مقالات

عودة للذكرى الرابعة لثورة ديسمبر 2018 المجيدة

برير إسماعيل:

في البدء نترحم على أرواح جميع شهداء الثورة السودانية التراكمية عبر تاريخها النضالي الطويل حيث النضالين السياسي السِّلمي أو السيِّاسي المُسلَّح الذي فرضته ظروف الصراع السوداني الذي تحوَّل لصراع مرتبط بعملية وجود العديد من المكوِّنات السودانية غير المستعربة على قيد الحياة بعد حدوث حروب الإبادات الجماعية التي شنَّتها السلطة المركزية ضد مواطنيها و مواطناتها في عدد مقدر من الأقاليم السودانية المهمشة سياسياً و إثنياً و ثقافياً و إقتصادياً و دينياً و إجتماعياً …إلخ أي ما يُعرف في الأدبيات السياسية و الثورية بالتهميش المُركَّب و هذا التعريف يعني ببساطة تعدد درجات التهميش في السودان.

في ذكرى الثورة السودانية التراكمية المجيدة يصعب على الثوار و الثائرات تحديد تاريخ بعينه لها مع إنه لم يكن مهماً في الأصل تحديد أن المنطقة السودانية الفلانية هي التي خرجت أولاً في الشوارع الثائرة بينما أتت المنطقة العلانية السودانية في المرتبة الأخيرة فالقضية المركزية تتمثل في أن كل المناطق التي ثارت ضد المظالم الكيزانية و المظالم التاريخية المتراكمة كانت مناطق سودانية خالصة و عليه فإنَّ عملية خروج منطقة سودانية بعينها أولاً للشوارع لا يعطيها حقوقاً في الحرية و العدالة و السلام أكثر من غيرها و كما إنه لا يعطيها القيام بواجبات ثورية و سياسية تجاه الثورة أكثر من غيرها لكي تصل بالثورة لغاياتها و أهدافها النبيلة التي إنطلقت من أجلها.

في هذه الذكرى المجيدة نقول : الحرية لسجناء الرأي في سجون المنظومة الإنقلابية الإجرامية و عاجل الشفاء للجرحى و العودة الآمنة للمفقودين و القصاص من القتلة لدماء الشهداء و فرض عين وحدة قوى الثورة العريضة على برنامج الحد الأعلى لتحقيق أهدافها النبيلة التي ضحى من أجلها الثوار والثائرات.

في ذكرى ثورة ديسمبر المجيدة لا زالت الحوارات السودانية الموضوعية في غالبها الأعم عن مُصطلح الجلابة السياسي مستمرة بالرغم من حساسية بعض المحسوبين/ات على قِوى الثورة العريضة من الإستخدامات الخاطئة للمصطلح في الكثير من الأحايين من قِبل أيضاً الكثير من المهمشين/ات المحسوبين/ات على قِوى الثورة العريضة.

في قراءتي المبسَّطة لهذه الحوارات السياسية و الثقافية و الفكرية و الإثنية والدينية والإقتصادية الهامة حول مصطلح الجلابة السياسي أعتقد أن الحساسية الكبيرة من إستخدامات المصطلح سببها التعميم المخل للإستخدامات السياسية للمصطلح في المخيلة السودانية الثائرة ضد المظالم التاريخية من جانب و في مخيلة الذين يتم إدراجهم في قائمة جلابة السُّلطة بسبب إنتماءاتهم الإثنية و الثقافية و الدينية من جانب آخر و إن كان الذين تمَّ إدراجهم في قائمة مصطلح جلابة السُّلطة أنفسهم من الثوار الذين يعيشون في الدرك الأسفل في السودان من جميع الجوانب بسبب معاناتهم من كبت الحريات و من النقص في الخدمات التعليمية و الصحية و من تردي البنى التحتية و من الإضطهاد و من الفقر المدقع …إلخ.

