أم تنحني للعاصفة؟

محمد بابكر:

في منعطف لافت وبعد أكثر من عامين من حرب مدمرة ومدبرة ومخطط لها منذ أمد بعيد على أرض وشعب السودان الصامد.
يبدو أن دبلوماسية القوة الناعمة بدأت تشق طريقها نحو المشهد السوداني المعقد.
فالتصريحات الأمريكية الأخيرة التي تحمل في طياتها اهتماماً متجدداً بإنهاء الصراع والوساطة السعودية التي عادت إلى الواجهة بقوة تطرح سؤالاً جوهرياً….. هل هو تحول حقيقي نحو السلام أم مجرد تغيير تكتيكي فرضته حقائق جديدة على الأرض؟

بالنسبة لكثير من المراقبين السودانيين فان الجواب يكمن في الميدان لا في صالونات السياسة. الرؤية السائدة لدى قطاع واسع من السودانيين والتي تتبناها القيادة العسكرية تتجاوز فكرة الصراع الأهلي بين الجيش وقوات الدعم السريع بالنسبة لهم الحرب منذ يومها الأول كانت مواجهة مباشرة مع مشروع خارجي تقوده الولايات المتحدة بالوكالة وتنفذه مليشيا قوات الدعم السريع بدعم لوجستي ومالي من حلفاء إقليميين بهدف تفكيك الدولة السودانية والسيطرة على مواردها خدمةً لأجندات إسرائيلية في المنطقة.

وفقاً لهذه الرؤية فإن ما حدث خلال الأشهر الماضية لم يكن مجرد معارك كر وفر بل كان صموداً منظماً للقوات المسلحة السودانية مدعومة بحاضنة شعبية واسعة نجح في إفشال هدف المشروع الأساسي وهو إسقاط الخرطوم والسيطرة على مفاصل الدولة بالقوة العسكرية.

الانتصارات التي حققها الجيش في مناطق استراتيجية وإعادة تأمين أجزاء واسعة من العاصمة والولايات لم تكن مجرد هزيمة لميليشيا متمردة بل كانت بمثابة إعلان فشل ذريع للاستراتيجية الأمريكية التي راهنت على الحسم العسكري السريع

هذه الهزيمة الميدانية وضعت واشنطن أمام خيارين أحلاهما مر إما الاستمرار في دعم مشروع فاشل يخسر على الأرض ويفقد شرعيته يوماً بعد يوم أو التراجع والبحث عن مخرج يحفظ ماء الوجه ويضمن الحد الأدنى من المصالح.

إتجاه السودان بموارده وثرواته نحو المعسكر الشرقي زاد من تعقيد الموقف الأمريكي وهو وجود بديل استراتيجي جاهز يتربص على الضفة الأخرى ففي الوقت الذي كانت فيه واشنطن تفرض العقوبات وتلوّح التهديدات كانت موسكو وبكين تفتحان ذراعيهما للخرطوم.
روسيا الحليف العسكري التاريخي عرضت دعماً عسكرياً مقابل الحصول على قاعدتها البحرية الحلم في بورتسودان وهو ما يمنحها موطئ قدم استراتيجي على البحر الأحمر.

أما الصين الشريك الاقتصادي الأكبر فكانت جاهزة لضخ الاستثمارات في قطاعات الطاقة والبنية التحتية الحيوية.
لذلك أدركت الولايات المتحدة الأمريكية أن استمرارها في سياسة العداء سيدفع السودان بثرواته وموقعه الجيوسياسي الفريد إلى أحضان المعسكر الشرقي بالكامل.

خسارة السودان لا تعني لامريكا فقط خسارة بلد إفريقي مهم بل تعني أيضاً تسليم منطقة البحر الأحمر ومنافذ إفريقيا لمنافسيها الدوليين على طبق من ذهب.

أمام هذا الواقع جاء التحرك الدبلوماسي الأخير. لكن بدلاً من أن تتقدم أمريكا بنفسها جاء الدخول من بوابة الحليف السعودي عبر مبادرة ولي العهد الأمير محمد بن سلمان التي استجابت لها إدارة ترامب وتبدو في نظر الكثيرين مسرحية دبلوماسية متفقاً عليها بعناية

الهدف ليس فقط تحقيق السلام بل هو توفير مخرج لائق للولايات المتحدة وحلفائها.

فبدلاً من أن تظهر أمريكا كقوة مهزومة تتراجع عن مشروعها الفاشل يتم تقديمها الآن كوسيط سلام يسعى لإنهاء معاناة السودانيين.

هذه الوساطة تعمل على “تبييض وجه” أمريكا وإسرائيل والإمارات، وطمس دورهم السابق كداعمين للمليشيا المتمردة في الصراع وإعادة تقديمهم كأطراف محايدة تسعى للحل.
اما في الخرطوم فكان الرد جاهزا والرسالة واضحة
( الحرب مستمرة حتى تطهير كامل التراب السوداني ولن توقفها أي ضغوط دولية.)

الحرب مستمرة و لن يبقي جنجويدي واحد في السودان. لن يستطيع ترامب و لا غيره إيقاف هذه الحرب ستتوقف الحرب بالقضاء على اخر جنجويدي

اقتنعت الإدارة الامريكية بأن تدخل في شراكات إقتصادية مع السودان لأنها تأكدت من انها لن تستطيع إنقاذ الجنجويد الذين يقاتلون من أجلها واجل إسرائيل

فهزيمة الجيش السوداني للجنجويد في الخرطوم والجزيرة وسنار وسنجة أجبرت امريكا للتنازل عن دعم المشروع الإسرائيلي لان امريكا ايقنت انها فشلت في احتلال السودان بالقوة

فخشيت ان تضيع عليها ثروات السودان.

لذا استخدموا محمد بن سلمان( المتفق عليه من قبل الحرب كما اشارت اليه ليلى عبد اللطيف)،و لكي يزيل الحرج الذي اصاب امريكا و الخجل الذي الم بها
ويقرّبها إلى الشعب السوداني.

جرائم الجنجويد التي طالت الشعب السودان من قتل وتشريد واغتصاب.
كانت بمباركة من الإدارة الأمريكية وبدعمها.

الخلاصة التي تتبلور هي أن صمود الجيش السوداني في الميدان قد أجبر القوى الكبرى على تغيير حساباتها.
فبعد أن فشلت القوة الخشنة في تركيع السودان ها هي القوة الناعمة تحاول أن تحقق ما عجزت عنه الدبابات.
لكن في الوقت نفسه هناك ترحيب حذر بالتحول الأمريكي فالسودان لا يغلق الباب أمام الشراكات الاقتصادية المستقبلية مع واشنطن ولكن هذه المرة من يد عليا
والمستقبل سيكشف ما إذا كانت هذه الشراكات المقترحة ستُبنى على أساس الاحترام المتبادل والمصالح المشتركة، أم أنها مجرد قناع جديد لمشروع قديم لم يمت بعد.

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى