حوارات وتحقيقات

حدث تأريخي بالخرطوم

زيارة العالم البروفيسور أحمد محمد الحسن، لمركز الحسن للأبحاث السريرية للأمراض المدارية المهملة بمستشفى سوبا الجامعي وفي معيته تلميذه البروفيسور أحمد حسن فحل.

محمود خالد:

مسيرة 50 عاماً من العطاء عامرة بالإنجاز والإعجاز والخدمات العلمية والإنسانية، والأبحاث الجليلة المتفردة و200 مقالة وبحث محكمة و4 كتب، نعم نصف قرن أمضاها البروفيسور الحسن، كان الأول في كل شيء، المدرسة والجامعة وحاز جميع المراتب العلمية ونال معظم الجوائز والمقامات العلمية السامية المحلية والعالمية.

جاء يوم الثلاثاء 7/9/2021م إلى مستشفى سوبا بصحبة البروفيسور أحمد حسن فحل، وكعادة العلماء ينسربون كضياء القمر، دخل من غير كرنفالات استقبال وتصفيق وبروتوكولات يقف مع بروفيسور فحل على كل صغيرة وكبيرة بمركزه الجديد للابحاث السريرية للأمراض المدارية المهملة قبل الافتتاح الذي حدد له تلميذه العالم فحل يوم 26/9/2021م، يقف على المعمل والعينات بالحافظات والقاعات وغرفتي العمليات الكبيرة والصغيرة وغرفتي التمريض وعلى عنابر المرضى وكل منها يحمل اسم علم من اساتذة الطب في السودان وتسع 26 سريراً للعلاج.

بالقاعة الكبرى تراصت بعناية مقتنيات البروفيسور الحسن وكتبه ومطوياته والأوراق والصور تحكي فصولا من مسيرة هذا الرجل العالم العلم.
هذا الرجل الذي جمع بين العلوم الأساسية والتطبيقية السريرية في مدرسة متفردة ألهمت أجيال من الباحثين ورسخت مفاهيمهم ونظرتهم الشاملة والمتقدمة لمهنة الطب.
هذا العالم الفذ الذي طعم الكتابة والنشر العلمي والأدب والموسيقى والفنون متفوقا على زمانه وأقرانه.

صفائح العظام مثل صحائفهم بيضاء متجردة تزيل الوهن والأدران والمرض، تأخذ السالكين والطامحين في إلفة وحنو لطريق الجد والفوز والعمل.
بعد أن وجه بإضافة صفحات من سجل مركز الكلازار بدوكة بالصالات والبهو الخارجي للعنابر مدللاً على عظم دور هذا المركز واختياره لمنطقة نائية كانت تحتاج إلى الحياة والنماء والعلاج.

جلس بتؤدة في القاعة الكبرى يحدث تلميذه الكبير عن مواقف وذكريات ومحطات من حياته وتجاربه الشخصية مع المرضى والحالات الغريبة والنادرة.

اعتاد أهل السودان بالأرياف أن لا يصلوا إلى الطبيب إلا إذا اشتد المرض وزاد الألم، واليوم السودانيون تحت وطأة الفقر وكوفيد19 وبنية صحية متهالكة، يعود اليهم اسم البروفيسور أحمد محمد الحسن، من جديد، بلسما يشفي الجراح والروح ويعيد الثقة بالنفس والموارد ورحمة ﷲ.
نعم وقد شيد له مركز أبحاث المايستوما وتلميذه البروفيسور أحمد حسن فحل مركز الحسن للأبحاث السريرية للأمراض المدارية المهملة بمستشفى سوبا الجامعي العتيق، متيمنا بحمل هذا الاسم المبارك وليدور قمرا يهدي الباحثين حتى يتوصلوا لعقاقير تذهب الألم وتشفي الناس وتسكت الأنين، اسم يحمل الوفاء إذ لا يعرف الفضل إلا أهل الفضل، اسم يحمل التوقير والاحترام، ويمضي كسبا مستحقا لعالم وعامل من أهل السودان والمجد لقدوة ومدرسة،لمثال في النبوغ والتميز، لرمز وطني إمتلأ حبا وعلما وفنا،يعيش بيننا بغير من وبردة وحلة ملكية وتاج لا ينتظر شكر أو تمثالا ينصب، تحتفل منابر الإعلام بغيره من النجوم والمشاهير وهو بعيد ثاو في خلوته لا تعرفه الكاميرا ولايقترب منه المايكرفون، وإن كان كل الناس يحتاجون لقراءة سيرته وتلمس طريقه والوقوف على تجاربه يحتاجون النظر الى تواضعه وسمته ووقاره، إلى مجلسه وحديثه ورقته وانسه ولطفه لعلمه الزاخر، إلى حديثه وسرده العطر الرقيق.