الرفيق العزيز عربي يعقوب السكرتير السياسي السابق للحركة الشعبية لتحرير السودان التي يترأسها القائد عبد العزيز آدم الحلو في المملكة المتحدة و إيرلندا يتناول مصطلح الجلابة السياسي بتحليل عميق إذ يطلق مصطلح جلابة السُّلطة على النخب الإسلاموعروبية التي ظلت تحكم السودان منذ الأول من يناير 1956م و إلى يومنا هذا ليفرز لهم عيشتهم في شتى المجالات من عيشة المواطنين السودانيين المهمشين تهميشاً من الدرجة الثانية إذا جاز هذا التعبير بالرغم من أنهم محسوبين إثنياً وثقافياً ودينياً على جلاَّبة السُّلطة.

المواطنون السودانيون المستعربون المحسوبون على الثقافة الإسلاموعروبية السودانية إن كانوا من الفِريشة الذين يبيعون العجور بالشطة في سوق أم دفسو أو يبيعون الفسيخ في سوق ستة بالحاج يوسف أو يبيعون البهارات في داخل متجر عبارة عن غرفة جالوص أو يبيعون القهوة والشاي في سوق الجمعة في قِرية كِريعات ليسوا هم الجلابة المقصودين في الأدبيات السياسية و الثورية للحركة الشعبية أو في الأدبيات السياسية و الثورية لدى بقية حركات النضال المسلح لأن الجلابي المقصود هو جلابي السُّلطة المحتال السياسي الذي يوظَّف عِدة الشغل الإسلاموعروبية ضد جميع المكوِّنات السودانية بما في ذلك توظيف ذات عِدة الشغل السياسية الخربة ضد المكوِّن الذي ينتمي إليه هو نفسه لتحقيق مكاسب سياسية غير مشروعة.

جلابة السُّلطة في السودان بإختصار شديد هم غالبية النُخب السياسية الإسلاموعروبية و النخب العسكرية و الرأسمالية الطفيلية وزعماء بعض الطوائف الدينية الذين يستثمرون سياسياً في الدين الإسلامي وزعماء الإدارات الأهلية و هؤلاء جميعاً هم الذين إختطفوا مؤسسات الدولة السودانية منذ خروج المستعمر الإنجليزي من السودان و لازالوا مسيطرين على مقاليد السلطة في البلد و بدرجات سيطرة متفاوتة بينهم إلى يومنا هذا.

يتساءل البعض هل هناك ضرورة لربط الحديث عن مصطلح جلابة السُّلطة بالعنصرية في السودان؟.

الشاهد أن عملية ربط الثوار الذين يتحدثون عن مصطلح جلابة السُّلطة بمعاداة العروبة والإسلام و بأنهم عنصريون و بخبث و مكر سياسين يقوم بها جلابة السلطة أنفسهم في حالة أن تمت عملية تعميم هذا الخطاب السياسي الرافض لمنهج جلابة السُّلطة من قِبل الثوار المهمشين تهميشاً مُركَّباً ليشملوا به ملايين المواطنين السودانيين الكادحين المحسوبين على النخب الإسلاموعروبية التي إحتكرت صناعة القرار السياسي في البلد.

لذلك لابد من فرز الكيمان السياسية ليكون مصطلح الجلابة السياسي واضحاً في أذهان ملايين السودانيين المهمشين و من كل المكوِّنات السودانية ليتوحدوا من بعد ذلك ثورياً لهزيمة دولة المليشيات العسكرية والأمنية والشُرطية أي هزيمة دولة الرأسمالية الطفيلية المستثمرة في الدين وفي العروبة التي أسسها جلابة السلطة منذ خروج المستعمر الإنجليزي على أن تعمل القوى التي لها مصلحة حقيقية في التغيير من أجل إقامة دولة الحرية و السلام والعدالة وهي بالضرورة الدولة العلمانية وعليه فإنَّ مصطلح الجلابة السياسي لم يكن المقصود به مطلق العرب/ المستعربين السودانيين.

