مقالات

ليت قومي استوعبوا فحوى الرسائل!!! رسائل إلى كل الإتجاهات

د. عبدالكريم الهاشمي:

مقال كتب بعد أسبوعين من سقوط النظام السابق 18/4/2019

أولا: أهنئ جميع إخوتي وأخواتي، اصدقائي وزملائي الذين راهنوا على نجاح الثوره، بل شاركوا في حراكها والتعبئة لمواكبها وتظاهراتها، و في سبيل نجاحها حُبِسوا في المعتقلات والسجون، إذ كان دافعهم حب الوطن والتغيير إلى ما هو أفضل. تمتد تهنئتي إلى جميع الثوار في الداخل والخارج.

ثانيا: إلى إخوتي وأصدقائي الخلص والصادقين من الإسلاميين في حزب المؤتمر الوطني، هكذا سنة الحياة وناموس الكون، فإن دوام الحال من المحال، وأن الأيام دول، وأن المُلك بيد الله، ينزعه أنّى شاء، ومتى شاء، وأن الله هو الخافض، وهو الرافع، يُزِلُ من يشاء، ويُعزُ من يشاء، وأن الثورة صارت حقيقة ملموسة، أفرزت واقعا جديدا يستلزم التعاطي معه بحكمة ويغظة، دون إنفعال أو تعصب لماضي قريب. وإعلموا أن السواد الأعظم من الشعب، لم ينتفض ويثور ضد المبادئ السامية التي دعوتم لها، إنما ثار ضد الفساد والإستبداد والإفتراء والظلم والمحسوبية التي مارسها من أسندت إليهم الأمور في إدارة شأن الدولة من النفعيين والانتهازيين، فضاعت في خضم الكم الهائل من الإخفاقات والفساد الإداري والمالي تلك المبادئ السامية والمقاصد النبيلة. فلتكن الفترة القادمة استراحة محارب لتنظيم الصفوف، وتهذيب النفوس، وإستخلاص الدروس والعبر، وتعزيز إيجابيات التجربة ومعالجة السلبيات.

ثالثا: إلى إخوتي وأخواتي الثوار، لقد إنتزعتم إعجابنا بعزيمتكم التي ما لانت، وإرادتكم التي ما خارت، وتفاؤلكم المتقد، ويقينكم الذي لم يتزحزح في إسقاط النظام السابق، فتحقق لكم ما أردتم، وأدهشتم العالم بإنتفاضتكم المجيده. إخوتي الثوار إن المكاسب التي تحققت لعظيمة وجليلة، أغرت الكثيرين بالالتفاف عليها وسرقتها والتفاخر بإنجازها، الأمر الذي يحتم عليكم المحافظة عليها باليغظة والوعي، وتفويت الفرصة على الانتهازيين لمصادرة ثورتكم المجيده، فلا تُستدرجوا لمجهول، ولا تتعنتوا أمام معقول، فمن لا يُدرك كله لا يُترك جله. تحلّوا بالمرونة المدركة، والدبلوماسية الراشدة في تحقيق مطالبكم، إهتدوا بحكمة ورشد الشيوخ غير الطامعين في مصادرة جهدكم، ولا تنكفوا على تصوراتكم وأفكاركم فقط، دعو مساحة للخبرة والتجربة والدربة. إتفقوا على المضامين والقواعد العامة، والمبادئ الكبيرة التي لا يختلف عليها العقلاء بعيداً عن الشعارات الفضفاضة، ولا تنجروا وراء الحوارات الفجّة والسطحية التي تعبر عن مظاهر العُقم الفكري، والافلاس السياسي، وهدر الوقت. ابتعدوا عن مواطن الاثارة والتجييش والتعبئة المتكئة على منهج الاستفزاز والإغاظة واثارة كوامن التعصب والتحزّب. لا تصرفوا أنظاركم عن الحقائق الواضحة، ولا تلتفتوا الى فرقعات القنابل الضبابية التي تنبجس منها الأغراض المشبوهة والأجندات الخفية. إعملوا على خلق وإستحداث مساحة للاحترام المتبادل بين اتجاهاتكم السياسية والفكرية المختلفة، وتعظيم مواطن الاتفاق وتضييق مساحات الخلاف، والبعد عن مواطن الفتن، والاعتراف بالآخر، والعيش المشترك تحت سقف القانون والدستور والقيم والموروثات الاجتماعية الارحب مساحة والأعظم اتساعاً.
رابعا: إلى الأحزاب السياسية التقليدية والأحزاب التي أنشأتها حكومة الانقاذ، وحركات دارفور المشاركة في الحكم، كفى تهافتا على السلطة، فلقد نهلتم من إناء الإنقاذ حتى ارتويتم،  وتشاركتم معاها الفساد بمثل مشاركتكم كيكة السلطة، فعذرا، دعونا ننعم بتغيير حقيقي لصالح الوطن والمواطن، يقوده الشباب في الاحزاب الليبرالية وأحزاب اليسار التي لم تشارك في السلطة من قبل، فلربما نرى فكرا جديدا في الإدارة والحكم الرشيد، فضلا عن أن توليهم السلطة سيكون محكا ومختبرا فارقا لها. إن المرحلة التي تعيشها البلاد، تحتاج الى منهج جديد في الحوار والحكم والإدارة، وعدم اللعب على حبل الجهوية والقبلية والإنتهازية الواعية، وعدم المحاولة إلى العودة الى أدبيات المراحل السابقة المليئة بعبارات التهكم والسخرية بين الكيانات السياسية والفكرية التي اقعدت الوطن، وساقته إلى فتنٍ عمياء، صار الحكيم فيها حائرا، والرشيد  فيها تائها.

