إقتصادحوارات وتحقيقات

يخفف وطأة الأحمال على النيل وينقذ الريف من العطش

السودان.. "حصاد المياه"  حل سحري للأزمة السياسية.. ولكن!

الخرطوم- خالد سعد:

لطالما كانت ندرة المياه أحد أهم الأسباب لاندلاع الحروب أو الهجرة من الريف للمدن المحاذية للنهر العظيم في السودان، ما شكل أحمالاً هائلة على مجرى نهر النيل الذي احتضن عبر جنباته ملايين السكان، حيث صارت العاصمة الخرطوم التي يقترن فيها أكبر رافدين للنيل، ملاذا للهاربين من تداعيات التغيرات المناخية، وجحيم حرب الموارد. كما يشير بعض السياسيين إلى الخرطوم باعتبارها مركزا مسيطرا على تقسيم الموارد في أنحاء البلاد.

الإحصاءات الرسمية الحديثة حول حجم موجات الهجرة إلى العاصمة الخرطوم والمناطق المتاخمة للنيل تعد نادرة ، لكن ثمة دراسات أجريت تؤكد ازدياد الهجرة من الريف للخرطوم نتيجة اندلاع الحروب والنزاعات المسلحة بين المجتمعات التي كانت تقطن في مناطق أطاح الجفاف بها ، مشيرة إلى أنه يوجد أكثر من مئة أسرة تهاجر للعاصمة بشكل شبه يومي.

ويعد السودان من أكثر دول العالم التي تشهد توسعاً حضرياً ( أى الحياة داخل المدن ) متسارعاً، فقد نما عدد سكان العاصمة (الخرطوم)، من 250 ألف فقط عشية الاستقلال في عام 1956 إلى ما يتراوح ما بين ـ 8 إلى 12 مليون نسمة ، حيث قدر الإحصاء أن التوسع الحضري في السودان بلغ 25% من إجمالي حجم تعداد السكان بالبلاد والمقدر بحوالي 44 مليون نسمة.

 

ويربط باحثون مستقلون بين إنتشار ندرة المياه في مناطق واسعة حول البلاد، وبين التوتر السائد بين الرعاة والمزارعين في عدد من المناطق النائية، مشيرين إلى أن عملية البحث عن موارد المياه تشعل حربا ضروسا بين الأطراف المستفيدة من المياه.

وتوضح إحدى الدراسات التي أعدها مركز العاصمة للتدريب ودراسات العمل ونقلتها وكالة الانباء الرسمية (سونا)؛ أن حوالي 69% من نسبة النازحين والمهاجرين من الأرياف إلى الخرطوم، كانت دوافعهم للهجرة هي البحث عن العمل،بينما كانت نسبة 11% منهم بدافع البحث عن مكان أكثر أمنا هربا من الصراعات والنزاعات القبلية.

ويعتقد على نطاق واسع أن الأزمة في إقليم دارفور التي أودت بمقتل الآلاف وتشريد ما يربو عن 2 مليون نسمة، بدأت مع موجة الجفاف والتصحر، وزادت مع إهمال الحكومات المركزية المتعاقبة في معالجة أزمة التنمية غير المتوازنة، وتجاهل مطالب القادة السياسيين في الإقليم، وساهم كل ذلك في تهيئة البيئة السياسية لنشوء التنظيمات الإقليمية والتنظيمات المسلحة.

في هذه البيئة المعقدة سياسيا، يلوح مشروع (حصاد المياه) في السودان كحل سحري لكثير من المشكلات السياسية المرتبطة بندرة الموارد وشح الخدمات في الريف والمناطق الجافة، فهو المشروع الذي تم إطلاقه رسميا 2016 لضمان أن يكون كل شخص في المناطق الريفية في البلاد على بعد 500 متر من إمدادات المياه الموثوقة بحلول عام 2020م.

