مقالات

صِنَاعَة القَادة ..!!

لواء شرطة (م) د.إدريس عبدالله ليمان:

لقد وَقَر فى عُمق الذاكرة البشرية والثقافة الإسلامية أنَّ المِحنة تأتى بالمِنحَة ، وأنَّ ما يكون ظاهره شَّراً يأتى بالخير دوماً، فما حدث بالأمس فى تخريج طلاب الكلية الحربية بمنطقة جبيت ذات الطبيعة الساحرة والفِتنة المُتجانسة كما وصفها شاعرنا التِّنَى من إعتداءٍ آثم وإرتقاء عددٌ من الأنفُسِ الطاهرة فى يومِ عيدها ويوم المهرجان فيه العديد من الدروس والعِبَر تناولها المُحلِّلون من أوجُهٍ مختلفة ، إلاَّ أنَّ أهمها هو ذلك الدرس العظيم الذى قَدَّمه السيد رئيس مجلس السيادة – القائد العام للضُباط الجُدُدْ، فقد كان يومذاك مُلهِماً بحق لأولئك الشباب مُتَّقِدَ الحماس ثابتاً شُجاعاً ، وأهلاً للثقة جديراً بالتصديق (رغم مآخذ قطاعاتٍ عريضة من الشعب عليه لتأخره في حسم هذه الحرب، وتلكؤه فى إعلان حالة الطوارئ وتشكيل حكومة مُتفَرِّغة لإدارة شؤون البلاد ومعاش الناس) ، فما الذى يُريده الضُباط الجُدُدْ وكُلّ الجُندْ من قائدهم غير الإلتزام وتقديم القُدوة والتضحية والإلهام ..!!؟ وهذا ما فعله تماماً ووفِقَ فيه، فأعطاهم شُعوراً حقيقياً بأنهم جُزءٌ من المؤسسة العسكرية وأنهم تُروساً مهمة فى تلك الآلة الضخمة جيِّدة التشحيم وأنَّ الإنتماءُ إليها شَرَفٌ عظيم.

لقد قدَّم السيد القائد العام بثباته وشجاعته ولبسه للامَّةِ الحرب وبندقيته التى كانت خلف ظهره وعدم مغادرته لموقع الإحتفال رغم المخاطر التي كانت لاتزالُ قائمة ومخاطبته لأبنائه الخريجين أعظم درسٍ سيظل محفوراً فى ذاكرتهم العمر كله بأنَّ القائد الأقوى هو القائد الأبقى في النفوس، وأنَّ القائد لا يصنعه إلاَّ قائد قُدوة أو موقف.

ويقينى أنهم بدأوا مسيرتهم المهنية وهم يحملون جينات القيادة ..
فهذا الجيش العظيم من لَدُنْ أورطة العرب الشرقية وما قبلها ظَلَّ غني برجاله ، ولديه الوعي الصحيح والرغبة المُتَّقدة والتصميم الكامل والعزم الأكيد لبذل المُهج وإفناء الأعمار من أجل سلامة الوطن ، ولا يحتاج سوى قائد يملك قلب الأسد وأخلاق القادة وعزم القادة ..!! وأكادُ أجزم أنَّ أعداء بلادنا قد ساءهم تلك البِذرة التى نَبَتَتْ فى جبيت وستحمل راية البطولة فى ميادين الشرف بحقها وسَتُسرِج مِشعَلْ التميز دهراً طويلاً .

فليتنا نتعلم من هذا الدرس العظيم (تقديم القُدوات وصِناعة القادة) ليكون همَّنا الأكبر هو صِناعة القادة فى كل مؤسسات التعليم العام والعالى فطلاب اليوم هم قادة المستقبل والكنز المخبوء والأمل المُرتجى لكل عملٍ تنموى قادم، وفى كل مؤسسات الدولة ذات الطبيعة المدنية، ولتكن أهم القرارات التى نسعى إليها والعمل بِجِدٍّ عليها هي صناعة الأقوياء من القادة الأكفاء فى كافة المجالات لتحمل أعباء إدارة الدولة (فإنَّ خير من استأجرتَ القوىّ الأمين)، لأنَّ إهمال هذه الصِناعة هى إطالة أمَدَ الفشل والإنتكاسات والإحباط ، ولأنَّ العُقم القيادى فى كل مستوياته يُعدُّ من أهم المخاطر التى يمكن أن تتهدَّد بلادنا .
حفظ الله بلادنا وأهلها من كل سوء .

الوسوم

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إغلاق