خامسا: إلى الحركة الشعبية وحركات دارفور المسلحة فإن كانت خصومتكم مع النظام الحاكم فإن النظام قد ذهب وأصبح تاريخا يردد، فضعوا اسلحتكم، وحكّموا عقولكم لصالح الوطن، وضعوا أيديكم في يد المصلحين والحادبين على البلاد في الفترة الإنتقالية، لنرى وطنا بلا احتراب، ينعم أهله بالطمأنينة والوئام والسلام، وإن كانت خصومتكم من أجل سلطة  فإن الشعب هو من يحدد لمن يمنحها، فهلمّوا اليه، وهيؤا أنفسكم لخيارات الشعب عبر الصناديق. أما إن كنتم تنشدون إقامة دولة وفق أيديولوجية محدده، فإن آليات طرح الأفكار والإيدلوجيات ليس من بينها قوة المدافع والبنادق، إنما قوة المنطق وسلامة الفكرة.

سادسا: إلى قوى الحرية و التغير الوعاء الجامع، والى اتحاد المهنيين، وتكوينات اليسار، إن التعنت أمام القضايا المتوافق عليها، وفرض الخيارات المؤدلجة، والإصرار على تنفيذ الأجندات الخاصة، سيدخل المكونات السياسية والمجتمعية في صراعات جانبية لا طائل لها،  وسيَضيع في خضمها الوطن، فلابد من إعلاء قيمة الوطن والتجرد من حظوظ النفس والإنتماءات الضيقة واللهث وراء المكاسب الرخيصة وتصفية الخصومات والسعي نحو السلطة كيفما اتفق، والنأي عن التفكير المنطلق من المرارات والمظالم، وتجنب الفشل في التوافق والتفاهم وعدم الإنكفاء على المحاصصة. ليس هنالك ما يبرر الاستمرار في رفع سقف المطالب يوما بعد يوم حتى أصبح بعضها نوعا من المبالغة والتعجيز. فليس من الوعي تحقيق وإستكمال مجمل البرامج والقضايا الكبيرة بإستعجال وإيجاز، مثل هيكلة أجهزة الدولة، ومحاسبة الضالعين في الفساد، والاقتصاص لدماء شهداء الثوره، وعزل قادة الخدمة المدنية، وحل المؤسسات، وتصفية الشركات، فلا يعقل أن تنجز هذه المهام خلال أسبوع أو أسبوعين، وإلا سيظل الاعتصام قائما «سقطت ما سقطت صابنها» فإذا افترضنا جدلا قبول المجلس العسكري الإنتقالي أو الحكومة المدنية القادمة بتنفيذ هذه المطالب وبالسرعة المطلوبة هل تستطيع في ظل هذه الضغوط تنفيذ تلك البرامج والاعتصام سيفا مسلطا على رقبتها وتحشييد الجماهير مستمر وتجدد المطالب متواصلا؟  إن المراهنة على إستمرار الإعتصام واستمرار  رفع سقف المطالب في ظل حالة السيولة التي تعيشها الدولة سيغري الأعداء لتحقيق مطامعهم فضلا عن إحراج الجيش الذي انحاز إلى خيار جماهير الشعب وما زال يتحلى  بالصبر والحلم وضبط النفس . فليس هنالك ما يبرر هذا الوضع إلا إذا استصحبنا في الاعتبار شعار الثوره «تسقط بس» دون التفكير فيما بعد السقوط فها هي سقطت مرتين ولم ينجح قادة الثوره في التوافق على حكومة مدنية دع عنك تقديم برنامج تنموي يستصحب الأوضاع الجيوسياسية والجيوستراتيجية للبلاد. إن الجدل السياسي الذي تكتظ به المنابر هذه الأيام والنفرات المتكرر للإجهاز على منسوبي النظام السابق لهو هدر للوقت وإنصرافية  تؤثر على مكتسبات الحراك الثوري. إن اتحاد المهنيين نال شرف قيادة الثوره وتوجيه دفة حراكها بالرغم من مشاركة جميع قطاعات الشعب بمختلف تكويناته وفئاته وتم تجير ذلك للاتحاد  فتغافل الشعب عن ذلك من أجل الحفاظ على مكاسب الثوره وينتظر تضحياتكم وتجردكم في مرحلة ما بعد السقوط.