وبحلول العام 2022م ما يزال الحلم السوداني الذي أطلق عليها إسم “زيرو عطش” لم يتجاوز نسبة 42%، وتواجه الخطة برمتها خطر فشل تحقيق جميع أهدافها، فى ظل عدم توفر التمويل الذي قدر مع إطلاق المشروع بنحو 850 مليون دولار، في حين تعاني غالبية المشروعات التي نفذت بالفعل من التوقف نتيجة الإهمال وعجز الحكومات المحلية لصيانتها على الرغم من كونها ظلت موردا ماليا ساريا فى خزائن الحكومات المحلية.

وحصاد المياه يعتمد بشكل أساسي على فكرة تجميع المياه، وبنسبة أعلى مياه الأمطار خلال موسم الأمطار من يوليو إلى سبتمبر وتخزينها للاستخدام خلال فترة الجفاف التي تمتد إلى سبعة أشهر.

وبعد توقف دام لأكثر من ثلاث سنوات تعود الآن الوحدة المسئولة في وزارة الري السوداني عن حصاد المياه، للمواصلة في الخطة من خلال العقد الموقع مع الصندوق السعودي بحسب ما جاء فى تصريحات مدير وحدة تنفيذ السدود التابعة لوزارة الري المهندس محمد نورالدين المدير العام للوحدة: إن هناك منحة سوف يبدأون في الاستفادة منها خلال خمس سنوات ممولة من الصندوق السعودي تشمل حفر وتركيب 500 محطة مياه جوفية بالاعتماد على الطاقة الشمسية.

 

وأكد على أن مشروعات حصاد المياه حققت أهدافا على صعيد التنمية الاجتماعية وتحقيق الأمن وزيادة الثروة الحيوانية.

وأشار إلى أن إدارته نفذت برنامج توطين المرعى بإنشاء حفائر لتجنب النزاعات بين المزارعين والرعاة وتأمين مصادر مياه للرعاة، لكن الخطة الكاملة تواجه تحديات من نوع أخر ، أبرزها توفير التمويل الكافي (لدينا أكثر من 250 مشروعا جاهز للتنفيذ ولكن التمويل غير متوفر).

وتعرضت هذه الخطة الطموحة إلى صدمة قوية عندما انهار الحاجز الترابي لأكبر سد مائي (أم دافوق) في ولاية جنوب دارفور الأسبوع الماضي (أغسطس)، وهو سد تم تأهيله العام الماضي بواسطة إدارة حصاد المياه، ويعتبر السد مصدر المياه الرئيسي للسكان السودانيين في المنطقة إلى جانب إمداده لمواطني دولة أفريقيا الوسطى القاطنين بالقرب من الحدود مع السودان.

وعلمت (إنفونايل) عن خطة لوزارة الري لإنشاء (الأطلس المائي) المعني بتسجيل جميع مشاريع المياه التي تم تنفيذها، إضافة إلى المواقع الجديدة والدراسات حولها من ناحية نوعية المياه وصلاحياتها بحيث تكون مرجعا للمعلومات الأساسية فى حال إحتاج الأمر إلى تدخلات مستقبلية بالتنسيق مع المقاطعات بحيث لا يبعد موقع المشروع سوى 2 كيلومتر من سكن المواطنين.

وتحدثت (انفو نايل) مع المهندس عبد الوهاب محمد حبيب الله أحد المسؤولين في الإدارة الفنية لحصاد المياه، والذي أشار إلى أن حصاد المياه يتضمن 7500 مشروعا (حفير- بئر- سد مائي).

​​تم حتى الآن تمويل 2500 مشروع بنسبة 42٪ من إجمالي الخطة حسب المهندس. وتشمل هذه 1090 بئرا تحت الأرض في جميع أنحاء السودان و 149 بئرا. ومع زيادة التمويل حتى الآن ، قال مدير الإدارة العامة لحصاد المياه وفي وزارة السدود قال المهندس عمار محمد علي لـ InfoNile إنه من المتوقع أن تقوم الوحدة بتنفيذ أكثر من 300 بئر في مختلف الولايات ، وبناء حوالي 35 سدا ، وإعادة تأهيل حوالي 10 سدود .

