مقالات

بي بي سي عربي.. غداً آخر ظهور

ياسر جبارة:

الواحدة بتوقيت غرينتش غداً الجمعة ستتوقف نبضات إذاعة (بي بي سي عربي)، سيتوقف وميض الذبذبات الذي ظل يخفق على مدى ثماني عقود ونصف العقد.
ستغدو بي بي سي خبراً على صفحات الجرائد والفضائيات، سيفقد ملايين المستمعين على امتداد العالم العربي بدوهم وحضرهم المتعلم منهم والأمي وقع دقات ساعة (ببغ بن) لاسيما وأن كثيرين منهم عايشوا معها أحداثا وأزمات ارتبطت ببلدانهم وحياتهم في ظل غياب الإعلام الحر والأنظمة التي تعمل على تغييب شعوبها وتضلليهم قبل تمكن بعضهم من خدمات الاتصال الرقمي.
(بي بي سي) وإن كانت بريطانية إلا انها إحدى أكثر المحطات التي ساهمت وأتاحت الفرصة في التعبير عن وجهات النظر لدى المسؤولين والحكام والمواطنين العرب، وكانت منبراً للثقافة والمثقفين وعاملاً مهماً في تطور الإعلام العربي.

تمتعت بي بي سي بقدر واسع من الاستقلالية الأمر الذي وجد استحسانا من بعض الزعماء والسياسيين على مستوى العالم، حيث أشاد بنهجها نيسلون مانديلا كما أنها نجحت إلى حد كبير في اجتياز محك الاستقلالية حين شاركت بريطانيا في العدوان الثلاثي على مصر وكان الانحياز الموضوعي لها إلى صف الشارع البريطاني الرافض للعدوان مدعاة لغضب رئيس الوزراء البريطاني عليها آنذاك.
تميزت بي بي سي بأسلوب لغوي  خاص انتج فيما بعد اللغة الإذاعية لمعظم المحطات التي تستهدف جمهورا متنوعا، ذاك الأسلوب الذي تكسوه الأصوات التي تنطق عن إلفة روحية وعذوبة ظلت تتوارثها أجيال بي بي سي.

شكلت بي بي سي هاجسا للديكتاوريات حيث قام نظام المخلوع عمر البشير بإغلاق مكتب الإذاعة بالخرطوم واعتقل مراسلها آنذاك الأستاذ كمال حامد.
وارتبط جمهور واسع ومتفاعل من السودانيين بالإذاعة وبرنامجها السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية.
وما وزال قطاع واسع من المستمعين في متاجرهم ومزارعهم يتخذون من بي بي سي رفيقا لهم كما هو الحال مع مؤمن من سكان جزيرة توتي بالخرطوم حيث ظل مؤشر الراديو في سيارته مثبت عند بي بي سي دائما، ويقول إنه لا يستمع لغيرها.

٢٨مليون يورو فضت سامر الإذاعة التي يمتلكها ملايين المستمعين وتمولها بريطانيا العظمى، أمر صعب تفهمه لدى عشاق الإذاعة التليدة، التي تقول إنها ستكون موجودة دوما على المنصات الرقمية.

المهنية العالية صبغت أخبار وبرامج الإذاعة العريقة بالموثوقية والدقة في الإسناد للمراجع والمصادر وذوي الخبرة والاختصاص، ولا يقدح في سيرة المهنية الناصعة تراجعها في بعض الأحيان في السنوات الأخيرة على مستوى الدقة.

ومن ذلك أن الإذاعة كانت تعنون ملف السودان عقب انقلاب ٢٥ أكتوبر ٢٠٢١ بالأزمة في السودان وهو أمر تراجعت عنه لاحقاً، ووصفت الأمر بالانقلاب.
بي بي سي عشق توارثته أجيال من المستمعين أجدادا ووالدين وأحفادا، لتتخلد عبر الأثير في الذاكرة انفاس ممن أحبوا ومما أحبوا.

 

الوسوم

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إغلاق