سابعا: إلى الحكومة الإنتقالية القادمة بشقيها العسكري والمدني: إن أمر الحكم وإدارة شأن البلاد لهو أجل وأعظم من تصفية الحسابات والانتصارات الشخصية فالتُؤجل الأجندات المنكفئية على الذاتية والمتسمة بالصفوية من أجل الوطن المكتظ بالتباين الاثني والعرقي والطائفي والفكري الذي يحتاج لقدر كبير من التجرد. لا تستعدوا احدا فالمرحلة تتطلب الاستقطاب وليس الاستبعاد وتتطلب التعاضد والتامسك وليس العزل و الإقصاء تتطلب صدق النواياء والإرادة وليس التخوين والمكايدة تتطلب العدل والإنصاف وليس التجريم والانتقام فلا يعاقب شخص بجريرة غيره ولا تُطلق الأحكام على عواهنها وأن تدان الممارسة والسلوك وتحترم المنطلقات العقائدية والفكرية. أنتبهوا لما يحدث من خلافات و نزاعات بين الأحزاب العلمانية واليمينية والوسطية والجماعات غير المؤدلجة ومنظمات المجتمع المدني والذي أدى إلى الفشل في إيجاد منطقة أسطى تجتمع فيها تلك التكوينات لصالح الوطن وتتلاقح أفكارها وتندلق برامجها لصالح المواطن الأمر الذي سينهك جسد الوطن الواعد. لا تعزلوا أحدا ولا تغيلوا صادقا ومخلصا وفق إنتمائيه فمازال الوطن ينزف ويئن من تجربة الصالح العام التي أعتمدت على الولاء وأغفلت الكفاءة فلا تكرروا تلك المأساة فالوطن في حاجة إلى أبنائه الخلص من الشرفاء عفيفي اليد واللسان فلا تزروا وازرة وزر أخرى. إنتبهوا إلى أن منسوبي النظام السابق يستئثرون بمعظم المؤسسات الإجتماعية والأمنية والاقتصادية فاستهدافهم بشكل جمعي قد يدفعهم إلى إجهاض الثورة وهو هدف سهل التحقيق في هذه المرحلة التي تتميز بهشاشة الأمن وسيولة الدولة. فلا عزل لشريف ونزيه ولا إقصاء لبرئ فنجاح الثورة لا يتحقق ويكتمل بالتشفي والعزل والإقصاء فهم مواطنون ينتمون لهذا الوطن لهم من الحقوق ما للجميع وعليهم من الواجبات ما على الجميع ولا يمكن إبعادهم نهائياً من المشهد ولا تحيدهم ولا تغيبهم إلا وفق ديكتاتورية جديده يصبح إنتزاعها حق مشروع للجميع.

