مقالات

حول الصراع بين قيادة الجيش المؤدلج وقيادة مليشيات الدعم السريع

برير- إسماعيل:

الشاهد أن قادة الجيش السوداني المؤدلج و قادة مليشياته العسكرية المسماة بالدعم السريع يبحثون عن الغطاء السياسي للإستمرار في السلطة من أجل حماية المصالح الكيزانية و إن أظهر الجميع نوعاً من الخلافات العسكرية و السياسية بينهم بمناسبة و بدونها.

إنَّ حقيقة الصراعات العسكرية و السياسية ما بين قادة جيشنا السوداني المؤدلج القاتل لشعبنا و السافك لدماء المواطنين عبر تاريخه الطويل و بين قيادة مليشياته العسكرية المسماة بالدعم السريع و التي فعلت الشيء نفسه هو البحث عن السلطة وبالتالي الإستمرار في سرقة الثورة المجيدة.

كل القرائن تؤكد بأن الصراعات العسكرية الكلامية والسياسية بين القيادة العسكرية الكيزانية التي إختطفت الجيش السوداني وعملت على أدلجته و القيادة العسكرية لمليشيا الدعم السريع لا تخدم قضايا الثورة السودانية في شيء و لن تخدمها في المستقبل.

مع كل ذلك ليس من مصلحة السودان ومصلحة ثورته العظيمة دخول هذه المليشيات العسكرية إن كانت جيشاً أو دعماً سريعاً في حرب حقيقية لأن الخاسر الأول والأخير منها سيكون غالبية المواطنين والمواطنات و في كل أنحاء السودان.

لم يسبق لا للجيش السوداني و لا لمليشياته العسكرية المسماة بالدعم السريع أن خاض كل منهما على حدة أو أنهما قد خاضا معاً أية معركة حربية ضد أي من الأعداء الذين قدموا من خارج الحدود لغزو و إحتلال السودان منذ أن تمَّ تأسيس الجيش بإسم قوة دفاع السودان في عام 1925 على يد المحتل البريطاني و بينما تمَّ تأسيس مليشيا الدعم السريع على يد النظام الكيزاني في عام 2013 ذلك النظام القمعي الإرهابي العنصري الذي لازال موجوداً بكل (عِدة شغله).

معلوم بالضرورة أن كل الحروب التي خاضها الجيش السوداني كانت ضد الشعوب السودانية الثائرة بسبب المظالم التاريخية في هوامش و أطراف البلد بعد أن تمَّ تسييس هذا الجيش من قِبل غالبية مكوِّنات القِوى السياسية السودانية من أقصى يمينها إلى أقصى يسارها.

لقد شارك هذا الجيش السوداني المسيِّس بإمتياز في كل الإنقلابات العسكرية في عهد الدولة الوطنية أي في عهد دولة ما يسميه الكثيرون بالإستقلال و الذي كان في حقيقته إستغلالاً من قِبل نخب قليلة لغالبية المواطنين و المواطنات في السودان و بدرجات إستغلال متفاوتة تبدأ من كبت الحريات و من غياب الخدمات التعليمية و الصحية و من ترديء كذلك البنى التحتية …إلخ وصولاً لشن نظام الجبهة الإسلامية القومية للإبادتين الجماعيتين الأولى في جنوب السودان و الثانية في دارفور و جبال النوبة و جنوب النيل الأزرق.

يُعتبر الجيش السوداني من الجيوش القليلة في العالم التي أنجبت أعداداً كبيرة من المليشيات العسكرية لمقاتلة شعوبها حيث أنجب هذا الجيش السوداني الهمام قوات المراحيل والدفاع الشعبي و الدبابين وحرس الحدود والجنجويد والدعم السريع والقائمة تطول.

