مقالات

تهريب السودانيين إلى مصر

خالد هاشم خلف الله:
Kld.hashim@gmail.com
تنامت مؤخرا ظاهرة تهريب المواطنين السودانيين إلى مصر عبر الطرق الصحراوية غير المطروقة على حدود البلدين كواحدة من تداعيات الحرب التي تشهدها البلاد منذ منتصف أبريل من العام الماضي، وكنتيجة لتعقيد إجراءات الدخول بطريقة قانونية لمصر حيث بات حصول المواطن السوداني لتأشيرة دخول لمصر يستغرق شهوراً بعد التسجيل في قوائم الانتظار لطالبي التأشيرة في قنصليتي مصر في بورتسودان ووأدي حلفا وهم بالآلاف ينتظرون دورهم لنيلها، فيما تمنح التأشيرات بطريقة سلحفائية ، ورافق ذلك تجميد السلطات المصرية ميزة أعفاء بعض فئات المواطنين السودانيين من تأشيرة الدخول لأراضيها مثل الرجال من الفئة العمرية التي تبلغ الخمسين عاماً فما فوق أضافة للنساء والفتيات وهو اجراء كان معمولاً به قبل اندلاع الحرب في البلاد والتي دفعت مئات الآف المواطنين السودانيين للتوجه نحو مصر فهي الخيار المناسب لهم لاعتبارات عدة ، ولعل السلطات المصرية حاولت الحد من تدفق المواطنين السودانيين نحو أراضيها بسبب خوفها من التداعيات الاقتصادية المحتملة لموجة نزوح السودانيين هذه على بلادهم مع الظروف الاقتصادية الحرجة التي تحيا فيها مصر حالياً وكذلك خوفاً من أى تداعيات أمنية حيث تتخوف مصر من أن تتسلل بين أرتال اللاجئين عناصر مسلحة قد تشكل تهديداً لأمنها القومي أو تسلل عناصر إجرامية تمكنت من الهروب من السجون السودانية في العاصمة الخرطوم في خضم الفوضى التي أحدثها القتال بين الجيش والدعم السريع في الخرطوم ، لكن كثيرين يقولون أن السلطات المصرية تغض الطرف عن ظاهرة تهريب المواطنين السودانيين لداخل أراضيها وهو يثير كذلك كثير من علامات التعجب و الاستغراب بحسب مراقبين ، وقد ذهبت التأويلات الى استفادة مصر مادياً من دخول المواطنين السودانيين الى أراضيها بطريقة غير شرعية واضطراراهم للتسجيل في مفوضية اللاجئين حيث يمنحوا بموجب ذلك التسجيل مساعدات مادية يذهب جزءً منها للسلطات المصرية باعتبارها دولة مضيفة لهؤلاء اللاجئين مما يستوجب مساعدة المجتمع الدولي لها في مقابلة احتياجات هؤلاء اللاجئين في خدمات الصحة والعلاج وأن الا يكونوا عبئا عليها وخصماً من احتياجات مواطنيها.
حسب كثير من الأشخاص الذين ذهبوا لمصر عن طريق التهريب تنطلق عمليات التهريب من عدة مدن أو مناطق مثل مدن شندي وعطبرة وابو حمد في ولاية نهر النيل وكريمة ووأدي حلفا في الولاية الشمالية لكن أكثر مسالك التهريب المطروقة هي المسالك التي تخترق الصحراء النوبية او صحراء العتمور الواقعة بين نهر النيل والبحر الأحمر وهو عينه طريق القوافل القديم الذى كان سادته من رجال قبيلة العبابدة التي تعيش على حدود مصر والسودان وعند غزو محمد على باشا للسودان عام 1821 منح الشيخ خليفة العبادي بصورة رسمية حق تسيير القوافل على هذا الطريق من كروسكو وهى بلدة نوبية غمرتها مياه السد العالي الى ابو حمد في ولاية نهر النيل و للشيخ خليفة العبادي هذا وشقيقه بركة قصة مؤثرة انتهت بمقتله ومقتل شقيقه بركة أوردها المؤرخ البريطاني المتخصص في تاريخ الحكم التركي للسودان ريتشارد هيل في كتابه على تخوم العالم الإسلامي ، ولعل أشهر واقعتي تهريب شهدها هذا الطريق هما واقعتي تهريب أسيرى المهدية الأب جوزيف اورفالدر الذى هرب عام 1892 وسلاطين باشا الذى هرب في عام 1895 وسلكا ذات الطريق الذى يتم به تهريب السودانيين الى مصر اليوم ، وحين ادخل البريطانيون السكة الحديد للسودان التي وأكب مدها غزوهم للسودان عام 1897 اختاروا الاهتداء بطريق القوافل هذا عبر اختراق الصحراء النوبية أو صحراء العتمور ومد خط السكة الحديد من وأدى حلفا الى أبو حمد .
