مقالات

العيد في قريتي “ألتي”

عرفة صالح:

ما أجمل العيد وما أسعده في وطنك الأم، وطن المولد والمنشأ ومرتع الصبا وسط الأهل والأقارب والأحباب، وأنت تجول بينهم بكل أريحية.
إنه شعور لايوصف ولا يمكن أن تترجمه كلمات أوجمل أوتعبير إنشائي يأتي في لحظات عابرة، إنه إحساس وشعور وذكريات وأنت تلامس كل أهل القرية في لحظات سعادة تفوق حد التصور.
في مكان الصلاة الطاهر المكان الذي يجتمع فيه أهل القرية تتشكل لوحة مجتمعية زاهية من الرجال والنساء والشيوخ والكهول والشباب والأطفال وهم يصطفوف لصلاة العيد وسط حركة الأطفال غير المنتظمة بين الصفوف ونفوسهم مليئة بالبهجة والسرور يطلقون العابهم ببراءة لا يكترثون أن ألعابهم تسبب الازعاج والتوتر للكبار وربما تخرجهم من جو الصلاة، ولكن بفرحة العيد ونشوة السعادة تمر هذه الأحداث مرور الكرام دون مساءلة أو توبيخ لمن قام بالفعل الذي يربك المشهد.
وما يميز صلاة العيد في قريتي الحبيبة (التي) اصطفاف الجميع لتبادل التهانئ والمعايدة صغيرهم وكبيرهم في سعادة غامرة واريحية تامة والجميع يتاسبق بالتهنئة بالعيد للآخر قبل ان تصله ليدخل لك السرور في نفسك أولاً .
إن أهالي (ألتي) رغم متغيرات الحياة وظروف المسغبة والظروف الاقتصادية الطاحنة التى تعيشها البلاد ظلوا يحتفظون بملامحهم الأصيلة ويتمسكون بعاداتهم وتقاليدهم المحفورة في ذاكرتهم، والتي ربما تكون تلاشت في بعض قرى السودان، ومن أهمها زيارة البيوت بانتظام وبنفس نسق الأعياد السابقة فرادى وجماعات لمعايدة كبار السن والمرضى الذين تحول ظروفهم الخروج من المنزل ومشاركتهم الآخرين الأفراح من ساحة الصلاة حيث أنه لامجال لأن تتخطى أي بيت أو شخص يتجول عبر الطرقات فالجميع يتسامي ويتصافح ويترفع عن الصغائر لعظمة المناسبة مرضاة لله عز وجل واتباع لسنة المصطفي في تعظيم مكارم الأخلاق وقيم التسامح والتصالح والعفو والتسامي فوق الجراحات.
وفي ساحة صلاة العيد في (ألتي) هناك تقليد من الصعب تجاوزه فبعد انتهاء خطبة العيد، الجميع يصمت وينصت لسماع الاستاذ عبدالرحمن (عطرون) الذي يمسك المايكرفون وبيده مجموعة من الأوراق يطلع عليها ليتلوها بالترتيب الواحدة تلو الأخرى ليبلغ الحضور بدعوات الزواج خلال أيام العيد هذا من ناحية ومن ناحية أخرى ينقل تعازي الذين عادوا من الغربة لفقداء القرية إبان فترة غيابهم عن الوطن، وبذلك يدرك الجميع أن شخصا ما، عاد لبلدته موفور الصحة وحضر العيد وسط أهله واسرته وشاركهم الأفراح والأتراح وهو في سعادة غامرة، فضلا عن الإعلان عن بعض قضايا القرية الملحة وخاصة التى تتعلق بالخدمات من تعليم وصحة وكهرباء وقضايا اجتماعية اخري قد تكون غير منظورة لدى بعض السكان .
وعبدالرحمن عطرون كما هو متعارف عليه من الشخصيات التى تتصدر المشهد في القرية وكثيرا ماتجده في مقدمة قضايا القرية يلفت الانظار لها بغية الوصول لحلول غير مكثر للحديث سرا أو جهر ،حقا انه شخصا يستحق الثناء والتقدير لما يحمله من نوايا صادقة لتقديم ما يفيد القرية بروح وطنية خالصة لايريد جزءا ولاشكورا.

ان مناسبة العيد من أهم المناسبات الدينية العظيمة التئةي ينتظرها الصغار والكبار بفارق الصبر والتى تلعب دورا مهما وكبيرا في تعزيز قيم التواصل الاجتماعي دون قيود، فالجميع ينفعل ويتفاعل معها بكل توادد وتراحم واريحية مطلقة فحتى الذي بينك وبينه خصام أو شيء من عدم الرضا من موقف ما، يزول ويتلاشي بعظمة العيد وأفضاله التى لا تحصى ولاتعد.
إن مناسبة العيد في (ألتي) عنوان للمحبة وللتراضى النفسي والمجتمعي وفرصة للتلاقي وللحكاوي والحكايات بين الاصدقاء وللتواصل بدون حساب وممانعة وهي أيام لمحاسبة النفس ومراجعة لفترة سبقت العيد ، ومن ثم بداية لعام جديد نتمنى من الله العزيز القوي أن يكون مشرقا ومضيئا، كله خير للأمة المسلمة وللأهل بـ(ألتي)، وأن يكون عام تصالح وتسامح وتعافي لوطن ارهقته ومزقته الصراعات.
“كل سنة وانتو طيبين ولامين وينعاد علينا باليمن والخير والبركات و(ألتي) أكثر تطوراً وتلاحما وتكاتفاِ في عمل الخير وتعاوناً في إنجاز كل ما يحسن الخدمات ويجعل قريتا في المقدمة وعنوانا وانموذجا في الأعمال لكل قرى المحلية والولاية” .
ودمتم ودام الجميع بخير

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إغلاق