في الذكرى الرابعة لثورة ديسمبر 2018 المجيدة يتساءل البعض عن من هم الذين إستهدفهم بالظلم و التهميش و بدرجات متفاوتة المشروع السياسي لجلابة السُّلطة في السودان؟

الإجابة المباشرة على هذا السؤال المباشر تقول: هم غالبية المكوِّنات السودانية بما في ذلك المكوِّنات السودانية المحسوبة على جلابة السُّلطة أنفسهم و لكن المظالم والتهميش في السودان لم يكونا في يوم من الأيام على درجة واحدة فالظلم و التهميش اللذين وقعا على المواطن السوداني المحسوب إثنياً و ثقافياً و دينياً …إلخ على النوبة ليس هو ذات الظلم و التهميش اللذين وقعا على المواطن السوداني في قرية أمسك عكازك في بحر أبيض فالأول تعرَّض لكبت الحريات و للنقص الحاد في الخدمات التعليمية و الصحية و للتردي في البنى التحتية و لحرب الإبادة الجماعية ذات الأبعاد الإثنية و الثقافية و الدينية بينما تعرَّض الثاني لكل ضروب التهميش ما عدا أن يشن ضده جلابة السُّلطة حرباً عنصرية و هنا لابد من البحث عن القواسم المشتركة العظمى في المظالم و في التهميش بين كل المكوِّنات السودانية إن أراد الجميع هزيمة المشروع الإسلاموعروبي الكبير الأبعاد لجلابة السُّلطة في السودان.

هل تمتهن المكوِّنات السودانية غير المحسوبة إثنياً وثقافياً ودينياً …إلخ على المشروع الإسلاموعروبي وحدها المهن ذات الدخل المحدود أو ما تعارف عليها بمصطلح (المهن الهامشية) مع التحفظ الكبير على المصطلح نفسه و على دلالاته الثقافية التي تحتقر المهن نفسها و بالتالي تحتقر الناس الذين يقومون بها في المجتمعات السودانية العريضة فإحتقار المهن لم يكن قاصراً فقط على الفهم الخاطيء للمحسوبين على المشروع الإسلاموعروبي في السودان بل نجد أنَّ هذا الفهم القاصر ظلَّ موجوداً في أو ساط كل المكوِّنات السودانية و لأسباب معروفة لها علاقة مباشرة برداءة التعليم في البلد؟.

يُحكى أن مواطناً سودانياً محسوباً على أحد المكوِّنات السودانية المحسوبة بدورها على المكوِّن الإسلاموعروبي قد أسس شركة للنظافة و كما إنه شيَّد حمامات في السوق الكبير في إحدى المدن السودانية كان يرتادها المارة بمقابل مادي و بمرور الوقت نجح هذا الإستثمار و أصبح المواطن رأسمالياً وطنياً كبيراً و لكن بسبب إحتقار المهن في مخيلة أهله و مخيلة غيرهم أطلقوا على شركته الناجحة إسم شركة (هراري) ليتم ربط إسم الشركة بالحمامات تحقيراً للمهنة و لصاحبها.

الشاهد أن غالبية السودانيين و من كل المكوِّنات السودانية يقومون بأداء أعداداً كبيرةً جداً من المهن ذات العائد المادي الضئيل و لذلك لا يستطيعون توفير الحياة الكريمة لهم و لأسرهم و لكن يلاحظ الكثيرون أن درجات القيام بهذه المهن متفاوتة بين المكوِّنات السودانية المختلفة لنصل لنتيجة مفادها أن عدد الذين يمتهنون هذه المهن ذات العائد المادي القليل جداً والتي يحتقرها غالبية جلابة السُّلطة أنفسهم و تحتقرها كذلك الكثير من حواضنهم الإجتماعية أكبر لدى المكوِّنات السودانية التي لا ينتسب إليها جلابة السُّلطة مقارنة بعدد الذين يمتهنون ذات المهن و لكنهم محسوبين على جلابة السُّلطة و هنا يجب على قوى الثورة العريضة ملاحظة وجود القاسم المشترك الأعظم بين الذين يمتهنون هذه المهن.

