بقلم/ مزمل المقبول:
ربما يكون هذا الخبر الغريب من أقسى ما نزل على مسامع أجيال كانت (هنا لندن) حياتها ومبتدأ يومها ومنتهاه.
كم أحزنني خبر إغلاق القسم العربي لإذاعة لندن بعد عمر ناهز الأربعة وثمانين عاما كيف لا وقد تفتح وعينا بأخبار العالم وحتى أخبار الوطن من منا لم ير والده أو جده يضع الراديو الصغير على صدره وأنامله تبحث عن موجة (هنا لندن)؟ كانت إذاعة لها من المهنية والمصداقية ما لم تبلغه أي إذاعة أخرى. كان بعدها جغرافيا لكنها قريبة للآذان والوجدان في أي مكان من العالم لكل مستمع، كانت مضرب الأمثال في اغتناء الأشياء الغالية عندما تعرض عليك بسعر غال وترد على من يعرض الشيء (ليه بتجيب لندن؟).
ومما مايُحكى عن هذه الإذاعة وعن الذين عملوا بها من بني وطني أن المذيع أيوب صديق في بداية عهده بها وهو يقف خلف المايكروفون، قال في بداية النشرة: “هنا أمدرمان” فاستدرك الخطأ سريعاً، فقال “وطني وان شغلت بالخلد عنه نازعتني إليه في الخلد نفسي”، واستمر في القراءة.
وكان ماجد سرحان يحبب المستمع في النشرة واللغة.
وأذكر في مطلع تسعينات القرن الماضي حين تعرض الدكتور حسن الترابي لاعتداء في مدينة اتاوا الكندية من شخص سوداني له بسطة في الجسم ومهارة في الكاراتيه (هاشم بدرالدين) الذي سدد له ضربات موجعة افقدته الوعي وسرى الخبر كالنار في الهشيم وفي نشرة الثامنة مساء بتوقيت غرينتش أذاعت لندن ضمن عدة عناوين في مقدمة النشرة كالاتي: ( المكسيك) انفجارات وخسائر في الأرواح، ( كابول) حكمت يار ومسعود شاه يتفقان، ( اتاوا) اعتداء على الدكتور حسن الترابي ضربات ولكمات على الرأس.
وأذكر أن الأستاذ قيلي أحمد عمر (مسيكين) جاء صباح اليوم التالي للحادث يستفسر عن الخبر فقابل الزميل راجي فسأله، فأجابه أن اخونا مزمل يحفظ ما ورد في النشرة أمس فقرأت له مقلداً ماجد سرحان.
لم يصدق الآباء هذا الخبر فهو بالنسبة لهم كخبر فقد عزيز لايتقبلونه بسهولة لأن (هنا لندن) كانت خاتمة يومهم بعد أن يستمعوا في أمدرمان لتفسير القرآن الكريم لعبدالله الطيب والمقريء صديق أحمد حمدون، ولسان العرب للسراج ونشرة الثامنة مساء بصوت عبدالرحمن أحمد، وخبر الأموات في كل المدن السودانية.
لن ينسى كل من تابع (البي بي سي) برامج قول على قول وندوة المستمعين والعالم هذا الأسبوع ورأي المستمع والسياسة بين السائل والمجيب وحصاد اليوم الإخباري وعالم الظهيرة والعالم هذا المساء. رحم الله من ترجل من الزملاء والصحة والعافية لمن بقي على قيد الحياة.
إذاعة لندن كانت أم إذاعات العالم ومن يرغب فى المزيد عنها عليه بكتاب الطيب صالح الذي عمل بها منذ العام تلاثة وخمسين وتسعمائة وألف كتابه (منسي)، ورحم الله محمد خير البدوي وعلي أبوسن مع الأمنيات لأيوب صديق بالصحة والعافية.. (هنا لندن).