وأوضح أن تكلفة التمويل المنفذ عبارة عن (الصندوق السعودي 220 مليون دولار منها 100 مليون منحة و120 مليون دولار قرض، منحة الصندوق الكويتي 80 مليون دولار ، بينما متوقع أن يكون التمويل المحلي حوالي 150 مليون دولار).
وأشار إلى أن متوسط سعة الحفائر المائية المنفذة تتراوح بين ( 50 ألف لتر مكعب- 120 ألف لتر مكعب وأن كلفة الحفير الواحد بالسعة السابقة 2.400 مليون دولار، وشرح أن هنالك حفائر نموذجية في حدود 500 متر مكعب من المياه.

[Arabic Dataviz: https://public.flourish.studio/visualisation/11193479/] Embed code: <div class=”flourish-embed flourish-chart” data-src=”visualisation/11193479″><script src=”https://public.flourish.studio/resources/embed.js”></script></div>

وقال إن أكبر سد مائي في المشروعات المنفذة هو سد وادي طي بسعة ( 10.500 مليون متر مكعب) في شرق السودان يليه من حيث سعة التخزين سد أبو صالح في منطقة شرق النيل التي تشمل مناطق ضمن نطاق من مقاطعة الخرطوم ومقاطعة الجزيرة بسعة تقدر بحوالي 10 مليون متر مكعب، حيث أنشأ بهدف الحماية من السيول وتخزين المياه.

وأوضح أن متوسط بقاء المياه في السدود من 3 أشهر إلى 5 أشهر، ونسبة تخزين المياه تتوقف على حسب حجم استهلاك الإنسان والحيوان وعوامل الطقس.
وحسب تقرير التحليل الاستراتيجي للطلب البديل والصناعي لحوض النيل الصادر عن مبادرة حوض النيل، فإن الخرطوم لديها نسبة عالية من احتمالية توفير المياه من حصادها وتقليل فقدان مياه النيل.

ويوضح أن تنفيذ إجراءات التنبؤ المبكر تهدف إلى توفير كبير للمياه بحلول 2050م وبناء على التوقعات الخاصة بالمدن المختارة من بينها الخرطوم، فإن إجمالي المياه التي يتم توفيرها بسبب تدابير الحفاظ على المياه ستحقق فائضا كبيرا في الطلب على المياه من نهر النيل، في حين يقدر متوسط الإيراد السنوي لمياه الأمطار نحو 400 بليون متر مكعب. وذلك حسب تقديرات ادارة حصاد المياه في السودان.

[Dataviz Arabic: https://public.flourish.studio/visualisation/11193441/] Embed code: <div class=”flourish-embed flourish-chart” data-src=”visualisation/11193441″><script src=”https://public.flourish.studio/resources/embed.js”></script></div>

ويوصي تقرير التحليل الاستراتيجي بأن تشمل التدابير الأخذ فى الإعتبار ممارسة المستخدمين من خلال المحفزات التي تقدمها المرافق أو الحكومات من أجل تسريع وتيرة استبدال تركيبات المياه العادية أو غير الفعالة بأخرى أكثر كفاءة من خلال الخصومات والحوافز الاخرى ويتضمن هذا السيناريو تدابير لاستخدامات المياه الداخلية والخارجية لكنه يتطلب معلومات عن المرافق والبرامج الحكومية في كل منطقة وتعتمد الخصومات والحوافز على تكلفة التنفيذ ومن الضروري لصناع القرار تحديد خطط التأجيل المحتملة لتطوير البنية التحتية الجديدة والتي قد تكون ضرورية بسبب الطلب المتزايد على المياه.

ويدعو إلى أن تشمل التدابير مثل تركيب تجهيزات استشعار المياه وأنظمة التحكم في الري المعتمدة على حساسات الطقس والأجهزة عالية الكفاءة ووحدات المعالجة موضحا أن مستوى توفير المياه يتأثر بمستوى اختراق السوق لتركيبات استخدام المياه الفعالة.