التعبير الشعبي: (الشغلة ما شغلتنا لكن الظروف جبرتنا) و مدى صحة ربط هذا التعبير بجلابة السلطة و بموروثاتهم الثقافية:

هذه المقولة يقولها عدد كبير من المحسوبين على جلابة السلطة و يقولها كذلك عدد كبير من المحسوبين على المكوِّنات السودانية الأخرى في الغالب الأعم بجهالة لأنهم لا يقدرون العمل كقيمة ولذلك نجد أن عامل النظافة في المملكة المتحدة على سبيل لا الحصر لا يمكن له أن يردد هذه المقولة لأنه ببساطة شديدة يعرف قيمة العمل و قيمة إنه هو نفسه لديه دور كبير يقوم به في المجتمع بمقابل مادي يوفر له و لأسرته الحد الأدني من الحياة الكريمة و إن لم يكن هذا الراتب كافياً سوف تدعمه الدولة مالياً عبر مؤسساتها الراشدة لسد النقص ليعش معززاً و مكرماً في بلده.

في ذكرى ثورة ديسمبر المجيدة نتحدث عن سؤال المليون وهو سؤال الهوية في السودان:

لقد ظلَّ سؤال الهوية في السودان سؤالاً مركزياً مشروعاً و لم يكن في يوم من الأيام سؤالاً للترف الفكري و السبب في طرحه هو تجيير مؤسسات (الدولة الوطنية) و العمل على ربطها عبر عشرات السنين بهوية عربية إسلامية من قِبل جلابة السُّلطة و في غياب إعتراف مؤسسات الدولة و في عدم إعتراف الكثير من حواضن جلابة السُّلطة الإجتماعية بالتعدد الهوياتي في البلد و لذلك ليس صحيحاً ربط هذا السؤال المشروع بالعنصرية كما يحاول بعض المحسوبين على الأيديولوجيا الإسلاموعروبية أن يؤسسوا لذلك.

في ذكرى ثورة ديسمبر المجيدة لازالت الحوارات الفكرية الموضوعية في غالبها الأعم بين التيارات السياسية و الثورية السودانية المختلفة عن حق تقرير المصير و ربط هذه الحوارات بعلمانية الدولة مستمرةً و لن تتوقف هذه الحوارات الهادفة ما لم تصل لأهدافها الإستراتيجية التي تعني ببساطة شديدة وجود خياران لا ثالث لهما في السودان فإما إقامة دولة سودانية علمانية تحترم جميع مواطنيها و مواطناتها و تكون على مسافة واحدة من الجميع أو أن تطالب المكوِّنات السودانية التي تعرِّضت لحروب إبادات جماعية لأسباب إثنية وثقافية و دينية و إقتصادية من قِبل غالبية جلابة السُّلطة بحق تقرير مصيرها.

