مقالات

الثورة ليسَتْ “دلّوكَة جَعليين”.!

خط الاستواء

عبدالله الشيخ:

الثورة علِم وقوانين. الثورة ابداع، نُظُم وتخطيط، وليست (دلّوكة جعَليين) ، ولا هي (دق سوط).
لا مقارنة بين انقلاب هاشم العطا وانقلاب الكيزان.. الرِّفاق وشهداء رمضان لم ينقلبوا على نظام ديمقراطي منتخب وإنما هو انقلاب علي انقلاب. ويقول السودانيون في أمثالِهم: (سرقة السارق، ما يدّيها ليك إلا الخالق).
الحزب الشيوعي (رَكَزْ) لانقلابٍ لم يدبره والاسلامويين أنكروا إنقلابا دبروه، وتحوطوا بكل الحيل لملافاة فشله، بل استمروا في التخفي شهورا. كان يوليو إنقلاباً والإنقلاب العسكري من أي جهة كان هو محض مغامرة، و(لائحة تفسيرية) تسعى إلى تبرير الفشل السياسي في الوصول إلى الحكم بطريقة شرعية.
جاء إنقلاب هاشم العطا في ظرف مرتبك فرضَ على عبد الخالق واقعاً لم يتمكن من رفضه، فتحمل مسئوليته بشرف، تماهياً مع القيم السودانية في المرجلة والصمود، وعدم خزلان الرفاق.
كان إنقلاباً ضد انقلاب قائِم. كانَ قيدومة لإنقلاب الأُخوان، لولا أن مرارة الفقد كانت محسوسة لدى طرفي النّقيض، لدى من كانوا داخل معسكر التصحيح، ومن كانوا خارجه. ولقد بكى النميري – يقول د. منصور خالد – رفاقه بدمعٍ طافِر.
ما حدث في تلك الأيام لايمكن تقييده بإثباتٍ أو نفي عجول. كان للحزب الشيوعي رأيه في الحركة لكنّها حين أصبحت واقِعاً تصدى لها. المواقف البطولية والعنفوان الذي اظهره أبطال يوليو في المحاكمات وعند تنفيذ الأحكام، يجعل منهم كوكبة شهداء يصعب نسيانها. عندما تدحرجت تروس الانقلاب، دهَسَت رجالاً من العُظماء كان الثّبات سيماهم وفي وجوهِهم. كان جرحاً عميقاً، عبِّر بصورة واضحة عن أزمة مثقفي وعسكرتاريا العالم الثالث.
الرجال قضوا نحبهم. الشجاعة والشهامة التي واجهوا بها مصيرهم، نقلت الحدث من خانة إنتماءه إلى اليسار، ليكون حدثاً وطنياً بامتياز. لم تزل دماءهم فائرة وطرية كما لو أنها سالت بالأمس. كان منفذو حركة يوليو فصيلاً متميّزاً داخل تنظيم الضباط الأحرار. قالوا في بيانهم أنّهم أرادوا تصحيح مسار الثورة السودانية الممتدة.
فشلت الحركة لأن الجماهير الشعبية كانت في قمه نشوتها وتفاؤلها بالنظام المايوي الذي كان قد تبنى شعارات ثورة اكتوبر. مايو في بداياتها وجدت تاييداً ودعماً واسعاً من القوي الحديثة. كان الثمن فادحاً على الحركة الجماهيرية التي كانت معبأة مع النظام، فالجمهور العادي لا تعنيه التكتيكات. ومن يدري، لو تخطى انقلاب هاشم العطا عتبة أيّامه الثلاث، هل كنا سنعيش عهداً (تمكينياً)، كهذا؟
كان للإنقلابات العسكرية قبولا أوان الحرب الباردة، والقبول بها يجيئ من أحد القطبين حسب (الكنْتَكَة) يمينا أو يسارا. كان عصرئذ للديموقراطية تعريفان.. كان وقت ذلك الإنقلاب التصحيحي في السودان وما قبله، وكذلك الإنقلابات العربية والأفريقية في الإقليم، أو البعيدة في آسيا وأمريكا الجنوبية. أما وقد إنهار النظام العالمي القديم ، فقد أضحت الإنقلابات العسكرية سباحة عكس التيار، ولم يعد لها القبول والدعم إلا على استحياء، بل صار التدخل الخارجي لإعادة الأمور إلى نصابها أمراً عاديا.
وكذلك سقط الإسلاميين بعد أن تمكنوا من السلطة والثروة بقوة السلاح، فجاء سقوطهم مدوياً بأكثر مما حاق الفشل بالرفاق الذين دفعوا ثمن قفزتهم فوق الواقع.
إنّ عدم نضج الظروف الموضوعية للتغيير يفضي إلى إنهيار التدابير الدقيقة، و (كلُ سحابة موتٍ تنامُ على الأرض، تمتصُّها الأرض، تخلقها ثورةً في حَشَاها).

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إغلاق