وفق تسجيل صوتي متداول عبر مجموعات تطبيق التراسل الفوري ( واتس اب ) لأحدى السيدات السودانيات التي تمكنت من الوصول للقاهرة مؤخراً عبر التهريب فأن رحلتها انطلقت من شرق عطبرة وبعد رحلة امتدت لأثنى عشر ساعة وصلت الى مكان يشبه المعسكر مقامة فيه رواكيب وغير بعيد عن حدود مصر وهو بمثابة محطة يقيم فيها المهربون و المسافرون معهم عبر التهريب لعدة أيام ريثما يتم إحكام تدابير إدخالهم للأراضي المصرية بطريق آمنة لهم وللمهربين الذين حسب تعبير السيدة في تسجيلها الصوتى فلهم دراية كبيرة بمسالك تلك الصحراء ودروبها التي تتيح لهم التنقل بين البلدين دون الحاجة لإجراءات السفر الرسمية بينهما وممارسة نشاطهم في تهريب البشر ، وحكت السيدة في تسجيلها الصوتي المخاطر التي تكتنف تلك الرحلة من البقاء لعدة ايام في برد قارس وتناول طعام ردئ مع غلاء سعره وهو عبارة عن قراصة بالعدس أو بالفاصوليا ، ومياه شرب مخلوطة بالبنزين أو الجازولين حتى لا يستهلكها المسافرون في تلك القفار بكثرة ، ثم لحظة الخطر الكبرى والتي تتمثل في السرعة الكبيرة التى يقود بها سائق العربة التايوتا البوكس عربته في نقاط عبوره الحدود من السودان لمصر وفى صندوق العربة الخلفي يتم ربط المسافرين باحكام بحبال تتخذ شكل شبكة تغطى الصندوق الخلفى للسيارة حتى لا يسقط المسافرين أو واحد منهم لحظة عبورهم لداخل حدود مصر وأشارت المتحدثة لحدوث كثير من حوادث انقلاب تلك السيارات ووفاة وأصابة كثير من أولئك المسافرين الذين حملهم العدوان الجنجويدى على بلادهم على ركوب تلك المخاطر، أن ما لاشك فيه أن أي حكومة مسؤولة تراعى في المقام الأول مصلحتها ومصلحة مواطنيها وتقدمهم على سواهم ولا أحد يلوم الحكومة المصرية في تقييد اجراءات دخول السودانيين الى أراضيها ، وليتنا نتعلم منهم كيف يجب علينا ان نتعامل كدولة سودانية في المستقبل مع قضية الوجود الأجنبي في بلادنا بعقلانية وبعيداً عن العواطف الساذجة مثل تلك التي اتخذناها حيال مواطني بعض الدول مثل جنوب السودان وسوريا وأثيوبيا حين اندلعت صراعات مسلحة في تلك البلدان حيث لم نكتفى باستقبال مواطنيهم فقط كلاجئين وإنما كمواطنين صحيح أن الاعتبارات الإنسانية في أوقات الحروب يجب ان يكون لها اعتبار متقدم ولكن دون الإخلال بحقوق وأمن أهل البلاد المضيفة ، لقد قدمت محنة الحرب الحالية لنا كسودانيين العديد من الدروس التي يجب أن نعيها ومنها أنه حان الوقت لأن يصبح السودان دولة عن حق وحقيقة وأن تكون لها مؤسسات قوية وفعالة تصون البلاد وهويتها وتحفظها لأجيالها المقبلة وأن لا نركن لأى عاطفة ساذجة تجعلنا نفرط في بلادنا تحت أي دعوى من الدعاوى فالحرب التي تطحنا بكلكلها حالياً هى نتيجة من نتائج تفريطنا في بلادنا وعدم صون هويتها وحفظ حق أجيالنا المقلبة فيها حتى طمع سابلة الصحراء الكبرى وشتات كثبانها الجنجويد في الاستيلاء عليها وطردنا منها .

 

الوسوم

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إغلاق