مقالات

الذكرى 139 لمعركة شيكان الاسطورية

شيكان.. ثمة رماح ما لا تهاب الرصاص المنهمر !

محمد المصطفى موسى:

“١”

٥ نوفمبر ١٨٨٣ ..

في سهل فسيح ما .. بجوار غابة تسمى شيكان .. هُرعت أسراب النمل إلى مخابئها الحصينة وقد غَلّ الخوف منها غريزة الفضول .

قالت إحداهن لصويحباتها : ” هذه الوجوه الغريبة ما زال أصحابها يتسيدهم العزم اللحوح على التقدم بأسلحتهم الثقيلة بإتجاه الغرب .. يقودهم ذلك الرجل الأبيض ذو العينين الزرقاوين الواسعتين والذقن الذي تاهت تفاصيله ما بين إندحار شعره الأسود وغلبة شعره الأبيض حتى مشارف العارضين ” ردت إحداهن بإمتعاض : ” لم يعد فيما تقولينه سرا يستصعب العقل إدراك خباياه .. هذا الخواجة هو هكس باشا .. يقال أنه أتى من بلاد بعيدة يسمونها إنجلترا .. جاء ليمرمغ أنوف رجال هذه الأرض في ترابها .. جاء ليجلبهم نحو طاعة أهله فيما وراء البحار مرغمين وكأنهم قافلة رق لن يهنأ قائدها دون أن تنحني له الهامات وتصغر له الجباه مع مطلع كل صباح تكتحل بالضوء فيه مقلتاه.

 

تلقفت نملة أخرى كل ما قيل بغضبٍ بائن وهي تزحف بجسدها الناحل نحو منتصف السرب المائج بدوي الأقدام .. فعاجلت رفيقاتها بلهجة حاسمة : ” هذه الأرض ظلت توغل في عشق أبنائها منذ أزمان بعيدة .. وسنرى اليوم إي هامات سيتغشاها الذل والخسران .. وأي أنوف ستشمخ ليستنشق أصحابها هواء الحرية ” . هكذا خمد ذلك الجدل القصير قبل أن تمتلئ أخاديد النمل الحصينة بوقع الأقدام الخائفة المرتجفة .. وتسيد الهلع من غموض النهايات فوق الأرض .. تلك الأغوار السحيقة فيما تحتها ..وخضعت الحواس مجتمعة لسطوة الترقب الهياب الذي ليس لمثله سطوة.

“٢”
لم يمض الكثير من الوقت قبل أن تتبدى الأرض للناظرين كفتاة سافرة الوجه لن يمنعها الحياء من غزو الأعين برأسٍ حاسر .. كل شئ كان واضحاً حتى لم يعد هناك أي شائبة تسد منافذ البصر .. أمّ قائدٌ ما جيشه لأداء صلاة الفجر و قُرأ حزبٌ من القرآن مع الراتب حتى ألقت الشمس بطلائع خيوطها الذهبية المتفرقة على تفاصيل كل شئ هناك ، فأحالت الظلمة التي كانت تردد آخر أنفاسها إلى قبسٍ من الضياء.

نهض من فروته مسرعاً .. محمد احمد المهدي بن عبدالله .. ذلك الشاب ذو التسعة وثلاثون عاماً بقامته المائلة إلى طولٍ يفوق الربعة بسنتيمترات قليلة .. كانت عمامته كعادتها .. ناصعة .. بيضاء تغطي شعر رأسه بالكامل وقد إنسدل منها طرفٌ طويل ليستدير حول أسفل وجهه.

 

الوسوم

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إغلاق