منوعات وفنون
صالحين وجلود.. سر الكوميديا وسحر التمثيل
بقلم/ مصعب الصاوي:
من السوانح التى من الله بها علينا ان كنا اسرة واحدة شديد التماسك ابان مرحلة الدراسة الجامعية بكلية الموسيقى والدراما ضمن دفعة اشبه بمجرة للنجوم والاقمار . سأكتب اليوم عن الزميلين العزيزين عبدالسلام جلود وصالحين وقد اقترنا هكذا معا إبان فترة الدراسة وعرفا كذلك في الوسط الفني في توأمة روحية وفنية رسختها الأيام والتجاريب والاعمال المشتركة التي انجزاها معا في سجلهما الحافل رغم ان لكل سماته وملامحه الخاصة . عرفتهما معا أول مرة في تعريشة منزل الصديق الاعز سقت قبره سحب الرحمات مجدي النور بالحاج يوسف كانت هذه التعريشة هي صالة البروفات الاولي والمنتدى الدائم وفضاء المحبة الذي يسع الجميع محفوفين باجنحة الأسرة الحانية والجود بالموجود.
كان عمنا النور يعتبرهماجزءا من اسرته الصغيرة وفي تلك الاجواء الحميمة بدات تتشكل جماعة التجريبي المسرحية مستهلة نشاطها المسرحي بالمناسبات الإجتماعية في الحاج يوسف لتمتد الى المدارس والاندية الصغيرة على امتداد مدينة الحاج يوسف وسط تشجيع واحتفاء شعبي بنجومها ودعم لامحدود للمشروع الفني الذي بدا يزهر في ذاك الزمان.
التقى صالحين وجلود مرة اخرى في اروقة المعهد العالي للموسيقى والمسرح وقبلا كان جلود قد تلقى تدريبا متقدما في فنون الدراما بقصر الشباب والاطفال ليتحولا الى شعلة من النشاط والحيوية والمبادرة في ساحات الكلية ولتبرز ملكات الارتجال والخيال المبدع لتصير هذه الحالة الابداعية مصدر الهام لدفعتنا والدفعات اللاحقة استطاعا معا وصل كلية الموسيقى والدراما بكليات وجامعات ومعاهد اخرى يطلبون مشاركتهم في الاسابيع الثقافية بالفكاهة والاداء التمثيلي والوان المتعة التي يثيرها فن الدراما كنا نصحبهم لنجيل جامعة السودان فيستحيل الى حدائق ذات بهجة والى الجامعة الاهلية وجامعة الخرطوم خاصة كلية الطب التي كانت تحرص على وجود النشاط المسرحي في اسابيعها الثقافية أما جامعة القاهرة فرع الخرطوم فلا يكاد ينتهي اسبوع ثقافي لرابطة أو كلية إلا ويبدا اسبوع جديد كان هذا النشاط الواسع والمتنوع بمثابة تمرين عملي مستمر لاختبار ادوات الممثل ولاستكشاف الجمهور في كل عرض وهي ما اكسبهما هذه الخاصية السحرية جذب الجمهور الى مسرح التمثيل . في تلك الأيام من التسعينات انعقد مهرجان تنافسي وشارك المخرج مجدي النور بمسرحية ( مستورة ) ليستدعي مجموعته تلك شباب الحاج يوسف فازت المسرحية وبدات الاسماء تسطع من جديد في دائرة اكبر من الحي وفي قلب الحركة المسرحية وقتها لان المهرجان القى بقعة ضوء على تجارب ومواهب جديدة . لتتواصل حالة الدهشة والابهار في عرض آخر هو ( عجلة جادين ) والتحية هنا بمناسبة العرض للفنان الكبير عبد اللطيف كابو هذا الممثل المطبوع بروح السودانوية وعطر الابداع .
بالعودة الى رواق كلية الموسيقى والدراما أقول ان الفنان جلود والفنان صالحين في الحقيقة أول من تم تطبيق ( التمثيل ) كتخصص منفصل عن الاخراج في تجربتهما الدراسية وكانت تجربة اكاديمية فريدة حيث شهدنا لهما عروضا شملت كل مدارس التمثيل في مشاريع التخرج بداية بالمسرح الكلاسيكي وانتهاءا بتيارات المسرح الحديث فضلا عن الاداء التمثيلي في عروض مشاريع التخرج لطلاب الاخراج في ذات الدفعة ما اريد ان اخلص إليه ان حجم التطبيقات العملية التي خضعت لها هذه المجموعة المخصوصة يفوق الوصف. وقد كانت ادارة الكلية وقتها حريصة أن تكون تجربة فصل التمثيل عن الاخراج ناجحة ووفرت لها من الامكانات الكثير . ان أنسى لا أنسى الشخصية التي لعبها صالحين في عرض تخرج الزميل مجدى عوض صديق ( رحلة حنظلة ) وهي شخصية غنية بالتحولات السياسية والنفسية المعقدة وفيها تشخيص مزدوج للواقع العربي من جهة ولأعماق حنظلة كمواطن وكإنسان من جهة أخرى.
لقد جعل صالحين من ذلك العرض عملا فنيا موارا بالحياة والحيوية وتنقل بسلاسة بمشاعر الجمهور بين قوسي الكوميديا والمأساة . الحبيب جلود قدم شخصيات لاتزال عالقة بالذاكرة خاصة في مشروع مسرح العبث وكان فرس رهان معظم عروض الاخراج للدفعة .
تمددت مواهب هذا الثنائي خارج اسوار المعهد الى فضاء المسرح القومي والاذاعة والتلفزيون وجربا معا الكليبات المغناة ذات المضمون الاجتماعي مع الفنان طارق الامين ومجموعة الهيلاهوب فاضافا دماء جديدة لهذه التجربة التي نشات وترعرعت في جامعة القاهرة فرع الخرطوم لتمتد الى السودان كله . ولايزال نهر الابداع وفيوضات ابداعاتهما بلا حدود.