ولد البروفيسور أحمد محمد الحسن، في مدينة بربر وتوفيت أمه وهو صغير بعد أن انجبت أخيه تحت الأنين والمرض، فحفر ذلك في نفسه عميقا عميقا ورسخ من يومها لديه حب مهنة الطب ودراسته.
نافس بقوة حتى وجد مقعدا في المدرسة الأولية ببربر وحرص على التربع فى مرتبة الأول حتى انتهى من دراسته الجامعية، وما هي إلا سنوات حتى نال درجة الدكتوراه فى بحث متميز عن الطوحال كجزء من الجهاز المناعي، ثم واصل أبحاثه في مجال الأورام والأمراض المتوطنة.
تولى منصب عميد كلية الطب بجامعة الخرطوم في العام 1970م.
أصبح وزيراً للتعليم العالي وحقق انجازات وأعمال كبيرة خلال فترته القصيرة في الوزارة التي أصر فيها على اصطحاب مجهره داخل مكتب الوزارة.

أسس معهد المختبرات الطبية والذي اصبح الآن كلية المختبرات الطبية بجامعة الخرطوم.

كان أول رئيس لمجلس أبحاث المجلس القومي للبحوث.
كثيرون من الناس لا يعرفون صورته وشخصه وسيرته، لكن مجموعة مقدرة من تلاميذه يعرفون مقامه وفضله، اختاروا أن يحتضن مستشفى سوبا الجامعي صورته وسيرته واسمه في مركز الحسن الجديد، رجل صعد سلم المجد بالعرق والسهر والانفاق من ماله الخاص والشباب والاجتهاد والخلوة مع الكتب والمجهر، وكل ذلك لمن يعرف التجرد والاخلاص ونكران الذات والتفاني وحب العمل، فحق أن يخلد اسمه مع سجلات السابقين الذين ما زال التاريخ يروي سيرتهم وفتوحهم وكشفهم وابتكاراتهم وافكارهم ومدارسهم الفلسفية والفكرية لمئات السنين ولمختلف العهود.
قيثارة الزمن الجميل والحنين والأوتار توقع اللحن الدافيء الحرير، ولجين الماء يجري على ربى السودان والتلال والسهول، يعانق خضرة دوكة وشبورة الطل على أطراف الهضبة الحبشية بالقلابات والمتمة، وسمسم القضارف يحلي فطائر العشاق في مجلس الأصيل، ومكسرات القنقليز تملأ الاكواب تحت ظلال الرهد ومداخل المدينة الأبيض الرمال، وعند مضارب طيبة أبقار الرعاة القادمة عبر مسادير ومرحال النشوق، والثور عليه عروس الأرياف وعطرها ومتاعها والأثواب ورجز الهداي من ميري الخزان والدلنج وصفارة الراعي واوتار الربابة ونفخ الوازا وضربات النقارة والنحاس والطار ووقع الطبول.

كلها مع قيثارة الحسن مقام ناي وصبا ومردوم، تغرد مع الكناري والقماري وتحمل أسراب الطيور المهاجرات رسالة ومنديل إلى الحبيب عليه نقش الحرير أحمر أو اخضر أو اسود أو أبيض، تنزل بالافق البعيد شراعا يحمل علم السودان وعلى جنباته شعار وراية مركز الحسن في يوم الافتتاح الكبير.
اليوم يضع العالم الحسن مزماره بعد أن عالج الروح ويمسك بمجهره من جديد يعالج الاجساد، نصف قرن من الزمان، 180الف ليلة ويوم لم ينقطع فيها نفعه وعلمه والعطاء.

محمود خالد:
منصة المايستوما الإعلامية
7/9/2021م

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إغلاق