ويوصي التقرير بتقييم كمي لامدادات توفير المياه البديلة بإجراء مسح سوقي واجتماعي واقتصادي منظم، وصيانة وتحديث قاعدة البيانات المركزية كل سنتين.

وحسب خارطة مائية حديثة أعدها الباحث الدكتور عثمان حيدر عبد الهادي، فإن الدراسات الهيدرولوجية لأهم مشروع حصاد مياه في شرق السودان (خور بركة)، أكدت جدوى تخزين المياه في هذه المنطقة لفائدة التوسعة الزراعية في دلتا طوكر وتوفير مياه كافية للشرب لمدينة بورت سودان – الميناء الرئيسي للبلاد والتي ما تزال تعاني من شح المياه طيلة أيام السنة.

مشروع “خور بركة” المطروح كنموذج لحصاد المياه، يعتمد على مياه الأمطار القادمة من المرتفعات الاريترية إلى الأراضي السودانية ، وتقدر الدراسة حجم المياه التي سوف يوفرها السد بنحو 175 مليار متر مكعب، ما يتيح توليد الطاقة الكهربائية.

وعلى الرغم من الانتقادات التي توجه إلى سياسات الحكومة وإدارتها لملف المياه، إلا أنه من النادر إيجاد موقف علمي أو شعبي أو رسمي رافض بالكامل لفكرة حصاد مياه الأمطار، فقد أظهرت العديد من الآراء أهمية هذه التجربة لمكافحة ندرة المياه في مناطق السودان النائية، وتقول الدكتور انصاف عثمان مسؤولة التوثيق السابقة في وحدة إدارة السدود لـ” إنفونايل”، إن مشاريع حصاد المياه في السودان تدعم تكثيف الزراعة وتنويعها، وزيادة الإنتاج في مناطق الزراعة التقليدية، وتنمية الثروة الحيوانية والغابية، إلى جانب تحقيق أهداف اجتماعية في تطوير المناطق الريفية وخلق فرص عمل إضافية لاستقرار سكان تلك المناطق وزيادة دخلهم ورفع مستوى معيشتهم.

وتعتقد عثمان التي تعمل الآن محاضرة في الجامعة، أن مشاريع حصاد المياه ساهم بتخفيف حدة الفقر وتنمية الموارد المائية خارج مجرى النيل وتحسين الإنتاج الحيواني والزراعي، إضافة إلى المحافظة على البيئة. كما تساهم في دعم الأمن القومي والاستقرار، بتنمية المناطق الحدودية وتوفير المياه لتخفيف الصراع عليها داخل حدود السودان و أيضا بين السودان والدول المجاورة.
وهي تزيد حصة الفرد الريفي من المياه من حيث الكمية والجودة، وتساعد في توطين الرحل والرعاة ووقف نزاعاتهم على المياه مع المزارعين، وتحفيز النازحين عطشاً للعودة إلى ديارهم.

وكان سد المقينص في ولاية النيل الابيض المحاذية لدولة جنوب السودان نموذجا لنجاح مشروعات حصاد المياه نظرا لإستدامته إذ يعتمد على تدفق مياه الأودية التي تحمل مياه الأمطار، ولكن المنطقة نفسها تشهد نزاعا حدوديا بين السودان ودولة الجنوب.

كما يعتبر المسؤولين الفنيين في ادارة حصاد المياه أن سد بليل في ولاية جنوب دارفور الذي تأسس عام 2015 هو المشروع الأبرز الذي اكتسب أهميته في توفير مصدر دائم لمياه الشرب لمدينة نيالا، في الوقت الذي ظلت تعاني فيه المدينة من انحساراً كبيراً في المياه الجوفية، حيث يعمل على تخزين (5) ملايين متر مكعب من المياه، مما دفع حكومة ولاية جنوب دارفور إلى إنشاء (10) آبار حول منطقة السد بإنتاجية كلية تقدر ما بين 7 إلى 10 آلاف متر مكعب في اليوم .