في عهد الجبهة الإسلامية القومية أصبح الجيش السوداني جيشاً مجاهداً يوزع كبار قادته الكيزان الجنان على المقاتلين في ساحات المعارك العبثية في داخل البلد و بالتحديد في أقاليمها المهمشة سياسياً و ثقافياً و دينياً و إقتصادياً …إلخ و إن كان لابد للجيش السوداني و مليشياته العسكرية المقاتلة من الدخول في حرب في خارج السودان فلم يتجاوز هدف تلك الحرب عملية الإرتزاق لجلب المال كما هو حادث الآن في اليمن الأمر الذي تسبب في إلحاق العار السياسي بكل الشعوب السودانية التَّواقة للحرية و السلام و العدالة.

كان بإمكان ثورة ديسمبر 2018 السودانية المجيدة التي جاءت عبر تراكم نضالي طويل مدني و مسلح أن تحرر هذا الجيش السوداني من القبضة السياسية و من الأدلجة و للأبد و لكن أبت نفوس قادته الكيزان المؤدلجين و الجنجويديين إلا أن يرفضوا هذا التحرير عملاً بالمثل السوداني : مرمي الله ما بيترفع و لو عايز ترفعه بيرميك معه.

الحديث هنا عن الجيش السوداني كمؤسسة عسكرية فاشية قاتلت شعوبها التي كان يجب عليها الدفاع عنها أمام الأعداء و عن عقيدة هذه المؤسسة العسكرية القتالية و عن العدو الوهمي الذي ظلت تنازله لأكثر من ستين عاماً و لذلك أجرمت مؤسسة الجيش السوداني في حق البلد و في حق غالبية مواطنيها بسبب السياسات الرعناء لغالبية الساسة و عليه لابد من ذِكر أن هناك الكثير من الضباط و ضباط الصف و الجنود الوطنيين في داخل منظومة الجيش السوداني المؤدلجة.

من أمهات الجرائم السياسية في حق الثورة السودانية الآن هي ترجيح كل من قِوى الحرية و التغيير المجلس المركزي و قادة الحركات المسلحة لطرفي الصراع العسكري و السياسي الدائر ما بين الجنرالات المؤدجلين و قادة مليشيا الدعم السريع حيث مالت قوى الحرية و التغيير المجلس المركزي لقائد مليشيا الدعم السريع تحت ذريعة دعم الإتفاق الإطاري بينما مالت الكتلة الديمقراطية التي يؤمها غالبية قادة الحركات المسلحة تجاه الجنرال المؤدلج البرهان بينما كان الأفصل للثورة عدم ترجيح كفة أي من الجنرالين المتصارعين حول الإنفراد بالسلطة لأنهما لا علاقة لهما بالثورة و إن تعلَّقا بتمثال الحرية.

لم يكن هناك أي صراع حقيقي بين الجنرالين البرهان الكوز و حميدتي المليشاوي حول تسليم المطلوبين دولياً للاهاي و كما لم يكن هناك أي صراع حقيقي بينهما حول الكشف عن هوية الذين فضوا الإعتصام و كذلك الكشف عن هوية الذين قتلوا المواطنين في الجنينة أكثر من مرتين و فتابرنو و نيرتتي و كلوقي و بورتسودان و كسلا …إلخ و لم يكن هناك أي صراع حقيقي بين الطرفين حول إسترداد موارد البلد لأهلها و لخزينتهم العامة و لم يكن هناك أي صراع حقيقي بين الطرفين حول الإبتعاد عن إتباع سياسة المحاور التي رهنت قرار البلد السيادي للكثير من دول العالم التي تبحث بطريقة لا تخدم قضايا الثورة السودانية عن تحقيق مصالحها.

ليس من السياسة الراشدة و لا من الأخلاق الثورية في شيء تقديم كل من القوى السياسية المحسوبة على الثورة و قادة الحركات المسلحة تقديمهما للدعم السريع كمليشيا خلال سنوات النضال المدني و المسلح ضد نظام الكيزان ثم تقديمهما لذات المليشيا القاتلة للشعوب السودانية في هوامش وأطراف السودان كقوات نظامية محترفة بعد الإعتراف بها في الوثيقة الدستورية و في إتفاقيات سلام جوبا وأخيراً في الإتفاق الإطاري.