ثامنا: دولة القانون وإجتثاث الفساد : السعي الجاد نحو إقامة دولة العدالة وسيادة القانون التي يكون الناس فيها أحرار يتساوون في الحقوق والواجبات وتتكافأ فيها الفرص والمنح يتسم نسيجها الإجتماعي بالتماسك وتتجزر فيها روح الوطنية والمسؤولية في إطار القانون والدستور فهما الضمان لاستقرار الوطن والتداول السلمي للسلطة والمحافظة على الثروات عندئذ ليس مهماً من يدير دفة الحكم في البلاد. فكل الدول العظمى بنت نهضتها على مفهوم دولة القانون بعد جولات مأساوية ومريرة من الاحتراب والاقتتال. تعد العدالة الناجزة هي أفضل الطرق لتحقيق العدال بين الناس وليس عدالة إنتقالية ولا عدالة تعتمد على المحاكم الثورية ولا عدالة تعتمد على قانون الغاب والعضلات والاساليب البربرية إنما عدالة يكون الفصل في الإدعاءات فيها يقوم على تحكيم المبادئ العدلية والقواعده الشرعية والقانونية مثل «البينة على من ادعى واليمين على من أنكر» و «لا جريمة بلا نص» و «لا عقوبة إلا بذنب» ، عدالة تلتزم بالشريعة الموضوعية والشرعية الإجرائية. إن القرائن التي تدل على الفساد المالي والإداري كثيرة ولكنها لا تصلح أن تنهض دليلا للإدانة «المتهم برئ حتى تثبت إدانته»  وقد نصت القوانيين على طرق الإثبات. هذه الإجراءات قد يراها البعض شكلية وقد تسمح للفاسدين بالإفلات من العقاب إلا أنها تعتبر مسارا أساسيا لتحقيق العدالة التي ينشدها الجميع فالحقوق لا تسترد بالإدعاءات التي لا تسندها بينات فإقامة العدل أصعب من هدم الظلم وإحقاق وبسط الحق أشق وأصعب من إبطال وزهق الباطل.

تاسعا: ان الإسلام هو دين السواد الأعظم من الشعب فأي إجراءات تعمل على تغيبه من المشهد ستصطدم بالمزاج العام للشعب السوداني وأي إجراءت تعسفية أحادية تسعى لفرض توجه يستهدف الدين سيفجر الموقف ويفقد الثوره تعاطف ومساندة القدر الأكبر من الجماهير بل ستجد الثوره نفسها أمام ثوره أخرى فمن الحكمة عدم استفزاز مشاعر المسلمين بسبب العداء لإسلاميي المؤتمر الوطني حتى لا تندلع حرب من نوع آخر وأول الحرب كلام. أي فعل سالب أو عنف لفظي  يستهدف العقيدة سيقابله فعل مضاد له في الاتجاه وربما يفوقه في المقدار فمن الخطأ أن يكون الدين عنصرا للجدل السياسي. إن جماهير الشعب لم تخرج لمناهضة دين الله ولم تحتشد لرفض أوامر الله ولم تحتج على شرعه ومناهجه القويم ولم يكن من بين خيارتها قضية  فصل الدين عن الدولة أو إقرار دستور علماني إنما خرجت الجماهير ثائرة على الفساد والظلم والاستبداد ونهب ثروات البلاد فكان من أعظم شعارات الثورة إنصافا وعدلا “سلمية سلمية ضد الحرامية” وليس ضد الكل.

عاشرا: عذرا وطني العزيز فقد سيطر التشاؤم على كل مساحات التفاؤل في نفوس الصادقين، وأحكم الخوف قبضته على روع المخلصين وداهمتهم الشفقة عليك من كل فج عميق فقد بدت بوادر الفتن تطل برأسها من مخابئها، وتفوح رائحة المؤامرات السوداء وتسفر عن نفسها بزهوِ وقوة، وتشتد النزاعات والصراعات بين المكونا السياسية، فوا أسفاه على الثورة التي تتدحرج بقوة نحو الظلام، وتسرع بشدة نحو المجهول، بسبب الخلافات التي برزت على السطح بين مكونات الحراك الثوري والتي تتعمق وتتجزر يوما بعد يوم بسبب التهافت على السلطة، والكراهية التي تتمدد ساعة بساعة بسبب تتضاؤل مساحات قبول الآخر، فالمشهد يشبه تماما الأيام الأخيرة من حكم الديمقراطية الثالثة، الذي وصلت فيه البلاد لأسوأ حالات الذل والهوان، وانتشر الرعب الذي هدد السلام الاجتماعي، وتمدد الجوع والمسغبة التي وضعت الوطن في خانة التسول والتزلف. بالرغم من هذه التداعيات نظل نرد شعارات التفاؤل والإستبشار غدا تغرد العصافير وتولّي الليالي الكوالح، وتشرق شموس الفلاح.

Krimhashimi5@gmail.com 0912677147

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إغلاق