لكن محمد أبكر موسى وهو مواطن من نيالا عاصمة ولاية جنوب دارفور يقول لـ”انفونايل” إن منطقته لم تستفيد من غزارة الأمطار التي تهطل على الولاية هذا العام، ويضيف: “حسب متابعتي اللصيقة لهذه الناحية، فإن مشروع سد أم دافوق لم يحقق أهدافه الصغيرة ناهيك عن تلك الاستراتيجية المستدامة، وأن حوض البقارة تستحق مشروعاً للتوسعة عوضا عنه ، أو التخطيط للاستفادة القصوى من كثافة المياه المتوفرة في نطاق محليات كلٍ من مناطق “بليل”، مرشينج، والسلام وأبو عجورة وغيره من المحليات الموجودة حولها، ناهيك عن التفكير أو التخطيط للإستفادة من كثافة ووفرة مياه رهيد البردي، و منطقة الردوم الإستوائية ، وبقية المناطق الغنية بالمياه للاستفادة منها في خطوط نقل مياه الشرب وتوابعها أو لاستخدامها في مشاريع زراعية أو صناعية، أو استثمارية أخرى”.

ويعتقد أبكر أن وجود هذا الكم الكبير من الملحوظات يعد إخفاقا للمشروع وسط الكم الهائل من المعلومات عن ورود منح ومساعدات مالية وعينية من جهات داعمة ، فضلاً عن الميزانيات الضخمة التي تُوضع سنوياً من أجل هذا الغرض.

مشيراً إلى وجود العديد من القرى ومخيمات النازحين واللاجئين واراضي زراعية، وأحياء سكنية بالولاية تضررت كثيرا ، ولا تزال تعاني من التضرر خلال موسم الخريف من غزارة هطول الأمطار لدرجة أن تجتاحها السيول والفيضانات دون حائل، وبلا أدنى تخطيط لإدارتها، وكل ذلك بسبب ضعف أو انعدام جهود مؤسسات الولاية المعنية بعمل مشاريع حفائر تخزين هذه المياه للاستفادة منها لاحقاً، أو تنفيذ سدود وقائية تعمل على إمتصاص المياه الغزيرة لهذه الأمطار في مناطق محددة وفق أعمال حفريّة مخصصة لذلك، بدلاً من أن تفيض تلك المياه فيغرق الأخضر واليابس والجامد؛ والأرواح الإنسانية، والممتلكات ونفقد المساحات الزراعية الخصبة وهو الأمر الذى يعد أكثر ما يؤسف عليه في الضرر وإلحاق الأذى.

يدعو أبكر كل أصحاب المصلحة وكل من يهمه الأمر للاستفادة من الموارد الطبيعية المهدرة هباءً بدون أسف أو تفكير، كما يدعو كذلك إلى النظر بجديّة ومسؤولية وعقول واعية تجاه هذه الناحية باعتبارها أمراً غاية في الأهمية، لما له من شديد الأثر تجاه حياة ومعيشة ومصير الإنسان.

من جهته، يقول خبير الموارد المائية الدكتور عماد الدين حسين فرح الأستاذ بجامعة بحري إن مشروعات حصاد المياه ذات فوائد كبيرة على المجتمعات المحلية، خصوصا وأنها تقام عادة بمناطق تعاني شحاً في الموارد المائية حيث تنعدم فيها الأنهار المتدفقة أو المياه الجوفية سهلة الوصول لمياه ذات النوعية الجيدة فيها.

ويرى أن مشروعات حصاد المياه ليست ذات تأثير سلبي على حصة السودان من مياه النيل ولا تسبب أي خصم يذكر من حجم تلك المياه المتدفقة شمالا، كما أن السودان لا يستهلك أصلا حصته الكاملة من مياه النيل.