العصمة السياسية التي ظلَّ يمتلكها جلابة السُّلطة لعشرات السنين في السودان هي التي تسببت في الإستمرار في عملية المماحكات و المغالطات السياسية حول حق تقرير بالرغم من شن دولة جلابة السُّلطة نفسها لحربين للإبادة الجماعية في البلد حيث جرت أحداث الحرب الأولى في جنوب السودان و راح ضحيةً لها ملايين السودانيين و قد تجاوز عدد الشهداء في جنوب السودان كل من شهداء الجزائر أرض المليون شهيداً و شهداء كرري مجتمعين و بالطبع غنَّت الكثير من النخب السودانية لكرري و لشهداء الجزائر و لشهداء إعتصام القيادة العامة لمليشيا الجيش السوداني و للكثيرين غيرهم و لكن لم ينل الشهداء في دارفور و جبال النوبة و جنوب النيل الأزرق و في الجنوب نصيبهم من التغني بنضالاتهم في المخيلة الإسلاموعروبية السودانية و بالطبع جرت أحداث حرب الإبادة الجماعية الثانية في الجنوب الجديد دارفور و جبال النوبة و جنوب النيل الأزرق و تجاوز عدد ضحاياها نصف المليون مواطناً سودانياً و بكل تأكيد هناك عوامل كثيرة كانت مُحرِّكة لهذا الصراع من بينها العوامل الإقتصادية المرتبطة بالصراع حول الموارد و لكن تأتي في مقدمة هذه العوامل التي جعلت الدولة المركزية تشن الحروب العبثية ضد مكوِّناتها هي الإختلافات الإثنية و الثقافية و الدينية المرتبطة بصراع الهوية و بالنظام السياسي في البلد.

في تقديري إنَّ العِصمة السياسية الأحادية هي التي تسيطر على طرائق تفكير غالبية جلابة السُّلطة و لذلك لا يقبلون من حيث المبدأ أن تتناول المكوِّنات السودانية التي تعرِّضت لحروب الإبادة الجماعية قضية حق تقرير المصير لعدم أهلية هذه المكوِّنات لذلك من منظور غالبية جلابة السُّلطة و هي نفس طريقة التفكير الأحادية المسيطرة على مؤسسة الزواج التقليدية في السودان.

تناست غالبية جلابة السلطة في السودان والتي تعيش الآن بعقلية القرن السابع الميلادي أن حق تقرير المصير ليس بمنحة من أحد و لذلك من حق جميع المكوِّنات السودانية التي تعرَّضت لمظالم تاريخية أن تتحدث عنه و تستخدمه وفقاً لتقديراتها السياسية متى ما رأت هي ذلك مناسباً و في ذات سياق الحديث عن حق تقرير المصير المشروع إنه فرض عين على جميع مكوِّنات قوى الثورة العريضة أن تتوحد و تعمل بجدية من أجل أن تصل الثورة السودانية لغاياتها النهائية المتمثلة في إقامة دولة الحرية و السلام و العدالة ألا وهي الدولة السودانية العلمانية للحيلولة دون ممارسة المكوِّنات السودانية التي تعرَّضت للمظالم التاريخية و للحروب العبثية وصولاً لمرحلة الحروب (الجهادية المقدسة) من منظور الذين أقدموا عليها ممارستها لحق تقرير المصير.

العنتريات السياسية التي يرددها بعض المحسوبين على قِوى الثورة العريضة من شاكلة لن نفرط في وحدة السودان إلا على جثثنا فقد رددها قبلهم الكيزان تجَّار الأفيون و الدين علماً بأن طريقة تفكير هؤلاء الناس المحسوبين على الثورة مردها وجود الكِويِّز الصغير المربوط في داخل مخيخ كل منهم على حدة بسبب التربية الإجتماعية و التعليمية و السياسية لأنَّ الكوزنة نفسها سلوك و طرائق تفكير و ممارسة يومية.

في الذكرى الرابعة لثورة ديسمبر 2018 المجيدة فإنَّ التجربة السياسية العملية للأحداث السياسية التي وقعت بعد 11 أبريل 2019م أثبتت بأن الوثيقة الدستورية ست الإسم في أغسطس 2019 كانت الإنقلاب الأكبر و أن إنقلاب 25 أكتوبر 2021 كان محطة هامة من محطات الإنقلاب الكيزاني المتدرج و أن إنقلاب د.حمدوك و البرهان كان أيضاً من محطات الإنقلاب و أن الإتفاق الإطاري الأخير سيكون من المحطات الكبرى للإنقلاب الكيزاني التي ربما تجاوزت أضرارها السياسية محطة إنقلاب الوثيقة الدستورية نفسه و لذلك فإنَّ السؤال الذي يطرح نفسه بقوة هو هل ستواصل القوى الثورة العريضة في مصارعة طواحين الهواء بعد مصارعتها لبعضها البعض? أم أنها ستبلغ سن الرشد السياسي ليكون لديها عدواً واحداً هو اللجنة الأمنية لنظام الجبهة الإسلامية القومية و مليشياتها العسكرية و حلفاءها في الداخل و الخارج للوصول بالثورة إلى غاياتها النبيلة.