إنَّ جنرالات الجيش السوداني الذين تربُّوا وترقُّوا عسكرياً في عهد نظام الجبهة الإسلامية القومية و تحصلوا على أعلى الرتب العسكرية بعد خوضهم للحروب العبثية ضد شعوبهم السودانية ينقلون الآن المعارك الحربية الكلامية إلى ساحات الأعراس و مناسبات الختان كل حسب المنطقة التي يعتقد بأن غالبية سكانها من إثنيته علماً بأن في هذا المنهج السياسي الأرعن يُعتبر بمثابة الجريمة السياسية التي تمس الأمن القومي للبلد لتهدد بدورها وحدة البلاد و تساهم في تقسيم المقسم في المستقبل القريب لو صارت الأمور السياسية بهذه الطريقة المشاترة في ظل الغياب شبه الكامل للدور الذي كان يجب أن تلعبه الحركة السياسية السودانية إلا لم تفعل ذلك لأنَّها لم تبلغ سن الرشد بعد.

فيا جنرالات الدم السوداني أعلموا بأن المناسبات الإجتماعية السودانية ليست بالمكان المناسب للحروب الكلامية وللاستعراض العسكري و كما أنها ليست بالمكان المناسب للإستقطابات الإثنية ولإرسال الرسائل السياسية عديمة القيمة الموجبة و إن كانت لديكم قوات عسكرية محترفة تستطيع النزال العسكري في ميادينه المعروفة و ليس في المدن الآهلة بالسكان المحليين فأذهبوا بهذه القوات العسكرية إلى حلايب و شلاتين و أبو رمادة من أجل تحرير هذه المناطق من قبضة الإحتلال العسكري المصري ذلك الإحتلال الذي أجرت بعض فصائل جيشه المحتل لأرضكم مناورات عسكرية في داخل بلدكم بعد أن قدم الجنرال عبدالفتاح البرهان التحية العسكرية للجنرال عبدالفتاح السيسي الرئيس المصري بوضع اليد.

عموماً لم يتبقَ لقادة الجيش السوداني المؤدلج وكذلك لقادة مليشياته العسكرية المسماة بالدعم السريع كإسم الدلع و هم على منصات المناسبات الإجتماعية السودانية من أعراس و ختان و غيرهما من المناسبات الإجتماعية إلا أن يتقدموا بتوزيع الهدايا للعرسان و للأطفال المختونين وللناس في الأماكن التي تقام فيها السِّمايات هذه الهدايا المتمثلة في الدبابات و الكلاشنكوف و العربات المدرعة والعربات المسلحة ذات الدفع الرباعي.

الخلاصات تقول لابد من وحدة قوى الثورة العريضة على برنامج الحد الأعلى للثورة اليوم قبل الغد ليكن للثورة عدواً مشتركاً هو اللجنة الأمنية لنظام الجبهة الإسلامية القومية و مليشياتها العسكرية المسماة بقوات الدعم السريع و أي عدو آخر داخلي أو خارجي يعمل من أجل المساهمة في توفير الغطاء السياسي و إضفاء الشرعية على هذه المؤسسات العسكرية ذات الطبيعة الإجرامية و في ذات السياق فرض عين على كل القوى المحسوبة على الثورة الإبتعاد عن تقديم الغطاء السياسي لأي من الجنرالين البرهان و حميدتي المتصارعين حول إحتكار السلطة بعد أن إختطفا هذه المؤسسات العسكرية المحسوبة على مؤسسات الدولة و عملا على عدم تقديم هذه المؤسسات العسكرية المختطفة لأي عمل من شأنه أن يخدم بقية مؤسسات الدولة و يخدم بالتالي جميع مواطنيها ومواطناتها.

الثورة مستمرة و النصر أكيد

 

كارديف -27 فبراير 2023م.

الوسوم

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إغلاق