ويلفت فرح الانتباه إلى أن عملية إدارة المياه، تتطلب تخطيطا قوميا ومشروعات لا تؤثر سلبا على موارد المياه بعضها البعض أو قد يكون لها تأثير سلبي على الموارد الطبيعية الأخرى، موضحا أن الموارد المائية هي موارد متحركة ولا ينبغي تقييد إدارتها بالحدود بين الداخلية أو القطرية أو الاقليمية، وبالتالي فإن إدارتها في القطر الواحد، بما في ذلك مشروعات حصاد المياه، يجب أن تكون قومية، وحتى على صعيد الأقاليم الكبيرة ينبغي أن يسود التفاهم والتعاون بين الأقطار المستفيدة منها، ولذا فإن فرح يعتبر أن تحويل كل السلطات والمشروعات والخدمات المتعلقة بالمياه إلى الولايات( المقاطعات) كما هو الحال اليوم هو أمر غير صائب، إذ تحفه المخاطر من كل جانب.

ويشير الدكتور فرح إلى أن لمشروعات حصاد المياه جانبين مزدوجين، حيث أن لها آثاراً ايجابية عديدة ، كما لها بعض الآثار البيئية السلبية، والتي تتطلب العمل على تلافيها، إذ أن توفير مثل هذه المياه في مناطق ذات هشاشة بيئية قد يؤدي إلى تكاثر أعداد الحيوانات بما لا تحتمله سعة المنطقة فتتم إزالة الأشجار والشجيرات والأعشاب والحشائش في وقت وجيز بالرعي الجائر، بسبب كثرة أعداد الحيوانات (Overgrazing) مما يهدد باختفاء الغطاء الأخضر تماما( إزالة الغابات والحشائش) (Deforestation) وقد تتطور هذه الحالة السلبية إذا تتابعت حلقاتها الأمر الذي قد يؤدي في نهاية الأمر إلى بدء ظاهرة التصحر والتي لا تستطيع بعدها الأراضي استعادة قدرتها البيولوجية مجددا، خاصة بعد تحرك تربتها الخصبة وتبعثرها جراء تجريدها من الغطاء النباتي، فينتج جراء ذلك خطر كبير على تلك المجتمعات وعلى البيئة ويتسبب تدريجيا في هجرة السكان إلى المناطق ذات المحتوى المائي الأفضل كتلك المحاذية للأنهار مما يشكل عبئا اضافيا على هذه المناطق إضافة إلى حدوث تفريغ المناطق التي كانت تضج بالحياة والانتاج.

ويضيف قائلا: “على الرغم من قلة مخزون مشروعات حصاد المياه إلا أنه ينبغي إدارتها بنظم فنية وبيئية واجتماعية سليمة بحيث تتم المحافظة على استدامة الموارد الطبيعية واستقرار السكان وتأمين حياتهم”.

وتشير تقارير رسمية من هيئة الغابات السودانية أن ثلثي مساحة السودان الشمالي متأثرة بالتصحر وذلك بين خطي عرض 10 و 18 درجة شمالاً، أى ما يعادل نحو 51% من إجمالي مساحة السودان.

ويلمح التقرير الحكومي إلى أن عددا من مشروعات حصاد المياه في بعض الأقاليم المتأثرة بالتصحر تفتقر إلى الخطط المستقبلية، مما يجعل تأثيرها محدودا، نظرا لاتساع المساحات التي تأذت جراء ظاهرة التصحر.

بالنسبة لقرشي عوض وهو سياسي وناشط في تغطية قضايا التنمية،فإنه يصرح بأن فكرة مشروعات حصاد المياه بدأت منذ عهد الرئيس الأسبق جعفر نميري (1969-1985) ثم العام (2011-2013) بحسب مجلة سد مروي، لكن المشروع حسب قرشي تعترضه عقبات طبيعية تتمثل في وجود الحزام الصخري الممتد من كردفان إلى دارفور والذي تنعدم تحته المياه الصوفية ويبلغ ذروته في غرب كردفان، تحديدا في منطقة “عيال بخيت” والتي تعتمد على المياه الموجودة في منطقة “ام مراحيك” على بعد ٧ كيلومتر، ناهيك عن ارتفاع نسب الملوحة فى المياه في بعض المناطق بعضها بسبب إنتاج النفط من منطقة جنوب كردفان ومنطقة أبيي والمنطقة المتاخمة لها شمالاً.