الخلاصات تقول إنَّ الثورة السودانية المجيدة لن تستفيد في شيء من النخب القديمة التي تريد إعادة إنتاج الأزمة السودانية بإستخدامها لنفس عِدة الشغل السياسية القديمة بعد تعبئتها في كراتين جديدة و كما أن الثورة لن تستفيد في شيء من العقليات المهمشة التي تعرَّضت لمظالم تاريخية و لكنها تستخدم خطاباً سياسياً فيه من التعميم الكثير ملخصه هو تجريم كل المحسوبين إثنياً و ثقافياً و دينياً على جلابة السُّلطة و في نفس الوقت تعمل على تبرئة كل المحسوبين على المظلومين تاريخياً من التقديرات السياسية الخاطئة لأن مثل هذا الخطاب المشاتر سيساعد معسكر جلابة السُّلطة الآيل للسقوط الآن على ترتيب أوراقه السياسية من جديد ليتمكَّن من إطالة عُمر الأزمات السودانية التي ظلت تراوح مكانها منذ حدوث ما يُسمى بالإستقلال و الذي كان في حقيقته إستغلالاً من قِبل جلابة السُّلطة لملايين السودانيين/ات و بدرجات إستغلال سياسي و إقتصادي و ديني مختلفة بما في ذلك إستغلالهم لحواضنهم الإجتماعية.

الخلاصات تقول لن تقف التقديرات السياسية المجرَّبة و الخاطئة في طريق الثورة السودانية المجيدة كما في حالة الإتفاق الإطاري الحالي الذي يجب على جميع قوى الثورة الحيَّة العريضة تجاوزه ببرنامج الحد الأعلى للثورة بعيداً عن الإعتماد على الهتافات و الشعارات الثورية وعلى إعمال منهج التخوين و التخوين المضاد الذي سيصب في مصلحة اللجنة الأمنية لنظام الجبهة الإسلامية التي تراهن دوماً في تكتيكاتها و إستراتيجياتها على تخوين القوى المحسوبة على الثورة لبعضها البعض.

على ذكر الإتفاق الإطاري الذي وُلِدَ يتيماً بلا سند جماهيري فإنَّ التاريخ السياسي المعاصر أخبرنا بأن المآلات النهائية لغالبية الإتفاقيات السياسية التخديرية التي أبرمتها قوى المعارضة السودانية إن كانت معارضتها مرتكزة على النضال السياسي السِّلمي أو على النضال السياسي المسلح مع مركز السلطة الشمولية في البلد لم تكن في مستوى تطلعات و آمال الحركة الجماهيرية بسبب عدم مشاركة مكوِّنات الحركة الجماهيرية الثائرة في صناعة هذه الإتفاقيات للدفاع عنها في حالة حدوث أي إنتكاسة محتملة لأن الجماهير هي الفاعل الحقيقي في هذا العصر و بالتالي هي صمام الأمان الأول و الأخير لأية عملية سياسية جادة و شاملة تكون من صنع مكوِّنات الحركة الجماهيرية بالرغم من أهمية تعامل قوى الثورة العريضة غير المشروط مع المجتمعين الإقليمي و الدولي كل على حدة لتحقيق الأهداف العليا للثورة.

الثورة السودانية مستمرة و النصر أكيد

كارديف -20 ديسمبر 2022م

الوسوم

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إغلاق