 

ويتحدث عوض الذي أجرى استطلاعاً ميدانياً للمستفيدين من حصاد المياه في مناطق غرب السودان ، شمل رأى المستفيدين حول المشاكل الإدارية والتشريعية التي تتمثل في أن مصادر المياه تؤول إلى تنظيم وإدارة وإشراف المحليات، والتى بدورها تقوم بضم تلك الإيرادات إلى ميزانيتها الضعيفة و بذلك لا تقوم بأعمال صيانة المصادر مما يتسبب فى توقفها عن العمل ويتضح هذا الخلل في مشروع مسارات السلام الذي نفذته وزارة المالية بالاشتراك مع البنك الدولي؛ حيث سلم المشروع الآبار إلى المحليات، وبعد عام توقفت لأنها لم تخضع للصيانة.

كما تواجه مشروعات المياه مشكلات فنية خاصة بتشغيل وصيانة السدود، من بينها الصيانة الوقائية التي تتطلب توفير الردميات الترابية معينة ، وتضم أيضا عمليات معالجة الشقوق وإدارة توزيع المياه بصورة أكثر كفاءة، إضافة إلى العمليات المتكررة لإزالة الأتربة من الحفائر للحصول على عمق أكبر لتخزين المزيد من المياه.

وفي كثير من الأحيان ومع قوة تدفق المياه تحدث شقوق في الحواجز الترابية بفعل جذور الأشجار التي قد يصادف أن تنبت فى الجسم الترابي للسد، مما يؤدي إلى تسرب المياه وانجراف جزء من الحاجز الترابي، كما حدث مؤخرا في سد أم دافوق بولاية جنوب دارفور

هذه الحادثة تكررت أيضاً في سد بوط الواقع في ولاية النيل الأزرق المتاخمة للحدود الإثيوبية، حيث تعرض حاجز السد للانهيار جراء الأمطار الغزيرة، بيد أن وزارة الري والموارد المائية تدخلت لإعادة تأهيل السد.

وبحسب أحد المستفيدين من المشروع المائي، فإن السد يتسع لحوالي 5 ملايين متر مكعب من المياه ، لذا تسبب فقدانها العام الماضي في حدوث مشكلات كبيرة لأهل المنطقة المجاورة للسد وهم الذين يعتمدون عليه في مياه الشرب للإنسان والحيوان.

ويقول عبد الله أحمد إبراهيم في مقابلة مصورة: “كنا نعاني من تحطم فى جسم السد العام الماضي وفقدنا المياه إلى منطقة الرنك في جنوب السودان مما تسبب في حدوث أضرار هنا وهناك؛ أى لكلا الجانبين”.

ويظل التمويل عقبة أمام توفير المواد الخاصة بمعالجة مياه الحفائر للشرب، إذ يؤكد المهندس عبد الوهاب محمد حبيب الله أحد المسؤولين في الإدارة الفنية لحصاد المياه ضعف المكون المالي المحلي، إلى جانب الحالة الأمنية في بعض المواقع التي تشهد توترات أو نزاعات مسلحة، كما يشير إلى مشاكل تخص ملكية الأرض، حيث تواجه إدارة حصاد المياه أحياناً ظهور مالكين في المواقع المستهدفة ما دفع الإدارة العامة للمشروع أن تتقدم للمقاطعات بطلب لتسليم المواقع المقترحة لإنشاء مشروعات حصاد المياه بحيث تكون أراضي الحفائر والسدود خالية من العقبات والموانع.

القصة مدعومة من قبل InfoNile
و Media in Cooperation and Transition (MiCT) بالتعاون بمبادرة حوض النيل
(NBI) وبدعم من Deutsche Gesellschaft fur Internationale
Zusammenarbeit (GIZ) GmbH ، بتكليف من الاتحاد الأوروبي والحكومة الألمانية
الفيدرالية.

 

الوسوم

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إغلاق